تاريخ الأيقونة ومسيرتها وغايتها 

تاريخ الأيقونة ومسيرتها وغايتها 

بقلم الفنان التشكيلي / وردا إسحاق قلّو 

أقدم أيقونة لميلاد المسيح

   رسم الأيقونة فن مقدس ومكرس في المعابد ناتج من تصور وتعبير الفنان عن موضوع إيماني أو لشخصية تعبر عن الشبه لصورة الشخص الحقيقية . والأيقونة تعكس ما هو غير منظور إلى صورة منظورة تقرب أفكارنا وتشد إيماننا مع الموضوع المصور . فالوجه المرسوم ليس بالوجه اللحمي الترابي الزائل ، بل وجه متجلي بالصورة يحمل سمات أبدية عميقة ، أي وجه روحاني حامل القداسة أو الآلوهة له مجد سرمدي ، لهذا وضعت الكنيسة أُسس واضحة ، وقوانين خاصة ، وقواعد مفصلة لأصول هذا الفن ومبادئه والتي تختلف عن قواعد المدارس الأخرى في الرسم . في الأيقونة نجد التمجيد والترنيم والخشوع . وإن أرتبط هذا الفن بقوانين ، فهذا لا يعني أنه فن جامد متصلب غير قابل للتطور كباقي الفنون ، بل تطور مع الزمن . في البدء كانت الأيقونة الأولى للرب يسوع غير مرسومة باليد . طبعت صورة المسيح على المنديل بمعجزة وذلك عندما غسل وجهه بالماء ونشفه بقماش أبيض فظهرت للحال صورة محياه واضحة فحصلت المعجزة التي أثارة دهشة وتعجباً لدى الشعب ، فبقيت حية في الذاكرة تتداولها الألسن عبرَ الأجيال ودخلت في التقليد الكنسي . أما سبب إعطاء السيد صورته على القماش جاءت بعد إرسال ملك الرها ( أبغار ) الذي كان مصاباً بمرض البرص ، كان قد سمع بعجائب المسيح فنوى أن يرسل إليه رئيس ديوانه يدعوه إلى الحضور عنده لكي ينال منه الشفاء ، وفي حال رفض دعوته . كان مع الوفد رساماً موهوباً أسمه ( حنان ) واجبه رسم وجه السيد المقدس ويأتي بالرسم الشافي . حاول حنان رسم السيد وهو يوعظ للجموع إلا أن مبادراته بائت بالفشل لأنه عجز من إلتقاط ملامح الوجه بسبب المجد الفائق المنبعث منه والمتموج بالنعمة المضيئة . علم الرب يسوع بالأمر لأنه الإله المتجسد فاحص القلوب والكلى فأستدعى حنان من بين الجموع فأستخبره الرسام عن مهمته وغايته ، فتحنن عليه يسوع فزوده بتلك الصورة . أخذها الوفد إلى الرها ( أورفا ) وأعطيت للملك فشفي في الحال . بعد صعود المسيح إلى عرشه السماوي وحلول الروح القدس على التلاميذ أنتشروا في المعمورة للتبشير بكلمة الأنجيل . فوصل أول رسول للمسيح إلى الرها القديس ( تداوس ) لغرض تبشير أهل الرها ، وكان طريقه قد أعد سلفاً لأن اهل الرها وملكها قد آمنوا بالمسيح قبل صلبه بسبب الصورة التي ظلت هناك إلى أن نقلت إلى قسطنطينية العاصمة لتصبح نموذجاً ونواة لرسم صورة المسيح في نمطه البيزنطي ، فبدأ الرسامون برسم لوحات خشبية ومعدنية كثيرة تقليداً لتلك الصورة . المسيح هو صورة الله الغير المنظور ، فهو أيقونة الله بوجه إنسان ، لذلك يجوز رسمه .   

 كما أعطى الرب يسوع صورته على المنديل الذي مسحت به القديسة فيرونكا وجهه المبارك في طريق الجلجلة فكانت الصورة كاملة الشبه والملامح .  

أصل رسم الأيقونات وتاريخها  

يذكر التقليد الكنسي بأن القديس لوقا الأنجيلي المتعدد المواهب والذي كان طبيباً وكاتباً ومحللاً ورساماً موهوباً ولاهوتياً أصيلاً . رسم أول أيقونة للعذراء مريم والدة الإله أثناء وجودها على قيد الحياة , وهو الكاتب الوحيد الذي أعطى التفاصيل الدقيقة عن حادثة البشارة ، وهذا يدل على أنه كان يلتقي بها ويحصل منها المعلومات المهمة والدقيقة عن السيد منذ البشارة ليدونها على صفحات الأنجيل ، وأوصافه الدقيقة ألهم الرسامين من بعده في الشرق والغرب وأتى بمعلومات عن زيارة مريم لنسيبتها أليصابات ، وكذك كتب نشيد مريم وغيرها من الأحداث .  

   حافظت الكنيسة على تلك الصورة التي بقيت في أورشليم بحسب التقليد إلى أن تم نقل الصورة إلى القسطنطينية أيضاً . وقد رسم سبعون صورة مثلها في بلدان كثيرة .  

  بدأ الرسم بتقليد لتلك الصورة فأزدهر الفن وتطور آخذاً أشكالاً مختلفة لكن بقي ثابتاً على غرار أسلوب لوقا التقليدي .  

