مقالات

اشكالية استخدام الفضاء الخارجي وسيادة الدولة

قانون الدولي للفضاء هو مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحكم استخدام الفضاء الخارجي والأجرام السماوية. وهو بذلك فرع من فروع القانون الدولي ينظم الأنشطة في الفضاء واستخدام الموارد في الفضاء، بما في ذلك استغلال الموارد الطبيعية والبحث العلمي واستخدام الفضاء للأغراض السلمية. تتضمن بعض المبادئ الأساسية لقانون الفضاء الدولي حظر وضع أسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي، وحظر الأنشطة العسكرية في الفضاء، والالتزام باحترام سيادة الدول الأخرى في الفضاء الخارجي.
تأسس القانون الدولي للفضاء منذ العام 1967 مع اتفاقية الفضاء العامة التي وقعت في مدينة نيويورك. وتضمنت هذه الاتفاقية مجموعة من القوانين الدولية التي تحكم في العلاقات الدولية في الفضاء وتعدد الدول التي تمت الانضمام إليها.
الأدوات القانونية الرئيسية التي تشكل إطار قانون الدولي للفضاء هي معاهدة الفضاء الخارجي، واتفاقية الإنقاذ، واتفاقية المسؤولية، واتفاقية التسجيل، واتفاقية القمر. تعد معاهدة الفضاء الخارجي، التي تم تبنيها في عام 1967، أهم هذه الصكوك وترسي المبادئ القانونية الأساسية لاستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي. ينص على أن الفضاء الخارجي هو تراث مشترك للبشرية، وأنه لا يخضع للتملك الوطني، وأنه يستخدم للأغراض السلمية فقط.
ويضم القانون الدولي للفضاء العديد من المبادئ التي تحكم في العلاقات الدولية في الفضاء، مثل:
مبدأ العدالة: يحكم هذا المبدأ في أن كل الدول يحق لها المشاركة في الفضاء على أساس العدالة وبدون التمييز بين الدول.
مبدأ الحفاظ على الفضاء العام: يحكم هذا المبدأ في أن الفضاء يعتبر مجالاً عاماً للعلاقات الدولية ولا يمكن لأي دولة أن تستغله لأغراضها الخاصة.
وتشمل المبادئ المهمة الأخرى لقانون الفضاء الدولي الالتزام بإخطار الدول الأخرى بعمليات الإطلاق في الفضاء، وحظر التدخل في أنشطة الدول الأخرى في الفضاء، ومسؤولية الدول عن أفعال مواطنيها في الفضاء. كما ينص قانون الفضاء الدولي على تسوية النزاعات المتعلقة بالأنشطة الفضائية بالوسائل السلمية، مثل التحكيم أو الوساطة
وفضلاً عن، ان سبب خطر السيادة في الفضاء الخارجي هي الصكوك الدولية مثل معاهدة الفضاء الخارجي واتفاق القمر. حيث انه لا مضى من الحديث عن مفهوم السيادة التقليدية في الفضاء الخارجي، حيث ان مفهوم الولاية الفضائية ينطبق على الفضاء الخارجي ومعترف به في كامل الاطار القانوني لتنظيم نشاط الانسان اينما حدث.
في الكون بأسره، والاهم من ذلك ان مفهومي “المقاطعة البشرية” و “التراث المشترك للإنسانية” قد تم تطويرهما في قانون الفضاء لتنظيم الفضاء الخارجي.
وتختلف الدول المتقدمة والدول النامية اختلافاً كبيراً في مسألة تفسير الاثار المترتبة على اعتبار الفضاء الخارجي تراثاً مشتركاً للبشرية، وبالتالي، فقد تم انتقاد هذا المبدأ على وجه التحديد لعرقلة التنمية التجارية للفضاء ويستند هذا الحظر على منع اقامة حقوق الملكية في الفضاء الخارجي الى ان فكرة الفضاء الخارجي هو تراث مشترك للإنسانية باعتباره ملكية مشتركة.
وبطبيعة الحال لا يمكن ان يوجد حق ملكية ساري المفعول في العقارات غير المنقولة الا ضمن نظام قانوني انشأته الدولة وفيما يتعلق منها بالممتلكات التي تتمتع الدولة بالسيادة عليها، نظراً لان مطالبات الدولة بالسيادة في الفضاء الخارجي لا يمكن ان توجد، فلأيمكن لأي منها حق ملكية الممتلكات غير المنقولة على الاجرام السماوية في الفضاء، ومع ذلك لا يمكن تجاهل دور الدولة في انشاء حقوق الملكية الخاصة في الفضاء، تنص المادة السادسة من معاهدة الفضاء الخارجي على ان تتحمل الدول الاطراف في المعاهدة المسؤولية الدولية عن الانشطة الدولية في الفضاء الخارجي، بما في ذلك عندما تقوم كيانات غير حكومية بهذهِ الانشطة، يجب ايضاً ان تكون انشطة الكيانات غير حكومية بهذهِ الانشطة، يجب ايضاً ان تكون انشطة الكيانات غير الحكومية في الفضاء بما في ذلك على القمر والاجرام السماوية الاخرى مصرحاً لها وتشرف عليها باستمرار من قبل الدول المختصة.
