ذكريات من الماضي العراقي القريب (9)

الكاتب: عبدالله النوفلي
ذكريات من الماضي العراقي القريب (9)
واستمرت مأساة الشعب العراقي طويلا وكتب الكثير عنها كما كتبت يوما رسائل سميتها (رسائل من تحت الأنقاض)، وحينها ذكرت لصاحبي أنه لم يخطر ببالي أبدا أن أقوم بترقيم رسائلي حيث كنت قد وصلت حينها للرسالة الرابعة، لأن الأحداث كانت ومازالت جسام، وبحاجة كي نوثق ما نتمكن منه للتاريخ كي يعرف أبناؤنا وأحفادنا حجم الدمار الذي اجتاح العراق في قرن الحضارة والتكنولوجيا؛ القرن الحادي والعشرين.
وعن استمرارية هذه الأحداث فقد تعرضت دائرتان تهتمان بالشان الديني ومزاراته وأوقافه هما الوقف الشيعي والوقف السني مطلع حزيران 2012 لأعمال من أمثال تلك التي نذكرها في كتاباتنا يندى لها الجبين فرجل يسوق سيارة مملوءة على ما يبدو بالحقد والكراهية ووسائل الموت يقتحم الحواجز كي يوصل الموت إلى داخل مبنى ليس فيه سوى موظفين بسطاء يعملون من أجل اعالة عوائلهم وكذلك كان الوقف السني هدفا لهاونات الأشرار كي تكتمل الرسالة ويكون عنوانها إلى كافة الأطياف في العراق مفادها أنكم جميعا أهداف للق*ت*ل لأنكم شعب مؤمن وكي ينطبق قول المؤمنين عن أنفسهم (أن المؤمن مبتلى) وقد تمت هذه المقولة بهذين الحادثين الذين ما كانا سوى امتداد لما حدث في فترات سابقة.
فحادثة جسر الأئمة لا يمكن أن تنمحي من الذاكرة مطلقا فقد كان ذلك اليوم علامة سوداء كبيرة في تاريخ الأشرار الذي استهدفوا زوارا بسطاء يسيرون على أقدامهم كي يؤدوا مراسيم دينية يعتقدون بصحتها ووجوبها نحو مدينة الكاظمية المقدسة ومرقد الإمام موسى الكاظم وكان حينها الجسر هو المكان الذي بث فيه الأشرار سمومهم ولم يكن على طوله موطيء قدم فارغ فالكل يدفعه الإيمان بسيره حثيثا وهو يرى مآذن الحضرة الكاظمية تلوح في الأفق لكن العشرات كان نصيبهم السقوط والغرق في مياه دجلة وغيرهم وقعوا تحت الأقدام وقضوا نحبهم وكانت الفاجعة المؤلمة جدا!!!!؟ فماذا يريد الأشرار لهذا الشعب؟ هل يريدونه ملحدا وغير مؤمن؟ أم يريدونه يمارس الرذيلة ويسعى نحو الحرام؟ فقد جاء في الإنجيل الشريف قولا مفاده: زمرنا لكم فلم ترقصوا ونحنا لكم فلم تبكوا!!!؟ (لوقا 32:7) أي الأن الأمر محير فعلا لأننا فشلنا في معرفة قصد الأشرار من كل هذا، فقطعا لم يكن على الجسر فردا واحدا من جنود الإحتلال، وحتى لو كان هذا فكيف يضحي من يدعي الوطنية بالآلاف من أبناء شعبه كي يقضي على ذلك الفرد الواحد من الأعداء؟
لكن العراقيون أثبتوا أنهم أخوة ومتماسكين ورغم أن جسرا يفصل بين الأعظمية التي يعتبرونها معقلا سنيا وبين الكاظمية المعروفة بشيعتها، لكن مرور المواكب عبر الأعظمية كان موقع ترحيب من أهلها ويقدمون لهم كل العون والمساعدة، وعند وقوع المجزرة على الجسر كان هناك من يرمي بنفسه في مياه النهر ويجيد السباحة كي ينقذ ما يمكنه من أعداد الذين رموا بأنفسهم في النهر وكان البطل في تلك الملحمة فتى سنيا لم يتوقف من الإنقاذ حتى خارت قواه وأبى إلا أن يموت مع أخوته الشيعة كي يكون رمزا للأخوة وللمحبة المطلقة التي يضحي الإنسان بنفسه في سبيل أحبائه.
