ذكـريات في رحاب الكـنيـسة / الحـلقة الرابعة عـشرة:أحـدهـم ينـتـظر يسوع في إيـﮔاليو

الكاتب: مايكل سيبي
ذكـريات في رحاب الكـنيـسة
 
 الحـلقة الرابعة عـشرة ــ أحـدهـم ينـتـظر يسوع في إيـﮔاليو
 
 

التـناول الأول للقـربان المقـدس عام 1996 :
بدأتُ بتدريس الأطفال البالغ عـددهـم 31 بنيناً وبناتاً منذ آذار 1996 وحـين إقـترب موعـد الإحـتـفال عـلمتُ أن الكاهـن الألماني غادر إلى غـير رجعة ، فـبحـثتُ الأمر مع المطران الـيوناني فـقال لي : إبحـث عـن أيّ كاهـن كـلـداني خارج العـراق ونحـن نوجّه له دعـوة وعـلى نفـقة المطرانية ، ولما كـنـتُ لا أعـرف أحـداً ، إتـصل هـو بكـنيستـنا في القاهـرة لـيستـفـسر عـن الكاهـن هـناك فـقـيل له بأنه خارج مصر في مهمة وسيتأخـر بعـض الشيء . وفي نهاية الأمر أقام الأب ستيفانوس قـداساً في كـنيسة آخـرنون بتاريخ 16/6/1996 باللغة اليونانية ونحـن مع الأطفال باللغة الكـلـدانية والعـربية ، وترجـم كـلمة سيادة المطران اليوناني أنارﮔـيروس إلى لهجـتـنا الكـلـدانية شماس ، وقـرأ مارتن مايكـل سـيـﭘـي الرسالة بلحـن القـداس الإحـتـفالي . وكـنـتُ قـد أخـذتُ هـدايا من دير الأم تيريزا وقـدّمْـتـُها للمتـناولين قـبل موعـد الـتـناول بـيوم واحـد .
 
الأب ستيفانوس يطلب مني القـيام بدَوْر الواعـظ :
في يوم أحـد من عام 1996 ونحـن حاضرون قـداس الأب أثاناسـيوس والشماس يقـرأ الإنجـيل في كـنيسة آخـرنون… لمحَـتْ عـينايَ الأب ستيفانوس ( يعـرف الإنـﮔـليزية ) من بـين السـتارة وأعـمدة الهـيكل يؤشـّـر نحْـوي ويدعـوني فـتـقـدّمْتُ إليه وقال لي : هـل يمكـنك أن تـقـدّم وعـظاً يتضمّن شرحاً للإنجـيل ؟ قـلتُ له : هـذه مهـمّة سهلة ولكـنك فاجأتـَـني خلال دقائق ! ولو كـنتَ أبلغـْـتـني قـبل ساعة واحـدة عـلى الأقـل كـنتُ سأجـمع أفـكاراً وأحَـضِّـر كلاماً ، ولكـن إذا أردْتَ سوف نـبـدأ من الأحـد القادم ! فإتـفـقـنا ، وفي الأسبوع التالي قـرأتُ الإنجـيل بـدلاً عـن الكاهـن مبتـدئاً بـ ( شلاما عـمخـون ) بلحـن القـداس الإحـتـفالي ليوم الأحـد ثم إبـتـدأتُ بالكـرازة ( باللهجة الكـلـدانية ) مفـسّراً الإنجـيل وليس إعادة نـصه كـما يفـعـل الـكـثيرون !
وبعـد توالي الآحاد ونحـن مستمرون بهـذا الـتـرتيب صِرْتُ أسمع أقاويل فـطيرة من عاجـزين وضعـيفي الـنـفـوس فـقالـوا : لا نـفـهم اللغة الكـلـدانية والشماس لا يمكـنه أن يعِـظ باللغة العـربية ! فـفي الأحـد التالي وعـظـتُ باللغة العـربية الفـصحى نـزولاً عـنـد رغـبتهم وعـنـدئـذ قالـوا نحـن لا نفهم الفـصحى ، فـقـلتُ لهم : أيليق أن نـقـدّم خـطبة دينية في الكـنيسة وأمام 300 إو 400 شخـص باللغة العـربـية الدارجة ؟ هـل هـذا ذوق إذا قـلـنا مثلاً : ( ﭽان يسوع يتمشى و إجا واحـد …؟ ) أو ( فـد يوم مْن الأيام دخـَلْ يسوع لـْهـيكل وْ شاف ناس يـبـيعـون ويشترون وﮔام بَـهـدَل أحـوالهم …. ) ؟ وأضفـتُ : أنا شخـصياً لا أتكـلـّم كلاماً مُبتـذلاً بهـذا المستـوى داخـل هـيكـل الكـنيسة ، فـرجـعـْـتُ أعـظ باللهجة الكـلـدانية مرة أخـرى فإلـتهـبَتْ الغـيرة عـندهـم أكـثر ، وخاصة عـند الـبعـض من أولـئـك الذين إدّعَـوا أنهم قـد درسوا في السيمينير وتـركـوا ولا يمكـنهم أن يرَكـّـبوا جـملة مفـيدة واحـدة أمام الجـموع المحـتـشـدة .
 
