تجميد المقاومة المسلحة ا*لفلس*طينية
تجميد المقاومة المسلحة ا*لفلس*طينية
تكرار الدعوات إلى انخراط حركتي ح*ما*س والجهاد الإسلامي تحت سقف منظمة التحرير ا*لفلس*طينية أصبح بلا جدوى في ظل بناء رهاناتهما على أجندات إيرانية دون قراءة المشهد السياسي العام في المنطقة.
الفلسطيني لا يملك من مقومات الضغط إلا الشرعية الدولية
في ظل استمرار التعقيد في المشهد السياسي الإقليمي منذ ذلك اليوم المشؤوم (السابع من أكتوبر)، الذي ابتلع بارتداداته عناصر وأدوات المحور الإيراني في المنطقة، أصبحت أمام ما شُكل من واقع مضطرة إلى أن تعيد به حساباتها في إطار تقييم تجربتها لإعادة طرح مقاربات سياسية تتلاءم مع جملة الحقائق التي فرضتها معادلات الصراع، التي باتت جميعها تصب لصالح إس*رائي*ل خاصة مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى حكم البيت الأبيض.
ارتدادات الصراع لن تتوقف أمام اتفاقات هدن هشة، أطرافها لن تألو جهدا لتحسين ظروفها بمسارات دبلوماسية بعيدا عن الصدام العسكري، فلم يعد يتحمل الصراع حربا بمفهومها التقليدي أو بمفهوم عسكرة المفاوضات التي ما زالت تجري بوتيرة متفاوتة على بعض جبهات المحور الإيراني (غ*ز*ة، جنوب لبنان، اليمن)، بعد الخروج الإلزامي لجبهتي العراق وسوريا من دائرة الصراع.
إقليميا، الصورة أصبحت أوضح في ظل عودة الرئيس دونالد ترامب، أوراق الاعتماد التي أصبحت الدول تتسابق لتقديمها هربا من سخط الإدارة الترامبية الساعية لفرض رؤيتها في المنطقة بناءً على حسابات التحالف المتين مع حكومة اليمين الإ*سر*ائي*لي المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، ذات الإنجازات التراكمية، وصولا إلى عام 2026؛ موعد الانتخابات البرلمانية الإ*سر*ائي*لية المقبلة. وهو ما يضع المنطقة أمام ثلاث حقائق تندرج تحتها كافة عناوين مشاهد الصراع العبثي السابقة والحالية واللاحقة؛ الأولى أن إيران لن تستطيع إعادة بناء محورها مجددا، الثانية أن المنطقة في طور إعادة تشكيل تحالفات سياسية ترث التركة الجيوسياسية للمحور الإيراني، والثالثة أن المرحلة القادمة برعاية رؤى اليمينين الأميركي والإ*سر*ائي*لي، مما يتطلب مقاربات سياسية أكثر واقعية وبراغماتية، تبدأ فلسطينيا بتحديد إستراتيجية شاملة تتخلى بها الفصائل عن تحالفاتها التقليدية مع المحور المتهالك، وتجد أساليب غير مسلحة للحفاظ على مقومات صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.
◄ الفلسطيني.. لا يملك مقومات الضغط العسكري أو أوراقا سياسية إلا الشرعية الدولية التي أسست أرضية قانونية وسياسية لتحقيق إقامة دولة لشعب قادر على تقرير مصيره
الدعوات الخجولة، والحديث بالقشور دون التعمق في أصل ما يعانيه الشعب الفلسطيني، لم تعد مقبولة في ظل ما مرت به المنطقة وما هي مقبلة عليه، يجب إقرار صيغة سياسية جامعة فلسطينية بمفاهيم تنطلق من فاتورة الأثمان التي دفعها الشعب الفلسطيني، وانهيار المحور الإيراني، واستمرار حكم منظومة اليمين الإ*سر*ائي*لي، وعودة الرئيس دونالد ترامب. سياسيا، لن يستطيع فصيل منفرد جلب اتفاق سلام بسقف اتفاق أوسلو، فكل تجارب ح*ما*س التفاوضية كانت تحقق مطالب حياتية أقل بكثير من أن تسمى اتفاقا سياسيا، مطالب بالعموم لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. في المقابل، تكرار الدعوات إلى انخراط حركتي ح*ما*س والجهاد الإسلامي تحت سقف منظمة التحرير ا*لفلس*طينية أصبح بلا جدوى في ظل بناء رهاناتهما على أجندات إيرانية، دون قراءة المشهد السياسي العام في المنطقة.
