آراء متنوعة

على القانون أن يحمي المغفلين والمغفلات

على القانون أن يحمي المغفلين والمغفلات

عبدكم الفقير، الذي تجاوز السبعين، تلقى العديد من العروض التي تسوق لعلاج أمراض يعاني منها، رغم ذلك لم تسول له نفسه شراءها، لأنها ببساطة شديدة تعد بمعجزات في عصر ليس فيه متسع للمعجزات.

يجب أن نتوقف لنحاسب أنفسنا..
لا يخلو يوم من أخبار حول عمليات خداع باستخدام تقنيات التزييف العميق، أو قدرات الذكاء الاصطناعي على التضليل والإيهام بأمور لم تحدث. هذا ليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى الحكومات.

ونحن هنا نتحدث عمّا هو معلن. ما خفي أشد وطأة.

وإذا كان الذكاء الاصطناعي قد سهل مهام المحتالين، فإن وسائل التواصل الاجتماعي قد يسرت للمحتال اختيار ضحاياه.

استمعت صدفة إلى برنامج تلفزيوني (الحقائق الأربع، قناة الحوار التونسي) يتحدث عن محتال وظف هذا الكوكتيل الخطير الذي يجمع بين الذكاء الاصطناعي ومواقع التواصل للإيقاع بعشرات الضحايا، اختارهن بعناية من بين نساء متعلمات صاحبات مهن مميزة، بينهن طبيبات ومهندسات ومديرات أعمال..

اختار المحتال لنفسه شخصية مزيفة ترغب بها كل النساء، واستعان في ذلك بوسائل يتيحها الذكاء الاصطناعي. الباقي تكفلت به رسائل بعث بها عبر منصات التواصل الاجتماعي لضحاياه، وجلس بانتظار الرد.

مؤكد أن أعداد من فلتن من شباكه فاق عدد من وقعن في حباله. رغم ذلك نجح بالإيقاع بعشرات الضحايا، فهو ثري ومطلع وصاحب حسابات بنكية متعددة، يتنقل من بلد إلى آخر لحضور اجتماعات، ومن أصول عائلية عريقة، وعلاقات اجتماعية تجمعه بشخصيات مؤثرة، ويمتلك عقارات وشققا فاخرة.. باختصار، إنه عريس لقطة.

لا حاجة إلى التذكير بأن كل هذه الصفات مزيفة.

في الوقت الذي تستفيق فيه الضحية من الحلم الجميل، يكون المحتال قد سلبها مبلغا محترما من المال واختفى عن الأنظار.

التحقيقات قدرت المبلغ الذي حصل عليه من ضحاياه بقرابة المليار (مليون دينار تونسي).

ما يراهن عليه أمثال هذا المحتال أن الضحية المصدومة ستقبل الخسارة وتجنح غالبا للسكوت والكتمان حتى لا تتهم بأنها مغفلة، خاصة أن القانون كما قالت واحدة من ضحاياه، لا يحمي المغفلين، ويسهل بذلك على المحتال مهمته.

المحتال الذي أشار إليه البرنامج بالـ“الخطيب المتسلسل”، نوع من بين أنواع كثيرة من أنماط للاحتيال نمت مثل الفطر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وإذا كان القانون لا يتدخل مسبقا لحماية الناس من هذا النوع من الاحتيال، يجب أن يتدخل لحمايتهم من أنواع أخرى خاصة المتعلقة بصحتهم.. وهي كثيرة. وكنت قد أشرت إلى واحد منها وهو الإعلان عن علاجات معجزة تشفي من جميع الأمراض.

والأخطر من كل هذا هو اختيار المحتالين لضحاياهم من بين الأطفال.

ولكن، قبل أن نسارع ونعلن فساد مواقع التواصل الاجتماعي ونطالب بحجبها، يجب أن نتوقف لنحاسب أنفسنا..

عبدكم الفقير، الذي تجاوز السبعين، تلقى العديد من العروض التي تسوق لعلاج أمراض يعاني منها، رغم ذلك لم تسول له نفسه شراءها، لأنها ببساطة شديدة تعد بمعجزات في عصر ليس فيه متسع للمعجزات.

كان على ضحايا “الخطيب المتسلسل” أن يتساءلن سؤالا بسيطا واحدا، لماذا يلجأ شخص يمتلك كل هذه المواصفات التي يصعب أن تجتمع في شخص واحد، إلى منصات التواصل الاجتماعي بحثا عن شريكة حياته وهو المحاط بحكم منصبه ونمط حياته بالمئات من الحسناوات؟

أليس هذا العرض جيدا إلى درجة يصعب معها أن يكون حقيقيا؟

هذا بالطبع لا ينفي أن على القانون أن يحمي المغفلين والمغفلات.

علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!