الحوار الهاديء

بين استعمار واستعمار.. شعوب تنهض واخرى تتهاوى.!

 

عبدالاحد قلو    

 

بين استعمار واستعمار.. شعوب تنهض واخرى تتهاوى.!


لقد اختلفت اشكال الاستعمار عبر مر العصور وحسب نوايا المستعمر. فمثلا كانت غزوات الاستعمار في العصور الغابرة وقبل بدء الالفية الاولى، هي لغرض التوسع بالاحتلال لدول ومناطق اخرى اضافية ، الغاية منها ابراز العضلات  وحب السيطرة على مقدرات الاخرين من مبدأ القوي يتغلب على الضعيف المتمثلة بشريعة الغاب . والتي كانت تلجأ اليها العديد من القوى العنيفة كالمغول والتتار والفرس والاشوريين والكلدان والرومانيين  وغيرها.
وبعدها اصبح الاستعمار لغاية نشر الدين والقومية وكما حصل بغزو الاستعمار الاسلامي العروبي عند اواسط القرن السابع الميلادي، الذي اجتاح دولا وممالك قادما من الجزيرة العربية للتبشير بالسيف للأسلام والتعريب من مبدأ أسلم تسلم او تق*ت*ل. بعد ان كانت تدين هذه الشعوب الى اديان مختلفة ومنها المسيحية والصابئة والشركسية والوثنية وغيرها بالاضافة الى قوميات اخرى وطنية التي كانت موجودة  قبل هذا الغزو، الذي لازالت بصماته السلبية شاخصة على مجتمعات هذه البلدان وبالاخص  في الشرق الاوسط وبلدان المغرب العربي وحتى مناطق اوربا الجنوبية المحاذية للدولة العثمانية والقريبة من المغرب العربي ايضا.

الاستعمار الاوروبي ونهجه سلبيا وايجابيا:

ولكن الحال يختلف مع  الاستعمار الاوروبي الذي  تنوعت غاياته واساليبه بعد اجتياحه لمعظم الدول في اسيا وافريقيا وامريكا بقارتيها الشمالية والجنوبية ايضا، بالرغم من مصاحبة ذلك حروب وقتال مع السكان الاصليين للبلاد.
لقد كانت الدول الاوربية تمتلك امبراطوريات عظمى مخترقة لمناطق عديدة من العالم ومنذ اكثر من خمسة قرون ولغاية منتصف القرن العشرين.
بالرغم من ان موضوعنا هذا سنخصصه على ما يتعلق ببلدنا العراق والدول المجاورة له والتي كانت خاضعة للأستعمارين الفرنسي والانكليزي، مستخدمين سياسة الانتداب التي استمرت لعقود طويلة في اغلب المناطق التي خضعت لهما، ولكن علينا معرفة الاسباب التي دعت الدول الاستعمارية الى احتلال مناطق شاسعة من ارجاء العالم ، وبيان مدى الفائدة او السلبية ان كان لها او على الشعوب التي استعمروها، واثرها على واقعنا الحالي للدول التي تحررت من استعمارها.

الثورة الصناعية في اوروبا واثرها على مجتمعاتها.

هنالك جوانب مهمة ارادها الاستعمار من خلال احتلاله للدول المستضعفة التي كانت غافلة عن الكنوز التي تمتلكها والمنشغلة بصراعاتها القبلية والثأرية فيما بينها  والتي كانت تفتقد الى الزعامة الموحدة في ادارة بلدانها.
فالثورة الصناعية التي حصلت في معظم بلدان اوروبا وبالاخص انكلترا وفرنسا والمانيا واخرى والتي ابتدأت عند نهاية  القرن الثامن عشر وصاعدا، بعد اختراع الالات البخارية  والالات الزراعية والصناعية، والتي استبدلت بفعلها  الاعمال اليدوية المحدودة الانتاج،  الى أستخدام المكننة والآلات التي بدأت باختراعها من قبل مفكرينها وما اكثرهم. والتي بدورها أحدثت تغييرات مهمة في سلوك ومهن شعوبهم. وهذا التطور الاقتصادي  الذي شمل تغيرا  في نهج السياسة والعلوم والثقافة ونمط الحياة الاجتماعية ايضا.
وقد امتدت الثورة الصناعية الى الدول في اوربا الغربية وامريكا الشمالية واليابان، ولكن الفضل الاول في هذه الثورة الصناعية يعود لأنكلترا السباقة في هذه الاختراعات، والتي اصبحت من اغنى دول العالم والتي قامت بعدها في اقراض دول العالم المحتاجة الى مصدر للدخل.
ولكن رافق ذلك ايضا، استغلال الايدي العاملة من قبل اصحاب رؤوس الاموال والتي صاحب ذلك العديد من الاضرابات والاضطرابات التي غيرت من مفاهيم الدول الصناعية نحو شكل انسب الى مجتمعاتها لضمان العيش الرغيد بالحفاظ على الحقوق والواجبات لمواطنيها وبعدالة.

