مقالات دينية

العلم والأيمان

الكاتب: مشرف المنتدى الديني
العلم وألأيمان
المقدمة (1) هناك وعبر التاريخ ومنذ ان وعى (الأنسان ) أنّه يختلف عن الخليقة في كونه قد وصل الى مرحلة من التطور الفسيولوجي والوعي بنشاطه العقلي
( ذلك العقل الذي لا يقع تحت الحواس ولكنه يمارس نشاطه بواسطة الدماغ ، الذي هو اكبر واكثر تعقُّدا عند ألأنسان مقارنة بالكائنات الحية ألأخرى ) وظهور الحرية ، وألأستقلال ، والضمير ، والخطيئة ، اكتشف ذاته ، وعى وعرف  انّه يختلف عن الكثير من المخلوقات الحية التي تعيش احيانا كثيرة بالغريزة (وكانّها مبرمجة ) بينما البشرية وصلت مرحلة من التطور الذي تمخَّض عنه التفكير العلمي (بالعقل) والتفكير بالموت و بما وراء الحياة (الميتافيزيقية) . عرف الأنسان ، بانَّه كائن حي يتمتع بالحرية ويحب الحياة ويخشى الموت ، وحاول أن يبعد عنه شبح  العدو (الموت) وهكذا اصبح يفكر بما وراء الحياة والأيمان بوجود الهة هي التي تتحكم بمصير الأنسان ، واخيرا توصَّل الى حقيقة وجود اله واحد ، خالق الكون وواهب الحياة ، لأنَّه  اله المحبة  .  لقد قيل وكتب الكثير عن خلق الكون والكائنات الحيّة . من العلماء من يرى تعارضا بين نظرية الخلق الكتابية أعني بها كما وردت في سفر التكوين وبين نظرية التطور التي ترجع جذورها الى مطلع القرن الثامن عشر ابتداء بالأفكار التحولية التي نادى بها العالم الفرنسي بيير لويس دي موبرتوي ومرورا بالعالم الفرنسي لامارك الذي تنبه لوجود تدرج بارز في الكائنات الحيّة مع تعقُّد تصاعدي وصولا الى محطّة الترحيل الذي رسم معالمها العالم والمنظر البريطاني الكبير شارل بوبيرت دارون ، الذي وضع أسُس نظرية التطور كما نعرفها وندرسها اليوم ، وانتهاء باللاماركية الجديدة والداروينية الجديددة والحيادية . ألأسئلة التي من الممكن أن تطرح حول عملية الخلق والتطور: ترى  هل أنَّ ظهور ألأنسان حسب نظرية التطوّر البايلوجي يجعله مجرد مخلوق آلي محدد المعالم ؟ كيف يمكنه أن يكون حرا ومسؤولا؟ كيف يمكن بعد هذا ، الكلام عن وجودخالق ، حيث يبدو كل شيئ محددا بالميكانيكيّات البيوكيمياوية ؟ .  هل الله خلقَ الكون وهل توقَّف الله عند خلق الكون  ، أم أنّه حاضر وهو لازال يخلق ؟. وهل ألأنسان يتوقف عند اندهاشه بهذه اللوحة الجميلة (لوحة خلق الكون ) أم عليه أن يفتِّش عن الذي رسم هذه التحفة الفنية ليتعرف عليه ؟.  كيف ننظر الى سفر التكوين بعين تنظر بمنظار التطوّر ، وهل هناك تعارض بين الخلق والتطور ، اي بين الخلق كما جاء في سفر التكوين وبين التطور ؟ لماذا الموت الطبيعي ؟ وهل هي ظاهرة أساسية لتطوّر الجنس البشري ، أم ضرورة كونية ؟. ” اذا كنّا نؤمن بانَّ هذا العالم هو صنيع خالق ، وهو قد رتَّب كلِّ شيئ “بحكمة ومحَّبة” ألأ يشكِّل هذا ألأيمان سذاجة أو مخاطرة منّا (نحن المؤمنين )أمام هذا السيل من ألأكتشافات العلمية  في كُلِّ يوم ، وأمام عالم يسير بطريقة لوغاريتميا في اكتشاف و سبر مجاهيل الأرض لا بل الكون، ويغوص في اكتشاف اسرار نشوئه ؟ كيف نستطيع ، كمؤمنين ، أن ندافع عن هذا ألأيمان بخالق ومهندس هذا الكون، اذا لم نستطع أن نستوعب هذه ألأكتشافات  لنقول للعالم بأنَّها لا تتعارض مع ايماننا بل تؤكّد عليه ، عقليا  ؟وكيف نستطيع كمؤمنين أن نناقش موضوع نشوء الحياة وتطورها ، اذا لم نتسلح بالعلم والمعرفة ، وبالحجج المقنعة عقليا لندافع عن إيماننا ؟ أليس العلم والمعرفة (الثقافة) هما نتاج العقل في محاولاته لكشف أغوار الكون  ، ولكن بطرق اخرى ، للوصول الى “الحقيقة ”  التي نحن ، كمؤمنين ، نؤمن أنَّ ،هذه الحقيقة ، جسدها يسوع المسيح في قوله “أنا هو الطريق والحق والحياة ” فهو مسيح الكون ؟ أليست حياتنا ، نحن كبشر، مبنية على قيم ثقافية معيّنة وبواسطتها إنَّما نبحث عن الله ، كُلِّ في مجال عمله : الفيلسوف يعمِّق فكرته والعالم يتوسع في عمله الى أقصى الحدود ، وكُلٍّ منهما سيكتشف حقلا من المجهول شاسعا ، وهكذا  يحاول المؤمن أن يعيش و ينمّي ايمانه ، ولكن الله يبقى ما وراء هذه الحدود ، مهما زاد واتسع فهمنا للعالم الذي حولنا ، وسنزداد ادراكا للامتناهي الذي يتجاوزنا ابد الدهر ؟  .  هل العلم ، ككُل ، يكتفي بذاته ويلبي طلبات ألأنسان المعنوية والروحية  ويجيب على كافة اسئلتنا الوجودية ، أم أنَّ الواقع يقول غير ذلك ؟  اليوم العلماء ( كعلماء الفيزياء والكيمياء والباحثين عن اصل نشوء الكون والحياة ) توصلوا الى حقيقة مدهشة تقول  “إنَّ المادة كانت ملأ بالحياة ….وليس من اللامعقول القول بأنَّ الكون تطور كما لو أنّه اراد أن يلد كائنا قادرا على أن يعي وعيا كاملا لوجوده “(مع الأعتراف بالطابع البشري الذي يتميّز به هذا الأقتراح )…. وعليه فانَّ مسالة ظهور الحياة على كواكب اخرى شبيهة الخصائص بكوكبنا أمر وارد . لقد شاعت مختلف التفاسير عن عملية الخلق ألأصلية  ولازالت قائمة في شتى ألأديان .فسفر التكوين يقدم لنا عملية خلق تصدر من الخالق ألأوحد الذي هو مصدر كل وجود وكل حياة . فمن ألأرادة الخلاّقة للخالق تنبثق كل الكائنات المعروفة مرتبة وفق نظام معين يرتبط بدرجة كمال كل واحد منها . وترجع فكرة الخلق الفوري أو اللحظوي الواردة في النص الكتابي الى رغبة المرء في ارجاع كل وجود مباشرة الى العقل ألألهي ، علما بأنِّ الكيفيات التي تتم بها عملية الخلق لا تدخل في دائرة اهتمامات مؤلفي سفر التكوين . وقد بلورت التناحرات الفلسفية والدينية خلال القرن التاسع عشر لدى الراي العام التعارض بين الخلق والتطور لأن الباحثين آنذاك لم يعترفوا بالتطور إلاّ كانجاز لحظوي آني لأرادة الخالق . كما اننا لا نزال نلاحظ اليوم أنَّ بعض المسيحيين من انصار مفهوم الخلق هذا مضطرون لأن ينفردوا برفض هذه الحقيقة العلمية أو تلك ، أو لأن يتخلوا عن ايمانهم نهائيا .  