ومن جانب اخر، يعد ابرام معاهدات الفضاء الاساسية للأمم المتحدة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي اصبح من الواضح ان الدول لم تعد ترغب في تبني المزيد من الالتزامات الملزمة التي تنظم الانشطة الفضائية، وبالتالي لا يمكن تطوير قانون الفضاء الدولي الا من خلال تبني صكوك قانونية حديثة تتلاءم من التطورات التقنية في هذا المجال، ولابد من ان تحتوي الوثيقة المقترحة على الادوات والرئيسية لتطوير وتعريف معايير الفضاء الخارجي.
وان تفسير وتطبيق مفاهيم القانون الدولي يجب ان يتكيف من الظروف والتحديات الدولية المعاصرة، بما يمثل ذلك احد الركائز الاساسية المستمرة للقانون الدولي في قدرته على التكييف والتغيير لمواجهة التطورات والتحديات الجديدة بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة والتهديدات الجديدة او الناشئة حديثاً لكل من الجمهور والنظام الدولي والممارسات المطورة حديثاً.
فمن الواضح ان القانون الدولي للفضاء الخارجي لم يواكب التطورات في مجال الفضاء الخارجي وعلى وجه التحديد فأن اوجه عدم اليقين القانونية المتعلقة بالحدود القانونية للفضاء الخارجي وتسير مبدأ التراث المشترك للإنسانية وقرار حقوق الملكية وغيرها تشكل تحديات للإشكالية السيادة في الفضاء الخارجي.
وهكذا تم الوصول الى نقطة اللا عودة، مما يستلزم اعادة النظر في مسألة استخدام الفضاء الخارجي وسيادة الدولة على الطبقات الجوية.
ومن خلال دراستنا لإشكالية استخدام الفضاء الخارجي وسيادة الدولة على الطبقات الجوية تمكنا من الوصول الى الطبيعة الحديثة لفرعً جديد من فروع القانون الدولي. الا وهو القانون الدولي للفضاء والذي سبق وان كيفناه بأنه قانون (جينينً) embay اي انه بصدد التطور كما يتطور الجنين ليصبح كائناً مكتملاً .فالان هذا القانون بتاريخ ايداعنا لهذا العمل عام 2023، في مراحل تكوينية الاولى انه سيصبح من المؤكد فرعاً ثابتاً ومستقلاً بذاته من فروع القانون الدولي لان هذا القانون (القانون الدولي العام) هو الوحيد الذي يتطور حسب متطلبات المجتمع الذي يضمنه (المجتمع الدولي) ولا يسعى الى فرض نظاماً قانوني عليه.
فكما كان الامر في بداية السبعينيات من القرن الماضي بالنسبة للبحار فأن الفضاء الخارجي والطبقات الجوية .اصبح ايوم مجالا للاستعمال ولكن اضحى مجالاً للصراعات بين الدول وعلى اساس ذلك فأن قدر القانون الدولي ان يتطور ليضم الفضاء الجغرافي، وقد توصلت من خلال بحثي الى ان الدول متوجهة الى المصادقة على معاهدة دولية تنضم الفضاء الخارجي كما توصل المجتمع الدولي سابقا سنة 1982، الى المصادقة على معاهدة دولية تنضم البحار. فهذا الموضوع قد حاولنا من خلال دراسته ان نكون مستشرفين للتطور الذي سيشهده القانون الدولي. فمن المؤكد ان الدول ستنشأ محكمة للفضاء على غرار محكمة البحار الموجودة حاليا والتي لم نكن نتصور وجودها في بداية القرن الماضي حينما كان البحر فضاءًا مهملاً من الدول ولا يستغل لا لمسافات قصيرة في اغراض امنية بحتة .
ويتميز القانون الدولي بطابعه الديناميكي فهو يتطور بتطور حاجات المجتمع الدولي وهو ما توصلنا اليه من خلال جزئيين في بحثنا فكانت سيادة الدولة محمية بصفة مبدئية في حالة الاستعمال السلمي للفضاء الخارجي (موضوع بحثنا في الجزء الاول) فأن ذلك مرده الى الطبيعة المزدوجة لهذا الحيز الجغرافي فهو من ناحية اولى جزء من اقليم الدولة الخاضع مبدأي لسيادتها ولكنه في نفس الوقت جزء من التراث المشترك للإنسانية.