ما سبق يتطلب من السلطة ا*لفلس*طينية، وحركة فتح صاحبة المشروع السياسي الفلسطيني الأكثر نضجا وواقعية، الخروج ببرنامج سياسي يحمل مقاربة سياسية قائمة بإطارها على حماية القرار الفلسطيني، وعدم توظيفه لخدمة مشاريع إقليمية بُنيت على أنقاض مشاريع اندثرت. لذلك، المقاربة ا*لفلس*طينية يجب أن تقوم بمعالجة الخلل في الحالة السياسية ا*لفلس*طينية العامة، بهدف الوصول إلى سلطة قوية بنظام سياسي وأمني واحد بقانون ومؤسسات تخدم الشعب الفلسطيني على أراضي الدولة ا*لفلس*طينية.
معادلة سلطة فلسطينية بنظام سياسي وقانون وسلاح شرعي واحد، لن تتحقق إلا بعد استكمال ما بدأته السلطة في مخيم جنين، وتجسيد شعار حماية وطن باستخراج مسوغات سياسية تدعم إستراتيجية شاملة قائمة على روافع وطنية؛ تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، تجميد المقاومة المسلحة، والمساهمة الفعلية بتحديد نفوذ ومشاركة فصائل الفلك الإيراني على الساحة ا*لفلس*طينية، حماية اتفاق أوسلو ودعم المساق السعودي المتجه بقوة نحو تشكيل تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين.
اليوم يحتاج الساسة والمثقفون الفلسطينيون، بدفع من حركة فتح بحكم مشروعيتها الأيديولوجية النضالية، كونها صاحبة المشروع المتكامل القادر على انتشال الحالة ا*لفلس*طينية من مستنقعها، إلى مواجهة حالة الغوغائية التي تعتمد عليها حركة ح*ما*س وأدوات الفلك الإيراني في المنطقة بعمق فكري إستراتيجي.
في عودة إلى جزئية استمرار منظومة اليمين الإ*سر*ائي*لي في الحكم، وعودة إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يحتاج الشعب الفلسطيني إلى حلول سياسية متاحة في متناول يده، فلا وقت بانتظار سياق سياسي جديد يحتاج إلى دورة زمنية ليرسخ مفاهيم سياسية مقبولة داخل المجتمع الفلسطيني، ويأخذ من ناحية أخرى مداه على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة مع فشل اليمين الفلسطيني واليسار، وفقدهما البعدين الفكري؛ المحلي والإقليمي، والذي انعكس في افتقارهما لطرح رؤى سياسية بعيدا عن رهانات فرضها الصراع، رهانات لم تحقق تأثيرا في الصراع، فلم يتحقق تدخل دولي منقذ لقطاع غ*ز*ة، ولم تخلق الحركة الاحتجاجية الدولية تأثيرا دافعا لوقف الحرب، ولم تنهر حكومة بنيامين نتنياهو، ولم تستطع إيران ومحورها خلق توازن عسكري في المنطقة، ولم تثبت ورقة الرهائن والأسرى الإ*سر*ائي*ليين جدواها أمام عناد نتنياهو ومخططاته ومراميه، وهو ما يصب في فرضية أن إس*رائي*ل ليست بوارد وقف الحرب على قطاع غ*ز*ة أو الانسحاب منه.