 يذكر القديس جرمانوس بطريرك الأسكندرية ( 715- 730 ) يذكر في كتاباته أن صورة العذراء حاملة المسيح من رسم لوقا ، أرسلت إلى ثيوفلوس في روما . وثيوفلوس هو الذي ذكره لوقا في مقدمتي إنجيله وفي أعمال الرسل . أيقونة القديس لوقا حددت قواعد وقوانين لرسم الأيقونة . فالكنائس الأرثوذكسية منذ القرن الأول لا تستخدم صوراً مرسومة بأسلوب آخر كالصور الواقعية أو التماثيل . والفرق بين الأيقونة والصورة هو أن الأيقونة تظهر أمام المشاهد كلوحةٍ فنية صوفية ، بل فنها روحي صرف يُعّبّر عن فكر ديني لاهوتي . ولا يعتمد الفنان لرسمها على قوة الألوان أو دقة تدريجها ولا في جمال اللوحة لأن الهدف منها ليس لأبراز القيمة الجمالية أو الأثارة للناظر ، بل يجب أن تكون مجردة من لغة العاطفة وبحسب رسومات الدارس الأخرى ، فلهذا يتجاوز الرسام أسلوب المنظور ودقته أو توزيع الكتل في اللوحة ، لأن الغاية ليس لتزيين المعابد بل للعبادة لأن اليقونة تساعد المؤمنين في التأمل والناجاة فالأيقونة تمثل ذلك المكان المقدس للصلاة . أما في الكنائس الكاثوليكية فنجد إلى جانب الأيقونات الصور والتماثيل ، لأن المؤمن الكاثوليكي الذي يمتلك معلومات كافية حول إيمانه الكاثوليكي لا يمكن أن يعبد ويسجد للثمثال أو الصورة كما يفعل الوثنيين . لنتذكر الأ[طال والشهداء السياسيين مثلاً والذين أفدوا حياتهم للوطن كيف أقيم لهم نصباً تذكارية تكريماً لهم . إذاً سوف لا يبقى أي إعتراض مبرر لتكريم نساء ورجال قديسين وأبرار كأبطال الإيمان . نطالع في ” 1 بط 17:2 ” يذكر هذا الخصوص ، فيقول ( أكرموا جميع الناس ، أحبوا أخوتكم ، أتقوا الله ، أكرموا الملك ) . كذلك تم تكريم قيصر على العملة ( ” مت 21:22 ” . الكتاب المقدس يعتبر الصور والتماثيل أداة للتذكير بعظماء من القديسين وأبطال الإيمان ( عبر 11 ) الذين كانوا أكثر حيوية منا وإنتماء خاصةً في صلاتهم وجهادهم الحسن كبرهان ملموس . وفي ” 2 قور 18:3 ” قال بولس ( ونحن جميعاً نعكس صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كم في مرآة فتتحول تلك الصورة ذاتها ، وهي تزداد مجداً على مجد ، بفضل الرب الذي هو الروح ) . فالقديسون فس السماء لا ينفصلون عن جسد المسيح على الأرض ( رؤ 10:6 ) ولا نحن نريد أن ننساهم ، بل نكرمهم .  

 رسام الأيقونة يجب أن يبدأ قبل الشروع بالرسم بالصلاة والصوم والتقشف مع طلب صلوات كاهن الرعية . وفن الإيقونة شامل وليس من إستنباط كنيسة الشرق . كذلك كان موجوداً في كنائس إيطاليا ككنيسة ( رافدِنا ) أنجز بالفسيفساء . وأيقونة الميلاد على جدار قبة أحدى الكنائس في روما بنيت في القرن الخامس . ولا شك في كون الأيقونة فن أرثوذكسي .  

 تطور الفن في مختلف أنحاء الأمبراطورية الرومانية بفعل التبشير منذ القرون الأولى عندما كانت الكنيسة مضطهدة كانت الرسوم على شكل رموز ونقوش بسيطة على بعض الجدران والقبور والأواني كرسم السمكة الذي كان رمزاً للمؤمنين ، لكن بعد أن قبلت الأمبراطورية في عهد قسطنطين الكبير الإيمان المسيحي بدأ الفن بالإزدهار بعد تشييد كنائس وأديرة فزينت جدرانها بالنقوش والفسيفساء من قبل الرهبان ، ورافق ذلك الإزدهار مشاكل بسبب ظهور إختلافات عقائدية ، فتسرب النزاع بين مدافع ومعادٍ للأيقونات . فظهر موقف صريح ورسمي ضد الؤسم الكنسي ، ثم عادت الكنيسة بعد مجمع كنسي لتعود الأيقونة إلى مكانتها المقدسة .  

برز فن الأيقونات في بلدان كثيرة ، ولكل منها لونها الخاص كالأيقونة البيزنطية والروسية والأنطاكية والقبطية والحبشية والكريتية . صارت الأيقونة إشعاع منير في عرف اللاهوتييت ، إشعاع في جوهرها وكنز في معناها . ولا تزال تنثر كنوزها المفعمة بالبهاء والرقة موفرة لمشاهديها لحظات أثيرية من اللإنخطاف إلى ما تؤثر إليهِ الأيقونة . والأيقونة أداة صلاة وتضرع ووسيلة تمجيد الخالق ، ومنها نلتمس قوة روحية أثناء الصلاة والتضرع ، نال الكثرين الشفاء بواسطتها ، وفي الأيقونة شرح وتأمل ، فكل شرح لواحدة من الأيقونات يؤكد أن أسلوب رسمها حي ومقدس وذو طابع تأملي ووجداني . فعالم الأيقونات هو عالم الذهول الروحي في صلوات بارّة . الأيقونة هي نافذة نحو عالم آخر غير مرئي ، ووسيلة مساعدة للتعمق في عالم الخلود . 

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

Exit mobile version