الاستعمار والفائدة المتوخاة منه لتلك الدول الاستعمارية.

لقد كان السبب الرئيسي لبعض الدول العظمى لأستعمرة  بعض المناطق الشاسعة من العالم والذي حصل  بعد الثورة الصناعية الكبرى في بلدان اوربا الغربية خصوصا، فهو الحاجة الى الموارد الطبيعية  الرخيصة المكتنزة والخافية على تلك الدول المستعمرة فيها. بالاضافة الى ايجاد اسواق تجارية وعائدات ضريبية وجمركية للطرق التجارية كمحصول اضافي للحكومات المركزية لهذه الدول الاستعمارية، مع استغلال سكان الشعوب المستعمرة  للتجنيد لشبابها والمحاربة بدلا من مواطنيها القادمين من الوطن الام المكلفة ماليا وبشريا ايضا، وللحفاظ على شعوبها سالمين وعلى حساب هدر البشر من الدول المستعمرة لتحقيق غاياتها التوسعية والنفعية في تلك المناطق المستعمرة.
وكانت الغاية من الاستعمار ايضا لتسويق منتجاتها في المناطق الخارجة عن المحور الاوربي نتيجة  للتنافس الشديد فيما بينهم، بالاضافة الى فتح اسواق جديدة لصرف منتوجاتهم مقابل الحصول على الموارد الطبيعية كالحديد والذهب والبترول وغيرها في الدول المستعمرة لها.

الاستعمار والفائدة المتوخاة منها للمناطق المستعمرة لها.

ان الفوائد المتوخاة منها للدول الاستعمارية التي ذكرناها اعلاه ، قد تكون هنالك ايضا ايجابيات تركت بصماتها على واقع الشعوب التي استعمرت بلدانها وذلك بسبب الجهل والتخلف الذي كان طاغيا عليهم، نتيجة للعادات والتقاليد القبلية والاجتماعية السائدة بينهم والتي كانت تحول دون تطورهم بأستغلال الكنوز التي كانوا يكتنزونها وهم بغير فاقهين.
وعليه فقد قامت الدول الاستعمارية في المناطق المستعمرة لها، بانشاء البنى التحتية الاساسية كتنظيم المدن وتخطيطها وتشكيل ادارات محلية فيها، وكذلك في القرى والارياف التابعة لها مع تنظيم وتعبيد الشوارع لسهولة النقل والاتصالات . وقاموا ايضا بفتح مستوصفات ومستشفيات صحية لمعالجة المرضى والجرحى وتزويدهم باللقاحات والتطعيم من الامراض المعدية، بالاضافة الى التغييرات في نظام الحكم من قبلية وعشائرية متخلفة الى انظمة وحكم مؤسساتي، بتشكيل البرلمان والوزارات، ولا ننسى الجانب التعليمي الذي تحول من تدريس الملالي والبدائي المتخلف الى نظام المدارس والكليات والجامعات والدراسات العليا التي ادت الى تغيير نمط هذه الشعوب وبما يخدم بلدانهم بصورة افضل وان شابها نهج الدكتاتورية لحكام استغلوا الديمقراطية وبصورة اخرى لقاء ديمومتهم المستشرية بالفساد وهكذا هو الحال لعراقنا في يومنا هذا..!