والمرجعيات تستنكر وتشجب وتوجه فها هو معتمد المرجعية في كربلاء المقدسة ينتقد استمرار الصراعات السياسية لأن الشعب هو الذي يدفع الثمن لأن هذه التصرفات بعيدة عن منطق العقل والدين وهي بلا شك ولاريب غير مرضية بالنسبة للمرجعيات، ألا وهي الاعتداءات على المساجد”. وأضاف أن “ذلك حصل في بعض المناطق سواء كان المسجد لهذه الطائفة أو تلك والمسجد من المقدسات التي لا يجوز الاعتداء عليها أو المساس بها إطلاقا ومن حق كل طائفة أن تبني المساجد ولا يحق للآخرين الاعتراض عليها”، مؤكدا أن “هذا موقف المرجعية الدينية”. وطالب في الوقت عينه المسؤولين لتوفير الحماية لدور العبادة رغم أن الشعب اليوم يعيش حالة من الارتباك كونه لا يعلم أين ستتوجه البوصلة في العملية السياسية كون البعض يطبلون بسحب الثقة وغيرهم واثق بعدم سحبها وأصبحت بموجب هذا تواقيع نواب حسب قول البعض أنها مزورة فللعراقي التصور عن حالة التردي التي وصل عليها العراق سياسيا عندما تبرز ورقة بتواقيع نواب في البرلمان العراقي وتقدم لرئيس الجمهورية ليتضح بعدها عن كم منها مزور وغير حقيقي؟؟!!!
فلا أحد غير الشعب العراقي يكون الضحية دائما ويبدو ذلك جليا في كل زمان ونظام وسلطة لأن الحلول دائما تضيع مع حالة من التشتت الاعلامي غير الموجه حيث نعيش حالة من التيه والضياع والخسارة المؤلمة لأن ما يتفوه به سياسيينا أحيانا هو الذي يصعد مسألة التوتر ويصبح الجو العام متشنج ومتوتر، أما من عليه أن يبعث الأمل في صدور العراقيين وطمأنتهم فهذا بعيد عن صدور وعقول سياسيي اليوم الأمر الذي يدفع بالعراقيين لحزم أمتعتهم والبحث عن ملاذ آمن في أرض الله الواسعة.
والعراقي أول ما يصل لحدود دولة جارة أيا كانت يشعر بالاختلاف الكبير؛ فدولة منتجة ومصدرة للنفط يعيش أبنائها الأزمات الوقودية باستمرار، ودولة تعادل موزانتها موازنة عدة دول مجاورة في المنطقة تجد العراقيين في التقاطعات يشحتون ومعوقون يطلبون الشفقة ويزداد عديدهم باستمرار ولا تجد عراقي لم تدخل الحسرة في قلبه لسبب أو لآخر فحتى الانترنيت الذي أصبح وسيلة اجتماعية للتواصل في جميع أقطار العالم يعاني منها العراقيون كونها بطيئة ولا يمكن تحميل ملف حجمه بعض من الميكا بايتات، بينما في معظم أقطار الدنيا يتم تحميل هذا الحجم بلحظات محدودة ويتواصل الإنسان مع معارفه وأصدقائه بتوانٍ معدودات رغم بعد المسافات الشاسعة التي طولها وعرضها المحيطات والبحار والصحارى الشاسعة. كنا نأمل من السياسيين التنافس على تقديم الأفضل لأهلهم لا أن يتصارعوا من أجل كرسي غير دائم، خاصة وأن أجدادنا الحكماء قالوا في هذا الصدد: لو دامت لغيرك ما وصلت ألك!!! لكننا نجد الكثير من التهكمات على سياسيينا اليوم بحيث البعض يصف الحالة بأن المسؤول يُلصق نفسه على الكرسي إلى درجة لا يمكن أزاحته عنه !!!
ونحن في العراق مازلنا في ذيل الدول بحيث أصبحنا مثار سخرية الدول كوننا الدولة الأكثر فسادا وأخبار الفساد نجدها دوما في صحافة العراق بحيث محافظة واحدة وهي الديوانية مثلا أتلفت ما مقداره (360) طنا من المواد الغذائية كونها منتهية الصلاحية!!! فعلى القاريء العزيز تأمل الرقم كونه بالأطنان وكم من المبالغ ذهبت هدرا لتوفير هذه الكمية والناتج أنها تالفة، لكن الأخبار لم تذكر من تم محاسبته أو تم تقديمه للنزاهة كي تتم محاسبته وهكذا يجد الموظفون الآخرون الموضوع في غاية البساطة كي يسلكوا ذات المسلك ويبحثون عن ثغرة كي يملأوا جيوبهم من مال حرام هو ملك العراقيين أجمع، هذا جانب وجانب انتشار أبراج الاتصالات في كل محلة وزقاق وعلى رقعة العراق وما تلحقه هذه في أيذاء صحة العراقيين فالكلام عنه كثير ومتشعب والشركات المسؤولة على ما يبدو انها تنصب هذه الأبراج بعشوائية وغير قانونية فذات المحافظة أقامت سبعة دعاوى على شركتين للاتصالات فقط كونها لم تحصل مسبقا على الموافقات اللازمة، وإذا عرفنا أن في العراق شركات أخرى غيرها كثيرة فعلينا تقدير حجم الدمار البيئي والصحي الذي تلحقه هذه بصحة المواطن العراقي كونها باشعاعاتها سبب من أسباب انتشار الأمراض السرطانية وغيرها.