الأب أثاناسْـيوس ( سكـرتير المطران ) :
وأثـناء الـقـداس وتقـديم القـربان المقـدس كان الأب أثاناسْيوس سكـرتير المطرانية ( هـو المترجـم عـنـد لقائي مع المطران ) يكـلـّـفـني أن أخـفـّـف الإزدحام عـنه وأشاركه في تـقـديم القـربان المقدس للمؤمنين ــ وأنا غـير مرسـوم كـشماس حـتى الـيوم ــ وهـنا ثارتْ ثائرة أولئك الضعـفاء مرة أخـرى ، مما إضـطرّوني إلى أن أعـرض الموضوع للكاهن وكـلـّمْـتـُه أمامهم قائلاً : إن البعـض يعـترض عـلى تـقـديمي القـربان المقـدّس بإعـتباري لستُ كاهـناً ، كما يعـترضون حـين أقـول في قـراءة الإنجـيل ( شـلاما عـمخـون … ) ! فـضحـك وقال لي أمامهم : في موضوع القـربان المقـدس أنا الذي أكـلـّـفـك وأطلب منك ذلك ، فـلِـمَ الإعـتـراض ؟ هـذا أولاً ، أما بشأن ( شلاما عـمخـون ) أين الخـطأ فـيها ؟
قـلتُ له : إنهـم يقـولون أنّ تلك هي كـلمات الكاهـن ولا يحـق لي النطق بها ! قال : ألا تسلـّمون عـلى الناس في بلدكم حـين تكـلمونهم ؟ هـل في تـقاليدكم تباشـرون بالكلام بدون سلام ؟ وأضاف : أنا الذي أطلبها منك ، وإنْ كانت هـناك مسؤولية … فإنك لا تـتحـملها ! وعـنـدها سـكـتَ شـبابنا ، وحَـﭼـي بـيناتـنا هـيّة الغـيرة كاتـلتهم مو أكـثر .
 
أحـدهـم ينـتـظر يسوع في إيـﮔاليو :
إنّ ظروفاً كـثيرة وأسباباً عـديدة تسـبِّـب تـناثرِ الأوراق اليابسة من الشجـر ، وهـكـذا تكـون سـبـباً في تسـرّبِ بعـض الأفـراد الكاثوليكـيّـين من كـنيستـنا وإرتمائهم في أحـضان كـنائس عـجـيـبة وغـريبة ، فالبعـض من أتباع تلك الكـنائس يـدّعي بأنه يتـكـلم مع الروح الـقـدس ، وآخـر عـنـده جـلسة ونـقاش في الحـديقة مع يسوع …. وآخـر ناداه يسوع في الشارع …. ( وآنا الخاطىء شـخـصياً ، في الكـنيسة منـذ أكـثر من خـمسين سنة ولم يأتـني يسوع يوماً !! ) وقـد تطرّقـْـتُ إلى هـذه الظاهـرة في وعـظ قـداس الأحـد وقـلتُ : إني تعـرّفـْـتُ خـلال فـترة حـياتي عـلى كـهـنة وأساقـفة
وشمامسة ومؤمنين وأتـقـياء كـثيرين وحـتى من مذاهـب عـديدة ولم أسمع أحـدهـم أنْ قال يوماً بأنه تكـلـّم مع الروح القـدس ، بل وحـتى الـﭘاﭘا لم يـدّعِ ذلك يوماً ! ولكـن شباباً مراهـقـين وطائشين غـُسِلـَـتْ أدمغـتهم وصاروا يهـذون ولا يعـلمون ما الذي يقـولونه ويدّعـون ذلك ( ستـقـرأ في حـلقة قادمة مشهـداً مماثلاً وأنا حـديث العـهـد في أستراليا ) .
 
وكان لإبـن خالي صديقاً إسمه ــ حـكمت ــ هـو واحـد من بـين أولئك ، ويتواجـد يومياً في منطقة إيـﮔاليو / أثينا حـيث يتجَـمّع العـراقـيّون . قـلتُ لإبن خالي يوماً : هات صديقـكَ لزيارتـنا فأنا أريد أن أراه وأكـلـّـمَه عـسى أن يفـيدنا ونـُـفـيده ! فـلما أخـبره ، لم يمتـنع بل قال : طيـب ، أنا أعـرف إبن عـمَّـتـكَ وسـنـذهـب عـنـده يوماً عـن قـريـب . إنـتـظـرتُ دون جـدوى وبعـد أيام قـلتُ لإبن خالي : قـل لـصديقـك أين أنـتَ نحـن مشتاقـين ؟ فـلما إلـتـقاه كـرّر له رغـبتـنا في رؤيته زائـراً عـنـدنا ، فـقال حـكـمت : إني أنـتـظر كلاماً من يسوع لـيسمح لي في موضوع زيارتي لإبن عـمتـك !!! ولما فاتـتْ أيام طويلة كـرّرتُ وقـلتُ لإبن خالي : قـل لـصديقـك حـكـمت هـذه المرة : إنّ يسوع جاء عـنـد إبن عـمّـتي في الـبـيت ورآه ! فـكـيف لم يأتِ إلى إيـﮔاليو ولم تـرَهُ أنـتَ حـتى الـيوم ؟ .
 
