مقالات دينية

نشيد الأناشيد … حب ، خمر ، قبلات بين الحبيبين

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

نشيد الأناشيد … حب ، خمر ، قبلات  بين الحبيبين

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( طوال الليل على مضجعي طلبت بشوق من تحبه نفسي ، فما وجدته ) ” نش 1:3 “

نشيد الأناشيد سفر من أسفار الكتاب المقدس الذي يُعبِّر عن حب الله لشعبه ، ولكل مؤمن به ، إنه حب روحي مقدس ، وكأنه كلام غزل .بين العريس والعروس . العروس تبحث عن حبيبها وتسعى إلى اللقاء به ، أو أنه سيصل إليها لكي يخطبها ويتزوجها ليسكنا معاً . نجد فيه جمال الحب الزوجي الطاهر .  يقال بأن سليمان الملك ألف مئات الأناشيد في القرن العاشر ق.م . وسفر (نش) هو واحد اً منها ، بل هو أفضلها .

لفهم لغة التخاطب بين العريس والعروس ، يقول ، هناك حب عاطفي بينهما ، وكلمات غزل طاهر في خد العروس ، في نهديها ، في عنقها ، في قامتها ، وحتى في أنفها . العروس تتحدث لتعبر عن حبها مع حبيبها ، فتارة تخاطبه بصيغة الغائب ، وأخرى وكأنه حاضر ، أو هو يخاطبها  ، فيقولا لبعضهما ( حبك أطيب من الخمر ) “10:4″ و ( أشرب خمري ) ” 1:5″ و ( سرتك كأس مدورة ، لا تحتاج غلى خمرة ممزوجة  ) ” 2:7″ وكذلك ( كلامك خمر طيبة ) ” 10:7 ” . يكرر موضوع الخمر سبع مرات على شفاه الحبيبة والحبيب والذي يرمز إلى كمال العذوبة ، لأن الخمر يرمز في الكتاب المقدس إلى الفرح . يقول سليمان في سفر الجامعة ( أسلم جسده للخمر ) ” 3:2″ لأن الخمر يفرح قلب الأنسان ( مز 15:104) على أن لا يدخل الشارب في حدود السكر ، أي الخطيئة . الخمر الممزوج يرمز غلى الفرح الموجود في المؤمن ومصدره الروح القدس الساكن فيه .  كما أن الخمر في العهد الجديد يربط مع الحب ، فأولى معجزات يسوع كانت تحويل الماء إلى الخمر في عرس قانا الجليل ، وهناك أظهر مجده لأول مرة لتلاميذه فآمنوا به ( يو 11:2 ) . يسوع يعطي ويفيض . خمر قانا ربطه الرب بخمر العشاء الأخير بقوله للعذراء ( ساعتي لم تأتي بعد ) لأنه لن يأتي ليعطينا هذا الخمر ، بل أعطى لنا خمر دمه في الليلة الأخيرة ، في تلك الليلة حول الخمر إلى دمه الحقيقي وأعطاه لمختاريه ( لو 20:22 ) . خمرمن العريس ( الله ) إلى العروس ( الكنيسة ) .

نشيد الأناشيد يتضمن علامات حب بين الحبيب وحبيبته وتعَبّر عن كل مسرات هذه الدنيا ، كالخمر ، والقبلات ، والطيب أيضاً له دور كبير في كل أصحاح ، ويذكر عشر أنواع من الطيوب ، كالعطر ، الناردين ، الكافور ، المرّ ، البخور …الخ ، ويقول ( رائحة عطورك تتجاوز كل عبير ) العطر يسحر الحبيب لكي يجذبه إلى حبيبته ومن ثم يدخل بها إلى أخاديره ( غرفة النوم ) أي إلى الحياة الحميمة , تقول العروس بفرح ، ادخلني الملك أخاديره . والملك هو ذلك المح*بو-ب المعبود . هو ملك الشعب وعريسه . إذاً العريس هو الله ، وشعبه المختار في العهد القديم كان العروس . أنه حب طاهر بين الأثنين ، فكان العريس يدعو عروسته ( أختي العروس ) ” 12:4 ” كذلك كان صوت حبيبي يقرع الباب ويقول ( أفتحي لي يا أختي ، يا حبيبتي ، يا حمامتي ، يا كاملتي ) ” 2:5 ” كذلك العروس تخاطبه قائلة ( ليتك كنت أخي الذي رضعته أمي ) ” 1:8″  .

