مقالات عامة

عناصر الفن الغوطي في أوربا

عناصر الفن الغوطي في أوربا

بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو

   في القرن الثاني عشر كانت مملكة فرنسا مركز أوربا الروحي ، فيها برزت الهندسة المعمارية فبنيت كنائس وأديرة كبيرة وجميلة ، كما تنوعت أنواع الهندسة المعمارية ، منها التجريدية المجردة من الرسوم والزخارف . كما برزت هندسة جديدة وفنون تشكيلية جديدة . وفي تلك الفترة ولد فن جديد سمي ب ( الفن الغوطي ) . فما هي عناصر هذا الفن :

   ا- التسمية : أزدهر الفن الهندسي الرومانسكي في جنوب فرنسا ، وتم تأسيس الأديرة الضخمة الخاصة بالرهبان البنديكتين للصلاة والتأمل ، حيث كوّنت الهندسة الكنسية الثقيلة الثابتة ، والتشكيل الخطي التجريدي ، وذلك بالعلاقة بالمناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط ، لكن منذ القرن الثالث عشر ظهرت في خط الفن الرومانسكي حضارة جديدة ، وجد مركزه في فرنسا الشمالية وبعد سنة 1250 في باريس نفسها ، مدينة الثقافة المسيحية الأوربية بفضل الجامعة والمعلمين المشهورين . إنتشرت من هناك الحضارة الجديدة إلى أقصى حدود الغرب المسيحي اللاتيني . ومن هناك أصدر فن الهندسة الغوطي الخاص للكاتدرائيات الأسقفية في المدن ، فن ديناميكي حي متعلق بروحية أوربا الشمالية ، والذي يقصد الحصول على السماء لكن من أجل طبيعة الإنسان الحقيقية الواقعية .

   2- الروحية الجديدة : يشهد مطلع القرن الثالث عشر تغيير عميق في تصرف الإنسان الغربي ، إذ أخذ يحصل على نظرية جديدة تجاه العالم والحياة الإجتماعية ، لقد نجح الفن البيزنطي بتعبير كامل عن الروح المسيحي مع نوع من الأحتقار للعالم المادي الجسدي المانع الحصول على الأفكار الأبدية والعائق عن القيّم الروحية الخلاصية . والفن الرومانسكي المتعلق بنفوذ البيزنطي أضاف إليه المنطق التجريدي ، مع أنه حاول تطبيق الأفكار الأبدية على الحياة الواقعية وإدخالها إلى التصرف الأخلاقي ، وذلك ايضاً تحت تأثير نظام القديس أوغسطينوس الفكري حيث جمع من الأفلاطونية والمسيحية على حساب العالم المادي الذي ليس إلا رمز وآية تساعد صعود العقل إلى الله . لكن في القرن الثالث عشر ترك الأفلاطونية لصالح الأرسطوطالية ، وذلك خاصةً بفضل موقف جامعة باريس المؤسسة سنة 1215 ، حيث درّسَ كل من ألبير الكبير ( 1193 – 1280 ) وتوماس الأكويني ( 1224 – 1274 ) مع وضع النظام التعليمي المسيحي الشامل حسب مباديء أرسطو القائل بأحترام للطبيعة ومتطلبات العالم المادي الحسي . أن الحضارة الغوطية رغم حضور الأفلاطونية المستمر أخذت تصبح واقعياً وتكتشف الطبيعة وتعجب من العالم المادي . الآن اصبحت الطبيعة ينبوع المعرفة وقبلت ضمن الكنيسة . تبينت نتيجة هذا التغيير على سبيل المثال في تقديم الجسد الإنساني ( التماثيل مع الملابس والحركات الطبيعية ) وفي إختيار المواضيع ( الحيوانات والنباتات ) وفي هندسة الكاتدرائيات مع التغلب التدريجي على مبدأ ( الرقم المثالي الذهبي ) لصالح حرية المهدنس على مبدأ القانون الجديد وهو قانون جاذبية الثقل . ووضعت مؤلفات مثيرة حول هذه المواضيع ، نذكر منها كتاب ( مرآة العالم ) في مفهوم الفن وطريقة تعبيره المتعلقة بالطبيعة والتاريخ الخلاصي . فسرت مباديء فن الكاتدرائيات العظيم ويبدو من كل ما يحمله من فنون أن الحضارة الغوطية هي فترة الجرأة الفنية في كل الميادين الهندسية ، والكتابية ، والتصرف تجاه المرأة مثلاً ، مع الإحترام الخاص للسيدة ، ودور مريم العذراء في تقوى القرون الوسطى .