انَّ التفسير الحرفي لسفر التكوين عن الخلق ، والذي لازال الكثيرون يتمسكون به ، يقود الكثير من المؤمنين الى التعصب ورفض الحقائق العلمية  . غير أنَّ التعارض بين الخلق والتطور قد انحسر كثيرا عند المسيحيين حتى لدى ذوي الثقافة البسيطة منهم  …في الواقع أنَّ حصر الخلق بعملية لحظوية آنية لم يكن قط من رأي أللأهوتيين بالخالق وبعمله (كآباء الكنيسة ومار توما ألأكويني  الخ ..وحتى بعض المزامير  )
 (2) ، انَّما هو في الحقيقة ثمرة قراءة حرفية جدا للصور الكتابية ….الواقع أنَّ ألأيمان لايعيش الاّ اذا نما وترعرع . من منّا يستطيع فهم  الله كما هو في الواقع؟ الا يزال باب اكتشافه مفتوحا دائما أمامنا ؟ فكُلّما وسعنا آفاقنا (المعرفية والثقافية ) يبقى الله ورائها : “أنا هو ذلك الموجود في الماوراء”…اوليست كُلِّ جهود البشر المبذولة لمعرفة العالم المخلوق وفهمه عبثا وجديرا بالسخرية عندما تُبعد البشر عن خالق هذا الكون ، والذي وحده يفسِّر كُلِّ شيء ويمنحنا فهم روائع الكون ، واذا ما ضاع هذا القدر من البشر باسم مستواهم الثقافي فذلك لأنَّ هذا المستوى رديء  ؟ . إن لم يستطع البعض أن يدمجوا انطلاقتهم الثقافية بايمانهم ، أفلا يعني ذلك أن إيمانهم ذاك كان ضعيفا جدا ؟ اليست الثقافة ، بدلا أن تقف عائقا بوجه ألأنسان ، بامكانها حتى تساعد ألأنسان لأن يتقدم نحو ألأيمان اذا كانت “منفتحة” وموّجهة نحو ما لا تملك ولا تكون موجهة بالتحديد نحو ما يمكنها البلوغ اليه ؟ . إن لم نتأمَّل في غير ما نعرفه ونملكه فكيف لنا أن نكتشف ماليس له حدود؟. لقد قيل قديما :”قليل من العلم يبعدنا عن الله الخالق ، وكثير من العلم يجعلنا ننحني ونسجد أمام هذا الأله الخالق . “فمن أنتَ أيُّها ألأنسان الذي تجاوب الله ، العلَّ الجَبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا ؟. يقول  بولس الرسول : “…فنحن نعلم أنَّ المعرفة لدينا جميعا إلاّ أنَّ المعرفة تزهو بصاحبها ، والمحبّة هي التي تبني . فمن ظنَّ أنّه يعرف شيئا ، فهو لايعرف بعدُ كيف يجب عليه أن يعرف . لكن الذي يحبُّ الله يعرفه الله “1كورنثوس 8 : 1-3 ” سنرى كيف انَّ نظرية التطوُّر العلمية لا تتعارض في اللاهوت المسيحي مع نظرية الخلق الواردة في سفر التكوين . فهناك تلاقي وتوليف وانسجام بين ألأيمان  وبين العلوم الموضوعية  عن اصل نشوء الحياة والخلق. وسوف نكتشف  أنَّ التطور هو روعة وعمل الله الخلاّق . سنراجع بالبحث وألأستقصاء ما كتبه العلماء المؤمنون عن نشوء الحياة وألأستقلال الذاتي المتزايد للكائنات الحيّة وظهور ألأنسان وحريّته وعلاقته مع خالقه ومأساة الشر والخطيئة  والموت  هذا ما سنبحث عنه ، في المقالات التالية انشاء الله.
بقلم
نافعالبرواري
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!