مقالات

الفلسطيني في كتاب -مذكرات حمار وطني- خالد الحسن -أبو السعيد-

الفلسطيني في كتاب
“مذكرات حمار وطني”
خالد الحسن “أبو السعيد”
لا يمكن أن نحاكم حركة/شخص/دولة/جماعة دون أخذ الظروف التي مرت بها، في الآونة الأخيرة وجدنا مجموعة كتب صدرت تتحدث عن (خيانة) حركة فتح للشعب وللقضية ا*لفلس*طينية، وإن من أهداف تشكيلها إنهاء القضية ا*لفلس*طينية، حتى أن هناك فيديوهات ولقاءات مع شخصيات قيادية عربية “عبد اللطيف عربيات” تحدث عن الهدف من إنشاء منظمة التحرير ا*لفلس*طينية كان إنهاء القضية ا*لفلس*طينية بأيدي فلسطينية.
من هنا كان لا بد من التقدم من الأحداث التي تعرضت لها قيادة الثورة ا*لفلس*طينية خاصة بعد معركة بيروت، وكيف تعاملت الأنظمة العربية مع قيادة المنظمة.
الشعب الفلسطيني يمكن أن يكون أكثر الشعوب العربية التي تعرضت للظلم/للقهر/للاضطهاد ليس من قبل الاحتلال فحسب بل من قبل العرب أيضا، فقد كان (ملطة) للكل الأنظمة العربية، وكان عليه أن يقدم “خده الأيسر لمن لطمه على الأيمن” وكان مطلوبا منه أن يمدح/يعظم/يحب ضاربه/مضطهده/ظالمه مما جعله مسيح هذا العصر.
في هذا الكتاب يستخدم الكاتب حوارا مع حمار كما استخدم توفيق الحكيم الحمار ليحاوره فيما يريد طرحه، فحمار “خالد الحسن” يمتلك الإحساس ويتحدث بحرية ودون خوف، فليس هناك من نظام عربي يحاسب (الحمير) على قولها، وهذا ما جعله ينتقد مواقف “وليد جنبلاط” المتناقضة من الوجود الأمريكي والإ*سر*ائي*لي في لبنان عام 1982 وما بعده، والموقف السوري من الانشقاق الذي قاده “أبو موسى، قدري، أبو خالد العملة” بعد عام 1982 والذي عرف بحرب المخيمات، فالكاتب من خلال الحمار يبين حجم الظلم الذي وقع على الفلسطيني وعلى قيادة الثورة ا*لفلس*طينية، فقد كانت تلك المواقف والأفعال بمجملها خدمة للاحتلال ولأعوانه، أكثر منها خدمة للثورة وللشعب الفلسطيني الذي كان مطلوبا منه أن يوزع ولاءاته على كل الأنظمة ويلبي طلباتها ليكون مرضي عنه ومقبولا عندها.
يدخلنا الكاتب إلى حقائق تؤكد مسيحية الأخلاق ا*لفلس*طينية والتي تتمثل في: “في عام 1976 ـ لم تدخل القوات السورية المخيمات ا*لفلس*طينية بالرغم من حالة القتال المؤلمة التي كانت قائمة بين القوات السورية وا*لفلس*طينية، أصدر المرحوم سعد صايل (أبو الوليد) أوامره بتأمين ما تحتاجه القوات السورية المحاصرة من تموين وخلافه، وقال يومها: “إن المحافظة على كرامة الجندي السوري واجب وطني وثوري، فالجندي ينفذ الأوامر الصادر له، هؤلاء الجنود قاتلوا في الجولان، وسيقاتلون غدا وبجانبهم المقاتل الفلسطيني.
في الحرب اللبنانية الأخيرة ـ حرب الغزو الصهيوني ـ نقلت سيارات فتح حوالي 950 جريحا سوريا من البقاع إلى دمشق منقذة بذلك حياة غالبتهم.
أبو عمار يردد على مدار الساعة بتجنب أي مواجهة مع سوريا أو أي مواجهة مع قوات أبو خالد العملة وشركاه” ص20، وهذا ما يؤكد مسيحية سلوك ونهج وتفكير قيادة الثورة ا*لفلس*طينية، فهي أكرمت وأحبت وخدمت مضطهديها كما أمر وفعل جدهم المسيح مع ظالميه ومضطهده وقاتليه.
هذه الحقيقة تتبعها حقيقة أخرى تتمثل بحالة الظلم التي مورست وتمارس على الفلسطيني: “فلماذا يحارب الفلسطيني في السفر والإقامة والصحة والتعليم وحتى في رزقه اليومي في كثير من البلدان” ص22، رغم مرور أكثر من أربعين عاما على كتابة هذه المذكرات إلا أن الفلسطيني ما زال يتعرض لهذه المضايقات وكأنها كتبت اليوم.