غـريـب الأطـوار في أسـتـرالـيا 1996:
لي صديق مخـلص في أستراليا وله مكانـته في الكـنيسة وبـين الشمامسة أيضاً وعـلى علاقة جـيدة جـداً بالكاهـن الأسترالي المحـترم إلى درجة أنـني لما إتصلتُ بتلفـون داره في صباح أحـد الأيام من أثيـنا كان جـواب أهـل الـدار : ( أهلاً أبونا صباح النور تـفـضّل للفـطور معـنا ) متـوهّـمين بصوتي مما يعـني أنّ هـناك عـلاقة ودٍ حـميمة بـين صديقي الشماس والكاهـن .
كان صديقي هـذا يعْـلم بظروفي من جهة ، ومن جهة أخـرى يعـرف خـلفـيّـتي الكـنسية ، أما الأخ الكاهـن هـذا وبسبب طول مدة إقامته في أستراليا فإن له عـلاقات وثيقة مع المسؤولين عـلى مستوى الكـنائس والدولة ومن بـينها وزارة الهجـرة . وكـنت أكـتب رسائل إلى صديقي أوَضّح له أنـني مرفـوض مرات ومرات من السفارة الأسترالية في أثينا وحـتى من سـفارات أخـرى وأغـلقـتْ كـل الأبواب بوجهي وكاد مستـقـبل أولادي يضيع ، فـتألـّم لي وفاتح ــ أخـينا ــ بالموضوع وألحّ عـليه كي يعـمل شيئاً من أجـلي وينـتشلني وعائلتي من هـذا المأزق ، وصديقي واثق كل الثـقة بأن كاهـنـنا ( لو أراد ) يمكـنه أن يضمن ويحـقـّـق نـتيجة إيجابـية في هـذا الشأن ، فـناشـده قائلاً : أنـنا بحاجة إليه كـخادم في الكـنيسة أكـثر من موضوع إستـقـرار عائلته .
وفي نهاية المطاف تظاهـر كاهـنـنا بأنه سيـلبّـي طلب صديقي وقال له : قـل لرفـيقـك في أثينا أن يقـدّم طلبه وأنا بدَوْري سأتـّـصل بقـنصل الهجـرة في السفارة الأسترالية هـناك . فـكـتب صديقي رسالة لي في مطلع تشرين الثاني 1996 كـلها أمل وطمأنينة وثـقة بل حاسمة وقال فـيها : إعـتبر نفـسك في أستراليا وإبدأ بالتحـضير منذ الآن كي نحـتـفـل هـنا سـوية ( ليس بعـيد الميلاد ) بل أكـيـد بعـيد القـيامة المقـبل ، وأضاف : إن هـذا الكاهـن حـين يقـول يفـعـل . فـقـدّمْتُ أوراقي وكلـّي لهـفة ونـشـوة وغـبطة نابعة مِن ثـقة صديقي القـوية بكاهـنه وصرْتُ أنسج صروحاً وآمالاً من خـيوط مخـيِّـلـتي ، مبنية عـلى تلك الرسالة التي كـتبها مستـنـداً إلى وعـد الرجال !! . ولكـن ما أنْ مرّ أسبوعان حـتى جاءتـني إبنـتي وأنا في كـنيسة دير الأم تيريزا لتخـبرني بأن رسالة رفـضٍ وصلتْ من السفارة الأسترالية .
وحـقاً أقـول لـقـد كانـت صدمة قـوية لا يمكـنـني وصفـها ، إنهارتْ معها كل آمالي وصروحي وتألـّمتُ كـثيراً ، فإتصلتُ بصديقي وأخـبرْتـُه بالنـتيجة المحـزنة فـتـفاجأ بدَوره هـو أيـضاً وخاب أمله . ولما أخـبر الكاهـن الموقـر بالنـتيجة المحـبطة ! ردّ عـليه قائلاً : لقـد إتـّـصلتُ بالسفارة فـعـلمْتُ أن الطاقـم كـله قـد تبدّل ولم أعـد أعـرف أحـداً هـناك ! . يا لدروب الـــ ، فـلو أن الأمر كان كـما إدّعى ، لماذا لم يُخـْـبـِر صديقي حال عِـلـْمه بذلك وقـبل ظهـور النـتائج ؟ إنه ماكـر من الـطـراز الأول ، فـمِـن جهة تـظاهـرَ بأنه لـبّى طلب صديقي ، ومن جهة أخـرى لم يُحـرّك ساكـناً ، ليـنـتـظـر ! إذا جاءت نـتيجة تـقـديمي إيجابـية فالجهـد جهـده والفـخـر له ….. أما إذا كانـت سـلـبـية فالعـذر جاهـز عـنـده …