مقالات

ما مصير الاحكام التي تصدر من محكمة غير مختصة نوعياً؟ محكمة البداءة المختصة بالمنازعات الرياضية انموذجاً

1. قرر مجلس القضاء الأعلى تشكيل محكمة متخصصة بالمنازعات الرياضية ترتبط برئاسة استئناف الكرخ، وذلك بموجب بيانه العدد 77/ق/أ في 17/11/2020 الذي جاء فيه الاتي (استنادا الى احكام المادة (22) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 197 ، و المادة (3/تاسعا) من قانون مجلس القضاء الاعلى رقم (45) لسنة 2017 و المادة (6/تاسعا) من القانون رقم (60) لسنة 2017 (قانون الاحتراف الرياضي) تقرر : اولا: تشكيل محكمة متخصصة بالنظر بالمنازعات الرياضية ترتبط برئاسة محكمة استئناف بغداد/الكرخ الاتحادية . ثانيا: ينفذ هذا القانون اعتبارا من تاريخ 17/11/2020) وهذا البيان هو تنفيذ لأحكام المواد (6/تاسعاً) من قانون الاحتراف الرياضي رقم 60 لسنة 2017 التي جاء فيها الاتي ( تاسعا : مع مراعاة الاحكام الواردة في الفقرة (ج) من البند ثانيا من المادة -4- تكون المحكمة الرياضية في العراق هي المحكمة المختصة في حل النزاعات بين اطراف عقود الاحتراف ما لم تتمكن لجنتا الاحتراف والاستئناف من حلها ويكون قرارها قابلا للطعن لدى محكمة الاستئاف خلال مدة اقصاها (15) خمسة عشر يوما وللتمييز خلال مدة اقصاها (30) ثلاثون يوما من تاريخ التبلغ بالقرار او اعتباره مبلغا ويكون قرارها باتا.) والمادة (22) من قانون البارالمبية رقم 65 لسنة 2017 التي جاء فيها الاتي (تكون المحكمة الرياضية العراقية الجهة المختصة بتسوية النزاعات الرياضية التي تنشأ من خلال تطبيق هذا القانون و يكون قرارها قابلا للطعن استئنافا خلال مدة اقصاها (15) خمسة عشر يوما لدى محكمة استئناف المنطقة التي يقع فيها النزاع و (30) ثلاثون يوما لدى محكمة التمييز الاتحادية اعتبارا من تاريخ التبلغ بالحكم او اعتباره مبلغا و بعدها يعتبر باتا.

2. نظرت تلك المحكمة عشرات الدعاوى وأصدرت فيها الاحكام التي اكتسبت درجة البتات بعد تصديقها من محكمة التمييز الاتحادية، وخلقت مراكز قانونية للخصوم، وتم تنفيذ تلك الاحكام باعتبارها احكام قضائية لها حجية الامر المقضي به.

3. لكن هذه المحكمة استندت باختصاصها الى نصوص المواد في قانوني الاحتراف الرياضي واللجنة البارالمبية الصادرين عام 2017، ثم حصر، لاحقاً، الاختصاص النوعي للنظر في هذه المنازعات بمركز التسوية والتحكيم الرياضي العراقي بموجب المادة (16) من قانون اللجنة الأولمبية رقم 29 لسنة 2019 وعلى وفق النص الاتي (يؤسس مركز للتسوية والتحكيم الرياضي يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري ويختص بالنظر في المنازعات الرياضية وفقا للميثاق ومجلس التحكيم الرياضي الدولي بناء على النظام الداخلي)

4. على اثر ذلك النص اصدر مجلس القضاء الأعلى بيانه المؤرخ في 26/6/2023 الذي الغى بموجبه محكمة المنازعات الرياضية وعلى وفق النص الاتي (بالنظر لتأسيس مركز التسوية والتحكيم الرياضي العراقي الذي يختص بالنظر في المنازعات الرياضية استنادا لأحكام المادة (16) من قانون اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية رقم (29) لسنة 2019 والماد (42) من النظام الداخلي رقم(1) لسنة 2020 للجنة المذكورة تقرر: أولاً – إلغاء البيان المرقم (77/ ق /ا) المؤرخ 17/11/2022 المتضمن تشكيل محكمة متخصصة بالنظر بالنزاعات الرياضية والتي مقرها في رئاسة محكمة استئناف بغداد/الكرخ. ثانياً- ينفذ هذا البيان اعتبارا من تأريخ صدوره)، واصبح الاختصاص ينعقد لمركز التسوية والتحكيم وليس للقضاء العراقي

5. الإشكالية القانونية: ما هو مصير القرارات التي صدرت من محكمة المنازعات الرياضية للفترة من تاريخ نفاذ قانون اللجنة الأولمبية رقم 29 لسنة 2019 ولغاية الغاء تلك المحكمة بتاريخ 26/6/2023، فهل تعتبر تلك القرارات معدومة لانها صدرت من محكمة غير مختصة نوعياً، ام تبقى نافذة وصحيحة لذلك لابد من مناقشة الأمور الاتية حتى نتوصل الى إجابة مقاربة للواقع القانوني:

‌أ. كيف نحدد الاختصاص النوعي للمحكمة: ان الأصل في ذلك هو ولاية محكمة البداءة تسري على كل المنازعات التي تحدث بين اي طرفين من الخصوم دون الالتفات الى مواقعهم ومراكزهم وصفاتهم وعلى وفق الاطلاق الوارد في المادة (29) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها الاتي (تسري ولاية المحاكم المدنية على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في كافة المنازعات)، ومن خلال هذا النص يجوز سلب ولاية محكمة البداءة او جميع المحاكم في القضاء العراقي من النظر في نزاع معين لكن بموجب نص خاص وعلى وفق العجز الأخير من المادة (29) من قانون المرافعات التي جاء فيها الاتي ( إلا ما استثنى بنص خاص) ، ونص المادة (16) من قانون اللجنة الأولمبية هو نص خاص منع القضاء العراقي من النظر في المنازعات الرياضية، واصبح الاختصاص لمركز التسوية والتحكيم الرياضي العراقي حصراً، وهذا المركز هو هيئة تحكيم مؤسسة بموجب القانون واللجوء اليها اجباري، ولا يملك الخصوم في المنازعة الرياضية حق الخيار باللجوء الى القضاء، وهو بمثابة تعديل لأحكام التحكيم الواردة في المواد (251-276) مرافعات وعلى وجه الخصوص نص المادة (253/1) من قانون المرافعات التي اجازت للطرفين اللجوء الى القضاء مع وجود شرط التحكيم. وبموجب ذلك لا يجوز لاي محكمة ان تنظر في منازعة رياضية، واذا اقيمت دعوى بموجبها عليها ردها لعدم الاختصاص، وهذا استقرار قضائي منذ فترة طويلة، حيث لم تقبل محكمة التمييز الاتحادية الإحالة من محكمة الى لجنة او هيئة تحكيم، وانما لها ان ترد الدعوى او تستأخرها اذا كان لها حق النظر فيها لاحقاً في قضايا التحكيم على وفق احكام المادة (253/3) مرافعات.

‌ب. من خلال العرض أعلاه نجد ان قرار الحكم الذي يصدر عن غير مركز التسوية والتحكيم الرياضي، يكون صادر عن محكمة غير مختصة، ويعد هذا الحكم مشوب بعيب عدم الاختصاص لان المحكمة اصدرت قرار الحكم على خلاف اختصاصها الذي حدده القانون، والمقصود باختصاصها هو الاختصاص النوعي والمكاني والقيمي، فاذا قامت محكمة البداءة المختصة بمنازعات الرياضية بنظر دعوى، فان قرارها الصادر في الدعوى يعتبر قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص ويكون واجب النقض وهذا من اهم أسباب النقض لعدم الاختصاص[1]، لان أي محكمة ولايتها ليست عامة وشاملة وإنما القانون حددها وقيدها فلا يجوز تجاوز هذه الحدود[2]

6. الخلاصة:

‌أ. بعد استعراض احكام فض المنازعة الرياضية نجد ان الاختصاص بنظرها ينعقد حصراً لمركز التسوية والتحكيم الرياضي اعتباراً من تاريخ نفاذ قانون اللجنة الأولمبية رقم 29 لسنة 2019 الذي اعتبر نافذاً اعتباراً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية العدد 4566 في 19/12/2019 ، وهذا يعني ان جميع الاحكام التي صدرت بعد هذا التاريخ تعتبر احكام صادرة عن محكمة غير مختصة ويلحقه عيب عدم الاختصاص، الذي يكون من احد أسباب انعدام الاحكام وعلى وفق قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 3965/هيئة الأحوال الشخصية/2016 في 19/6/2016.

‌ب. هل يجوز لمن صدر قرار حكم خلال هذه الفترة من اللجوء الى مركز التسوية والتحكيم باعتبار تلك الاحكام معدومة لأنها صدرت عن محكمة غير مختصة؟ أرى ان الجواب نعم في ضوء النصوص النافذة، لان المادة (16) من قانون اللجنة الأولمبية رقم 29 لسنة 2019 تعتبر نص ناسخ لاحكام المواد الواردة في قانون الاحتراف الرياضي رقم 60 لسنة 2017 وقانون اللجنة البارلمبية رقم 65 لسنة 2017 باعتباره نص خاص ولاحق على النصين السابقين فضلا عن نص المادة (17) من قانون اللجنة الأولمبية قد منع العمل باي نص يتعارض واحكامه وعلى وفق الاتي (يلغى قانون اللجنة الوطنية العراقية رقم (20) لسنة 1986 المعدل بقانون رقم (33) لسنة 1988 وجميع القوانين التي تتعارض مع أحكام هذا القانون ولا يعمل بأي نص يتعارض مع أحكام هذا القانون.

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد

الهوامش============================================
[1] القاضي عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ توزيع المكتبة القانونية في بغداد ـ ط2 عام 2008 ـ ج4 ـ ص29

[2] الدكتور محمد سعيد عبدالرحمن ـ الحكم القضائي وأركانه ـ منشورات الحلبي الحقوقية في بيروت ـ ط1 عام 2011 ـ ص120

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!