تقليص نفوذ الدول الاستعمارية على مستعمراتها:

بعد ان اشتدت العداوة بين المانيا النازية والفرنسيين والبريطانيين من جهة اخرى، والتي اوقعت لهم خسائر مادية وبشرية ايضا. فقد اصبحوا  مرغمين كل من فرنسا وبريطانيا واخرى للتخلي عن مستعمراتهم السابقة بسبب التكاليف الباهضة المترتبة للسيطرة عليها، بالاضافة الى خفض العائدات ونهضة تلك الشعوب التي اصبحت تعرف بأن للحرية معنى، طالبين الاستقلال في حينها وقبل بدء الحرب العالمية الاولى في اوربا.
لقد تطلب ذلك بالانسحاب السريع والذي رافق ذلك برسم الحدود وحسب المزاج للدول التي كانت تحت سيطرتهم، وحتى رافق ذلك بأن تخترق الحدود المرسومة لتلك الدول بانقسام القبائل من حيث  الاثنية والدينية، الذي جعل العوائل مقسومة بين جنسيتين لبلدين مختلفين للابناء تبعا لمناطق سكناهم بعد ان فرقتهم الحدود الدولية الفاصلة بينهم بسبب خطأ جسيم لتقسيم الاستعمار لهم حدوديا.

امثلة على انقسام الشعوب الواحدة بسبب الاستعمار

نتيجة لهذا التقسيم الغير مدروس من قبل الاستعمار بترسيم الحدود للمناطق المستعمرة لها فقد ادت الى فوضى ونزاعات بينها.
فمثلا، قاموا الانكليز بفصل باكستان وبنغلادش عن الهند وابقت مقاطعة كشمير على خلاف بينهما مفتعلة نزاعات دينية ما بين الهندوس والمسلمين والسيخ ايضا.
وهكذا للأنكليز فقد كان لهم الدور الاكبر في ظهور المشاكل المتعلقة بالقوميات، بعد ان جزئت الدول العربية بحدود فاصلة بين اقوامها الواحدة لخلق بلبلة فيما بينها، ومنها ايضا فصل الكويت عن العراق التي كانت جزءا منه تاريخا وبحدود مبهمة والاختلاف على اشده بينهما الى يومنا هذا.  وايضا فقد تم تقسيم الاكراد الى اربعة دول مجاورة لبعضها  من اجل تشتيت كيانهم واضعاف وجودهم لتبقى تلك الدول في نزاع معهم.

اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم الهلال الخصيب كغنيمة.

بموجب اتفاقية سايكس بيكو التي حصلت بين فرنسا وانكلترا وبمصادقة الروس لأجل تقسيم  منطقة الهلال الخصيب بين بريطانيا وفرنسا التي حدثت بعد انهيار الدولة العثمانية التي كانت متسيدة على هذه المنطقة وبعنجهيتها، والتي كانت هذه الاتفاقية بالسرية الى حين اعلنتها الدولة البلشفية الروسية في سنة 1917م. فقد كانت حصة انكلترا منها كل من العراق وبلدان الخليج وفلسطين والاردن، بينما حصة فرنسا كانت كل من سوريا ولبنان ودول المغرب العربي عدا ليبيا التي استعمرتها ايطاليا في حينها.
وحسب هذه الاتفاقية، فقد حصل الانتداب البريطاني للعراق بعد احتلاله في سنة 1918م، للأستفادة من خيراته وخاصة بعد اكتشاف اول بئر نفطي فيه، ولبسط نفوذها فقد قامت بتشكيل بعض الدوائر والمؤسسات لتسهيل عملها وسيطرتها على مجمل المرافق الحياتية في العراق.
ومن اجل تعزيز هيمنتها سياسيا ، فقد اعطت الهيمنة السياسية للسنّة المسلمين مفضلينهم على الشيعة ذات الغالبية العددية، ولزيادة الطين بلّة فقد اختاروا ملكا هاشميا سنيا غير عراقي ليقود العراق بعد تأسيس دولة العراق مع تشكيل مجلس الاعيان وحكومة لها هيمنة سنية مستمرة الى ما قبل اسقاط النظام البائد في 2003م.
وهذا ماحدث ايضا للمسيحيين العراقيين، بعد اختيارهم لفئة معينة منهم بتغيير تسميتهم لغرض تفريقهم عن شطرهم الثاني، للأستفادة منهم عسكريا ولغاية ما في نفس يعقوب.

هذا ما حدث في العراق وياليته لم يحدث..!