أما إذا تحدثنا عن حال المعامل الأهلية فهذا لوحده حديث ذو شجون لأن العشوائية الحقيقية تكمن هناك وزيارة واحدة للأحياء التي تنتشر فيها هذه الورش والمصانع إن صحت تسميتها كذلك سنجد عالما مستقلا من العمل الارتجالي الذي يغيب عنه التخطيط المبرمج والتصاميم والقاعدة العلمية التي تحسب لكل شيء حسابه وحتى المخلفات الصناعية وأمر التخلص منها محسوب وبعناية كي نحافظ على أرض العراق نقية وأجواءه سليمه وهواءه نقي وترتبته صالحة للزراعة، لكن شيئا من هذا لا يحصل أبدا وكم من رواية سمعنا بأن أوراق تطبع بعناية وفي دول الجوار ويتم استيراد عبوات جاهزة شبيهة بالأصلية كي يتم تعبئتها في هذه المعامل وكأنها مستوردة وأصلية والضحية هنا أيضا كما هو حال السياسيين وفي الحالات الار*ها*بية هو المواطن العراقي!!!
إن مجمل الصورة العامة في العراق مشوشة وغير واضحة المعالم حتى للسياسيين ولا تحتاج للتطبيل والتزمير؛ نسحب الثقة أم لا نسحبها، لأن ذلك أمر دستوري وله قواعد وشروط وتتبعها يتيح للكتل السياسية تجميع أصواتها كي تنال ما تريد، والكويت الدولة الجارة للعراق شهدت ذلك مرارا وكم من مرة تم سحب الثقة من وزير في الحكومة لديهم أو من الحكومة ككل ليعودوا ويشكلون حكومة ترضى بقبول البرلمان لكن عندما يصل الأمر لنا في العراق فكل شيء يصبح معضلة وعلى الحكماء ومنهم المرجعيات التدخل كي تفض النزاع وكأننا ازاء أشخاص لا يفقهون من السياسة شيء، فهنا نتساءل كيف تم كتابة الدستور أذا؟ إن كان من يمتهن السياسة اليوم يتخبط ويعمل المستحيل بوسائله الخاصة كي يسيطر على سلطة هي بيد غيره أو من بيده السلطة كي يصونها ويمنع تدخل غيره بقراراته؟
وانا وغيري نسمع عن وجود محكمة اتحادية ودستور صَوت عليه غالبية الشعب العراقي، لكن الصراع موجود وكأنه أمر مستعصي يصعب حله، ونسى الجميع أن هناك شعبا يجب العودة إليه فهو من صوت لهم وهو الذي أيضا خضب اصبع يده باللون البنفسجي كي يكون ممثليه اليوم حيثما هم لكن خيبة أمله كبيرة حتما وهو يرى ويسمع ما يجري وكأن من طالب يوما ناخبيه بانتخابه قد وقع ناخبيه بورطة وضحك على عقولهم (وبالعراقي: قشمرهم) وهو اليوم يفعل ما يريد!!! إن هذه الخلاصة قاسية حقا لكن علينا انتظار الجواب من سياسيين بأمر غير هذا وعليهم اتباع الأصول الدستورية كي نبرهن للعالم بأننا شعب ديمقراطي وحكومتنا ديمقراطية ولا نحتاج للربيع المنتشر اليوم في العديد من البلدان العربية كي نغير هذا أو ذاك لأن الجميع يعرفون ما عليهم وما لهم والدستور هو الفيصل والضامن والكفيل.
والعراقي مع سياسييه يعيش حالة من الفوضى في كل شيء، ففي كل العالم هناك تنظيم وترتيب لكل صغيرة وكبيرة وهم يستفادون من الكومبيوتر بكامل طاقاته ومواصفاته ويرتبون بموجبه أمورهم ومنها حتى فواتير الماء والكهرباء وهناك حل للمشكلات (أون لاين) أو القيام بالتأمين (أون لاين) أو الاشتراك بخدمة أو أي أمور ومنها التسوق الأليكتروني وغيرها من صفات حضرية تعود بالمنفعة للإنسان ولرجال الأعمال والشركات، لكن ما مدى استفادة العراقيين من هذه الميزات الموجودة في أجهزة الكومبيوتر والتي لا يخلوا بيتا عراقيا منها وربما أكثر من جهاز واحد، لكن عندما عملت محافظة بغداد استعلامات أليكترونية حديثة خففت بموجبه العناء من المراجعين أعتبر كل من شاهد هذا المنجز أنه متقدم جدا للحالة التي هو عليها العراق، فما بال غيره من الوزارات والدوائر بحيث لا نجدها تلجأ إلى هذه المكننة الحديثة وتخفف العناء عن المواطنين كي ينتظروا كثيرا من أجل معاملة ما أو كي يحصلوا على وثيقة أو تأييدا، لكن الأمر برمته أصبح في غاية السهولة لدى الدول المتقدمة كونها تعمل وفق منهج علمي وكل مسؤول فيها يبحث عن الوسيلة كي يكسب الزبائن وهي منافسة شريفة والأفضلية فيه للأحسن.
 وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة
… وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com
 ..