فحماية سيادة الدولة في حالة الاستغلال السلمي للفضاء والطبقات الجوية كان مبدئياً مضمونة بسبب وجود وتطور القانون الدولي المنضم للمسؤولية الدولية وهو قانون بالإمكان تطبيقه على الاستغلال السلمي للطبقات الجوية خاصة اذا ما تم تكييف هذا النشاط بأنه نشاط خطر غير مستخدم من قبل القانون الدولي .
ولكن في المقابل من ذلك تظهر الاشكالية والى حد هذه الساعة مطروحة بخصوص الاستغلال العسكري للفضاء الخارجي، وهو النشاط الذي يطرح تحديات فعلية باعتبار ان الحروب الحديثة لن تكون برية او بحرية بل انها ستكون مواجهات فضائية وسيبرانية .وهو ما يتطلب تدخل القانون الدولي لينضم هذه المسألة بمعاهدات دولية ملزمة للأطراف المصادقة عليها، واتوقع في هذا السياق بأن يتطور القانون الدولي ليوسع من مجال المعاهدات الموجودة حاليا على غرار (ستارت 1) و(ستارت 2) المبرمة بين القوى العظمى .
اما صعوبة حماية سيادة الدولة في حالة الاستخدام العسكري للفضاء الخارجي متأتية من حداثة هذا النوع من النشاطات من ناحية اولى وغياب التنظيم القانوني من ناحية ثانية، فلاشك ان الانسانية لم تعرف سابقا عسكرة الفضاء وهو ما يبرر غياب قانونًا دوليًا اي قانون دولي ينضم الانشطة العسكرية في الفضاء ولكن هذه المسألة عادية في القانون الدولي، فقانون الحرب او ما يسمى بالقانون الانساني بمعاهدات جنيف الاربع والبروتكولين الملحقين بهم لم يتطرق الى الحرب الفضائية وهذه المسألة طبيعية وعادية في القانون الدولي الانساني الذي يوصف بأنه ( قانون متأخر بمعركة) اي انه قانون بتطور حسب الاحتياجات التي تفرضها كل حرب فكما منعت الاسلحة الكيمائية بعد الحرب العالمية الاولى (بسبب تطور القانون الدولي الانساني جراء استعمال هذه الاسلحة خلال تلك الحرب) وكان القانون الدولي الانساني سيتطور بالضرورة لينضم الحرب في الفضاء . وقد نجد على اساس ذلك معاهدة جنيف الخامسة التي تنضم هذا النوع من الحروب على غرار معاهدات جنيف الاربعة السابقة التي نظمت الحرب البرية والبحرية .
وكخلاصة لكل ما سبقفأن مكتسبات القانون الدولي للفضاء ولكن والاهم من ذلك نقائصه وهو ما جعلني اقترح جملة من التوصيات التي اصيغها في هذه الخاتمة بطريقة برقية :
1. ضرورة الاتفاق على معاهدة دولية جديدة تتضمن التطورات الهائلة في مجال الفضاء الخارجي نقلاً عن امكانية انشاء هيئة دولية تعنى بشؤون الفضاء والمنازعات التي قد تحدث فيه.
2. العمل على وضع تعريف جامع شامل للفضاء الخارجي بالإضافة الى تعيين الحدود الفاصلة بينه وبين الفضاء الجوي، الذي مازال ومنذ نشوء عصر الفضاء مدرجاً في جدول اعمال لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الاغراض السلمية لكونها مسألة مهمة لمعرفة وبيان انطباق قواعد السيادة الوطنية للدولة من جهة ومن قواعد المسؤولية الدولية عن اضرار الانشطة الفضائية.
3. لابد من تبني نظام تفتيش ومراقبة شامل يضمن خضوع كل انشطة الدول في الفضاء الخارجي الى المراقبة على السجلات الخاصة بالدول المطلقة للأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والمنشأت المشيدة في الفضاء الخارجي.
4. وضع نصوص دولية ملزمة بشأن حظر الاسلحة المضادة للأقمار الصناعية والمركبات الفضائية او تعديل معاهدة الفضاء الخارجي المادة الرابعة لتشمل جميع الاسلحة وليس مجرد الاسلحة النووية والانواع الاخرى من اسلحة التدمير الشامل.
5. امكانية معالجة مسألة الحطام الفضائي في مدار الارض والفضاء الخارجي الذي ما قد يسبب الكوارث في حالة عودته الى الارض دون السيطرة.
6. دعوة جميع الدول بصرف النظر عن مدى مساهمتها في انشطة الفضاء في وضع القواعد القانونية اللازمة لأنشاء جهاز دولي يقوم بمراقبة الأنشطة الوطنية في الفضاء الخارجي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!