وكتعويض للشيعة بعد تقصير بريطانيا بحقهم، وبعد تحرير اميركا والدول المتحالفة معها للعراق من قبضة النظام السابق في سنة 2003م، فقد بادرت اميركا بتسليم زمام امور البلد للأغلبية الشيعية التي كانت تفتقر الى قياديين سياسيين والذين عاثوا بالبلاد فسادا وتشرذما، وقد وصل الامر بهم الى التشهير بالفساد فيما بينهم ليضيعوا الحابل بالنابل لشعب وصل الى ذروته من اليأس والاحباط  منددين بمظاهرات تختلف شدتها بوعود كاذبة  لا ناقة منها ولا جمل.
ولا زال مصير البلد معلقا بعد ان اصبحت الحكومة عاجزة عن تنفيذ المتطلبات التي معظمها خدمية انسانية افتقدوها ومنذ سطو هؤلاء الشرذمة على مقاليد الحكم والى يومنا هذا.

لو كان الاستعمار الفرنسي بديلا للأستعمار الانكليزي وحسب سايكس بيكو المشؤومة..!

لقد كانت لي غاية من مقالتي هذه وما قدمته من استعراض موجز لتاريخ الاستعمار والمناطق التي استعمرت من قبلهم وخاصة كل من الاستعمار الانكليزي والاستعمار الفرنسي لبلدان الشرق اوسطية، وبالمقارنة حيث الدول التي استعمرها الفرنسيون اراهم وحسب وجهة نظري والمبنية على واقع الحال، فهي افضل من الدول التي استعمرها الانكليز الذين استخدموا سياسة فرّق تسد، لسهولة السيطرة على مقدرات تلك الشعوب المستعمرة لها.
وكتحصيل حاصل فلو كان الفرنسيون وجودوا في المناطق التي استعمرها الانكليز، وبالاخص في المثلث المحصور ما بين تركيا وايران والعراق في منتصف القرن التاسع عشر، والتي كانت الغاية منها لأضعاف هيمنة العثمانيين شرقا وجنوبا،  بأستخدام قوات محلية بديلة لمحاربة العثمانيين كبديل لقواتهم الاصيلة.
وعليه، وبوجود الفرنسيين فانني ارى بأن شعبنا المسيحي الذي كان مسمّى واحدا بالرغم من اختلافه مذهبيا، لكان اليوم شعبا واحدا.. له كنيسة واحدة وبطريركا واحدا بدل خمسة بطاركة وخمسة كنائس مختلفة التسميات.. ولكان وقع تأثير شعبنا المسيحي على واقعه الحالي المزري والمنقسم ، لكان بافضل حال وبكل الاحوال.

خمسة على خمسة فالناتج واحد موحد..!

فالاستعمار الانكليزي قسمنا والامريكي زاد من تقسيمنا  عندما خضعت اكثريتنا لأقليتنا قسرا، وهل ننتظر استعمارا اخر لكي يوحدنا بعد ان فاتنا الاستعمار الفرنسي الذي كان سيفيدنا وان استفاد..!!
أعتقد فأن وعينا ونهضتنا لتغيير واقعنا الآهل للزوال من ارض الاجداد في يومنا هذا ،  هما اللتين ستجمعنا وتوحدنا  لكي تعيدنا موحدين وكما كنّا كذلك ومنذ  القرن الاول والثاني الميلادي موحدين بأثنية واحدة وبكنيسة وبطريرك واحد
فبدلا من خمسة في يومنا هذا (كنيسة كلدانية مع بطرك واحد+ كنيستين اثوريتين مع بطركين+ كنيستين سريانيتين مع بطركين).. يعني خمسة بطاركة مع خمسة كنائس لشعب تاريخي اصيل لايتجاوز تعداده 3 ملايين موزع في انحاء العالم ..  ولكن بالقسمة على  خمسة جميعها، سنكون عندها واحدا موحدا…ما أحلاها..! ..
انه القدر الاحمق الذي اصبح مزحلق من شؤم مصدره اللقلق..بالرغم من انني لا أومن بالقدر، فلكل مسبوب سبب ولكل معلول علّة..ولكن ما العمل فالقدر شماعة نعلق عليها اخفاقاتنا..!؟.. تحيتي للجميع

عبدالاحد قلو
ملاحظة: اطلعت على مصادر عديدة للأستفادة فكريا وليس لنقل المعلومات منها وعليه اقتضى التنويه.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!