في هذا السفر قصة حب ، يبدو حباً عاطفياً ، لكنه يفوق طبيعة الحب الجسدي لأنه حب خاص بالله مع شعبه . وحبنا نحن شعبه اليوم معه . وبواسطة هذا الحبيب سنكون على مستوى من الحب الناضج والمقدس لكون مستعدين دائماً لأستقباله ، إنه العريس . فمتى جاءنا وإن لم نكن مستعدين لأستقباله إذا طرق بابنا فأنه يمضي ويَعبِر . العريس استحلف بنات أورشليم بأن لا يقطعن على العروس راحتها ، بأن لا يُيقضها من رقادها . أو إنها هي لا تريد أن تنهض وتقتح له الباب رغم الطرق ونداء العريس ( يا لأختي ، يا حمامتي ، يا كاملتي ، أفتحي ) أما هي فتجيبه بجواب مقرون بالأعذار الواهية لكي لا تقوم وتفتح له الباب ، فتقول ( خلعت ثوبي فكيف ألبسه ؟ غسلت رجليّ .. ) أي إنها في راحة ولا تريد أن ترهق نفسها وتستقبل حبيبها الغالي . أو إنها تقول له ( أنا نائمة وقلبي مستفيق ) أي إنها غير مستعدة لأنها ما بين السهر والنوم ، إنها تشبه التلاميذ الثلاثة في مشهدي التجلي والنزاع عندما سيطر النعاس عليهم ، لهذا وبغهم العريس قائلاً ( ما بالكم نائمين ؟ ) . على كل المؤمنين أن يستعدوا لفتح الباب للمحب الذي يطرق باب قلبهم وهو يقول ( هاءنذا واقف على الباب أقرعه ، فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب ، دخلت إليه لأتعشى على قُربٍ منه ) ” رؤ 20:3″ . علينا أن لا نتأخر بفتح باب الأيمان للرب وكما فعل القديس أوغسطينوس الذي تأخر بالأيمان  بالعريس ، فقال له ( أحببتك متأخراً أيها الجمال القديم الجديد . أحببتك متأخراً ، حين ينكشف هذا الجمال قريباً . حين يكون هذا الوجه مُشعاً ، حينئذ تبدو الخطورة بأن نميل عنه ولو لحظة . نعم لقد كنت معي ، ولكني من فرط شقاوتي لم أكن معك ) وهذا ما يطلبه العريس من الجميع بأن لا يتأخروا لأستقباله ، لأن التأخير هو خيانة للحبيب .

 

العروس أرادت أن تصور جمال حبيبها فاستعملت 22 أداة تشبيه منها ، الألوان ، المعادن الثمينة ن الحجارة الكريمة ، العطور ، الطيور ، عناصر الكون ، المياه ، الأرض ، الأزهار وغيرها . إلا أن جمال ذاك الذي ترسمه في مخيلتها يتعدى بعظمته حدود الكون والوصف . وحبه لا حدود له . لكن إيمانها يصنع المعجزة فيحول ألمها إلى نشيد ومديح يتيح لها خيالها أن تصور بنات أورشليم ، خليلها وأميرها الغائب القريب البعيد . جمال حبيبها لا يُعضبَر عنه بالكلمات لأنه جمال مطلق وثابت لا يتحول ، إنه الوجود الحقيقي ، بل أصل الوجود ن لا ينمو لأنه كامل ، ولا ينقص لأنه أبدي  

الله هو الملك والعريس . سأل بيلاطس البنطي يسوع ، فقال ( إذاً ، أنت ملك ؟ ) أجاب يسوع ( أنت قلت ) ” يو 37:18 ” . فكل ما يدور في هذا السفر وكأنه قصة حب بين الحبيب وحبيبته ، بل هو حب البشرية لخالقها ، وحب المسيح لعروسته ( الكنيسة ) .

عندما خانت العروس عريسها في العهد القديم ( شعب أسرائيل ) تركها لوحدها ، فجاء العدو من الشرق ليخطفها إلى بابل ، ومن هناك استنجدت بالعريس لكي يعيدها إلى مكان تواجده على أرض الآباء لتقترب منه في جبل صهيون . كانت العروس في بلاد النهرين تتنهد وتنتظر مجىء العريس ، فكانت تبكي وترفع التضرعات لكي يأتي إليها ولا يتأخر في المجىء ليعيدها من أرض الشتات إلى بيتها في أرض الميعاد . كانت العروس تحلم بالعودة لكي تلتقي به في هيكل قدسه ، فكانت تدعوه بكلمات الحب المليئة بالحرارة . وهذا هو أسلوب الرب للفاترين في الأيمان لكي يدخلهم إلى حياة أيمانية حارة تعيدهم إلى الحب الحقيقي الذي يربط بينهما , أرادت العروس ان تعود إلى أورشليم التي هي سرّ ة الأراضي المقدسة ، والواقعة في قلب الأرض ، وهذا ما نقلته الأسفار المنحولة . تقول الآية ( سرتك كأس مدورة ) تشير إلى أورشليم التي فيها العريس ، وأي عروس لا تستطيع أن تصل إلى حبيبها إلا إذا أستندت على ذراعه ، فحينذاك يكمل حب الحبيبة مع الحبيب فلا شىء يستطيع أن يفصله ، كما قال الرسول بولس ( فمن يفصلنا عن محبة المسيح ؟ … ) ” روم 8: 35-38″ .