بعدها يأخذنا إلى مواقف وليد جنبلاط المتناقضة والتي تتمثل في: “فقد صرح انه ليس يساريا.. وإنه سيطرد الفلسطينيين المقاتلين (معه) من جبل الشوف خلال اسبوع لأنهم جاءوا متسترين باسم الأحزاب اليسارية.
جنود دروز من الجيش الإ*سر*ائي*لي يقاتلون في صفوف دروز جبل الشوف.” ص34، ولم تتوقف تناقضات “وليد جنبلاط” عند هذا الأمر بل تعادها إلى مهاجمة القوات الأمريكية في لبنان مما يجعل موقفه محير لكل عاقل.
أما عن الانشقاق ومطالب المنشقين التعجيزية: “أولا: لجنة قيادية بالمناصفة بينهم وبين قيادة فتح.
ثانيا: مجلس ثوري بالمناصفة أيضا.
ثالثا: الإعداد لمؤتمر للحركة بالمناصفة أيضا.
رابعا: حتى يتم ذلك تعطيل مؤسسات الحركة الشرعية من خلال قيام اللجنة القيادية المقترحة بتسيير كل شؤون الحركة حتى ينعقد المؤتمر.
رفضت قيادة فتح هذه الطلبات جملة وتفصيلا وعرضت حوارا ديمقراطيا ورفض طلبها.
ضحك حمارنا قليلا وقال: عندما سئل أبو صالح عن سبب رفضه اللقاء مع اللجنة المركزية قال: أنتم لا تعرفون قيادة فتح إذا اجتمعت فسأخجل وسيقنونني، فقال له محمود درويش: كان عليكم إذن أن تختاروا خصما جاهزا قابلا للهزيمة” ص67، بهذا الموقف يكشف الحمار طبيعية المنشقين وكيف أنهم مجرد أداة بأيادي خارجية عملت على إحداث الانشقاق في قيادة المنظمة للسيطرة عليها وجعلها مطية لهم: “بدأ المنشقون أعمالا عسكرية ضد إخوتهم ممن رفضوا الانضمام إليهم في البقاع.
ـ كيف يفعلون ذلك وهم قلة؟
قال حمارنا: اسأل من يحميهم أولا إذا كان بمقدور القوات السورية منعهم من ذلك، واسأل أحمد جبريل وصالح الدروقي ضابط المخابرات الليبي حيث انضمت إلى المنشقين قوات جبريل وثمانمائة جندي وضابط ليبي ثم مائة واثنان وثلاثون عنصرا من جماعة “أبو نضال” ص67، هذه حقيقة التدخلات العربية في الثورة ا*لفلس*طينية، حيث عملت جاهدة على ضربها والسيطرة عليها والهيمنة بكل الطرق الصحيحة وغير الصحيحة.
وعندما نشبت حرب المخيمات، كانت هناك عناصر وطنية، شريفة من الجيش السوري ومن المنشقين، عملت على تنفيذ الأوامر الصادرة لها شكليا، لكنها في الحقيقة تنفيذ بلا فاعلية: “العديد من الضباط والجنود كانوا يتسللون إلى المخيمين وإلى مدينة طرابلس، حيث يقدمون لقيادة عرفات مخططات الهجوم القادم وتوقيته، وإن القذائف لم تكن تصوب بدقة إلى أهدافها عن عمد، وإن بعض الصواريخ كانت تطلق بدون صواعق حتى لا تنفجر لأن هؤلاء الجنود والضباط كانوا يتمزقون ألما لما يجري رغما عنهم” ص120، وكأن الكاتب في هذا المقطع يؤكد ما جاء في الآية القرآنية “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان” فما قدمته الثورة ا*لفلس*طينية للمقاتلين السوريين أتى ثمره/نتيجته في حرب طرابلس والمخيمات.
هذه الأحداث تؤكد أن الثورة ا*لفلس*طينية تعرض للعديد من المؤامرات العربية، فلم تتوانى تلك الأنظمة عن ممارسة الضغط على الثورة بكل الطرق والسبل، وهذا اسهم بطريقة أو بأخرى إلى إضعافها ومن ثم جرها إلى مؤتمر مدريد بعد أن أنهت وقضت على أقوى جيش عربي، الجيش العراقي، مما جعل الثورة بلا سند أو قوة تعتمد عليها، وكل ما حدث بعد مؤتمر مدريد هو نتيجة لما سبقه من ضغوطات وممارسات على الثورة.
طبعا، هذا ليس تبريرا لما أقدمت عليه قيادة المنظمة في أوسلو، لكنه شرح وتوضيح ورد على من يدعي أن المنظمة والثورة ا*لفلس*طينية وجدت لتصفية القضية ا*لفلس*طينية، وأن قاداتها كانوا خونة وعملاء منذ أن تأسست منظمة التحرير ا*لفلس*طينية.
الكتاب من منشورات دار الكرمل ، صامد، الطبعة الرابعة 1986.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!