   3- ميادين الفن الغوطي الأربعة . كونت هذه الحضارة بفضل عناصرمختلفة نذكر منها :

أ- الكاتدرائيات الغوطية . ب- الأسكولاستيك الباريسي . ج- المؤسسات الرهبانية المتسولة . الشعر الفرساني       

( 1 ) – الكاتدرائيات : تشهد الكاتدرائات عن فن عظمة الهندسة الغوطية التي وصلت قمة إزدهارها من 1200 – 1260 ، ليس فقط في الأديرة الريفية الرومانسكية الفخمة ، بل في الكنائس الأسقفية وسط المدن والمبنية بأشتراك الشعب كله ، وخاصةً بأشتراك البسطاء والفقراء لمدة خمسة قرون تقريباً ، أنتشر النور الإلهي في وسط العالم البشري ، كانت الكاتدرائية بيت الله ، يقصد رفع الروح نحو الأعلى ، وأيضاً بيت الشعب حيث وجدت الحياة الإجتماعية المدنية المكان للإجتماعات والقرارات المهمة . جمع في هذا البيت بين كل ميادين الحياة وعناصرها . لكن شكل هذا التحقيق الهندسي العظيم حسب روحية اللاهوت معينة ، الذي يرجع أخيراً إلى الأسقف أو القانوني المسؤول العام عن الأشغال . ان الكاتدرائية آية ومراة تشير إلى فكرة دينية ، إنها لاهوت متجسد في الحجارة ، والهندسة كلها تعبر مادياً عن لاهوت الكنيسة الروحية .

ومن مراحل تطورها نذكر :

أولاً : المرحلة البدائية ، مرحلة الربيع ( 1130 – 1160 ) مع كنائس سان داني 1140 وكنيسة سانس 1130 وهي الكنيسة الأولى مع هيكل غوطي كامل وكنيسة لانغى وقد اهتم بالمعرفة عن طريق الخبرة والعواطف ، مع ألأحترام للطبيعة والجمال الجسدي ، وفي القرن 13 الأزدهار مع رسم البراعم ، وفي القرن التالي تم رسم الزهور ، وفي القرن 15 اللبلاب .

ثانياً : مرحلة الفن الغوطي المُشِع المنير 1250 – 1350 مع مجموعة من الكاتدرائيات العجيبة على الطراز الغوطي المجرد نذكر منها بصورة خاصة شارتري حيث حفظت في الكنيسة كل التفاصيل كما كانت قديماً ، وبورجي القرن 12 ، رايمس وسواسون 1180- 1225 ، وآميان ، ومريم العذراء في باريس 1200- 1220 ، 1245 وأخيراً بوفيه 1247 – 1272 مع أعلى سطح بأرتفاع 50 م والذي سقط فيما بعد .

ثالثاً : مرحلة الغوطي المتوّج الملتهب 1350- 1500 مع تزييد المعابد الجانبية ، والتركيز على ألام المسيح ، والموت ، وأم الأحزان .