◄ المرحلة القادمة برعاية رؤى اليمينين الأميركي والإ*سر*ائي*لي، مما يتطلب مقاربات سياسية أكثر واقعية وبراغماتية تبدأ فلسطينيا بتحديد إستراتيجية شاملة تتخلى بها الفصائل عن تحالفاتها التقليدية مع المحور المتهالك
التوصل إلى صفقة جزئية لتبادل الأسرى لن يغير من الواقع الإنساني الغزي في السنوات الأربع والخمس المقبلة، فالذهاب الإ*سر*ائي*لي بتقليص دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع مع بداية حكم الرئيس ترامب، بالاعتماد على إقامة أربعة مراكز تشغيلية على ساحل القطاع لتوزيع المساعدات من خلال شركات أمنية خاصة، يؤكد فرضية استمرار وجود قواتها وسيطرتها الأمنية على القطاع إلى أجل غير محدد.
في العام 1974، خرجت منظمة التحرير ا*لفلس*طينية وعميدها حركة فتح، ببرنامج مرحلي يدعوان فيه إلى إقامة سلطة فلسطينية على جزء من أرض فلسطينية تتحرر من الاحتلال الإ*سر*ائي*لي، كرؤية وهدف سياسيين تسعى إليه في إعطاء زخم لنضال الشعب الفلسطيني، ليتحقق هذا الهدف والرؤية بعد 20 عاما من خلال اتفاق أوسلو، الذي أنتج كيانية سياسية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غ*ز*ة والقدس الشرقية. وفي ظل الوضع الفلسطيني الذي كان جزءا من التعقيد في المشهد العام للإقليم، تجب إعادة تقديم برنامج مرحلي يراعي الفترة الزمنية التي سيحكمها أولا الرئيس دونالد ترامب، وبقاء منظومة اليمين الإ*سر*ائي*لي بقيادة بنيامين نتنياهو، برنامج قائم على قاعدة سلطة وطنية فلسطينية تحكم الضفة والقطاع والقدس، بنظام سياسي وقانون وسلاح واحد، برنامج لن يتحقق إلا بوجود قرار فلسطيني بتجميد المقاومة المسلحة، وسحب كافة السلاح المنفلت في شوارع الضفة والقطاع، خاصة في ظل نتائج العبث العسكري الذي دفع ثمنه الشعب الفلسطيني في قطاع غ*ز*ة، والذي يحاول البعض الإقليمي إعادة استنساخه في مناطق الضفة الغربية لتحسين أوراقهم في العملية التفاوضية التي ما زالت مستمرة.
الفلسطيني.. لا يملك مقومات الضغط العسكري أو أوراقا سياسية إلا الشرعية الدولية التي أسست أرضية قانونية وسياسية لتحقيق إقامة دولة لشعب قادر على تقرير مصيره بما يتوافق مع متطلبات المجتمع الدولي الباحث عن ترجمة فلسطينية خالصة بخطوات وخطاب سياسي ينهي الذرائع الإ*سر*ائي*لية المستمرة في تبرير جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، ترجمة تقوم على تخل عن المقاومة المسلحة في هذه المرحلة الحرجة، في تكرار لنماذج مقاومة سلمية حققت لشعوبها النصر والتحرير، ولعل التجربة الهندية بقيادة مهاتما غاندي وغيرها من الحركات السلمية مثال على فكرة المقال، ففي شهور حرب الإبادة الأولى على قطاع غ*ز*ة، خرج وزير الخارجية التركي ليعلن عن قبول ح*ما*س التخلي عن سلاحها والتحول إلى حزب سياسي، إنقاذا للحركة وحماية لقادتها، فلماذا لا يعلن اليوم عن التخلي عن المقاومة المسلحة كوسيلة لإنقاذ الشعب الفلسطيني على أراضي دولته المحتلة.
حميد قرمان
صحافي وكاتب سياسي
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.