( ثدياك تؤأما ظبية ) وصف الثديين بأنهما مثل توأمي ظبية إشارة إلى الوحدة والانسجام ، كما ان في الثديين إشارة إلى ما سيتمتع به ذلك الشعب من شبع ودسم في ذلك الحين ، كما تقول الآية “افرحوا مع أورشليم وابتهجوا معها يا جميع محبيها. افرحوا معها فرحا يا جميع النائحين عليها لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزيانها. لكي تعصروا وتتلذذوا من درة مجدها”(أش66: 10و11). كما يرمز الثدين إلى الخصب ، فأرض كنعان خصبة ، وتزرع في كل فصول السنة ، كذلك يظن أن الثدين يدلان على جبلي عيبال وجرزيم والتي تشير إلى حلم كبير وهو توحيد الأخوين المنفصلين ( أسرائيل ويهودا ) فيجدا من جديد أنهما أمة واحدة مشتركة ليصيرا من جديد شعباً واحداً ، وهذا يرمز إلى موضوع الوحدة بين الخبز والخمر في سر الأفخارستيا ، وإلى رمز وحدتنا نحن شعبه في العهد الجديد معه في تناولنا لنتاج أمتزاج الخبز والخمر لنتحد مع العريس  ، وهكذا الكنيسة الأم تلد أولاداً لله من كل البلدان  . توسلت القديسة تريزيا الأفيلية في آخر أيامها بعريسها وقالت له ( يا ربي وعريسي ، ها قد جاءت أخيراً الساعة التي تشوقت إليها كثيراً ، الآن جاء وقت الأتحاد ، جاء الوقت الذي نسير ببركة الله ) .

أما في العهد الجديد ، فالعريس هو الرب يسوع ، والعروس هي كنيسته ، إنه الملك ، فلقب العريس والملك يليق بالمسيح وحده ، بل هو الذي أطلق على نفسه العريس عندما سأل متى يصومون تلاميذك ؟ فقال ( هل يستطيع المدعون إلى العرس أن يصوموا ما دام العريس معهم ؟ ) ” مر 19:2″ أنه الملك المطلق على كل الأمم ( ملك الملوك ورب الأرباب ) الملك والعريس هو الذي يجذب العروس إليه لأن العروس لوحدها لا تستطيع أن تدخل إلى خدر العريس وتشرب من خمره . فالمبادرة تأتي من العريس وحده ، فيقول ( انهضي يا حبيبتي ، يا جميلتي ، وتعالي معي ) ” 10:2″ . أما عبارة ( ليقبلني بقبلات فمه ) أوليقبلني ، أمسكني ، أجذبني ، فهي ترمز إلى دخول العروس في حياة العريس فيمتلك الواحد الآخر ، ويبرز الفرح والبهجة . الحبيبة العروس كفرد أو شعب ، أو أمة تعبد الرب وتفرح بحبه الذي يفوق كل مسكر. كما قال زكريا النبي ( تفرح قلوبهم كما من خمر … يفرحون وتبتهج قلوبهم بالرب ) ” زك 7:10 ” الحب هو أكثر من الخمر تأثيراً . وفي الختام نقول ألتقت العروس ( شعب أسرائيل ) بحبيبها عندما عادت من بابل إلى أرض الحبيب بعد أن عادوا إلى رشدهم وتابوا . أما شعب العهد الجديد فسينطلقون من هذه الأرض الغريبة إلى الأرض التي يسكن فيها العريس ، وأعد فيها منازل كثيرة لهم . لا يستطيعون لوحدهم الذهاب ، بل العريس هو الذي سيجذبهم وهناك سيتم الفرح الدائم ، وحسب قول العريس ( لا يستطيع أحد أن يأتي أليّ إن لم يجذبه الاب ) ” يو 44:6″

وللعريس المحب لكنيسته المقدسة  المجد دائماً    

ملاحظة : سنتناول سفر نشيد الأنشاد بمقال آخر عنوانه ( العريس يسلم عروسته لأعدائها لتأديبها )

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!