رابعاً : مرحلة الغوطي المتأخر: من القرن 16-18 ، وهي فترة الرد على البروتستانتية ، فكان للإصلاح البروتستانتي تأثيراً سلبياً كبيراً على الفن المسيحي لأن الفكر البروتستانتي المناهض لكنيسة الأم رفض كل الفنون التشكيلية فجرد الكنائس من الأيقونات والمنحوتات وتم إزالة رسوم المسيح ، والعائلة المقدسة ، والعذراء ، والقديس يوسف ،و لم يقبل الرسم في الكاتدرائيات إلا القليل . أنتشرت هذه الهندسة الجديدة في كل أنحاء أوربا ، أولاً في فرنسا ، وأسبانيا ، وقد وصلت إلى إنكلترا ، ومن ثم أكملت الهندسة الغوطية طريقها الخاص في إنكلترا ، مع الهيكل الطويل والأبراج المربعة الإحتفالية ، لكن دون أي فن تشكيلي . ووصل النفوذ الغوطي في القرن 14 إلى ألمانيا . ولم يدخل في إيطاليا الفن الغوطي إلا قليلاً من التزيين ، وبنيت تحت تأثير الرهبنيات المتسولات كنائس عالية دون شبابيك متكرسة للكرازة .

أما أهم صفات الكاتدرائات الغوطية فهي :

ا- الروح الجديدة التي تجسد في إنسجام الفنون الهندسية والتشكيلية المختلفة كلها .

2- مفهوم الكاتدرائية كصورة الفردوس ، وكبيت الشعب المؤمن ، والمبنية على يد الكل .

3- إستعمال القوس الحاد عوضاً عن القوس على شكل نصف دائرة .

4- تشكيل القنطرة من خلال تصالُب قوسين متقاطعين .

5- إستعمال الزافرة ، العقد الساند والركائز .

6- الأتجاه نحو الأعلى مع الخط العمودي الرفيع 

7- الحائط المفتوح لقبول النور .

8- الكاتدرائية كمدرسة ومعجم المعارف الطبيعية والأدبية الأخلاقية والتاريخية 

ب- الأسكولاستيك : حاول الإنسان المثقف في القرن 13 ان يجمع بين كل عناصر العلوم والمعرفة اللاهوتية والفلسفية بنظام شامل واضح يجمل فيه الحقائق والخلائق لتترتب كلها نحو القمة في الله ، وقد وضع آنسيلموس من كانتوربوري 1033- 1099 البراهين العقلية لوجود الله ، وعرف ارسطو والفلسفة اليونانية في الغرب عن طريق الترجمات العربية . ومن أبرز المعلمين هم : سكوتوس ، وبونافنتورا الفرنسيسكاني ، وتوما الأكويني الدومينيكي الأيطالي . ظهرت في فرنسا إلى جانب المدارس الأديرة القديمة ، جامعات كبيرة مهمة حرة ، أشهرها جامعة باريس التي قصدها علماء وطلاب من العالم كله . كما تمكنت العقلية الغوطية ايضاً من وضع دوائر المعارف وموسوعات ، ومن دوائر الصور المترتبة المتركزة .

ج- مؤسسات الرهبنة المتسولة : إلى جانب الجماعات الرهبنية القديمة المتركزة في الأديرة الريفية المحصنة ، أسست منظمات جديدة تهتم أكثر بحياة الفقر الأنجيلي والتبشير الرسولي لدى الشعب ، فقد جدد برناردس الروح البندكتيني 1090 – 1153 وأعطى مجالاً أوسع للشعور الديني ، ثم أسست الرهبانيات المتسولات على يد القديس فرنسيس الأسيزي 1181 – 1226 والقديس عبدالأحد الأسباني 1170 – 1221 مع الأديرة وسط المدن .

د- الشعر الفرساني : خلق خلال تلك الفترة أيضاً الشعر العاطفي الذي به يعبر الفارس عن شعوره تجاه الأميرة المثالية ، والذي كرس حياته من أجلها ، أعظم شاعر كان ( دانتي الفيرنزي ) الذي ألف الكوميديا الإلهية بعد سنة 1300 خلال المنفى في رافينا ، وهي رؤيا سماوية عن الأمور الأرضية .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!