مقالات دينية

مار نرساي الملفان

سامي خنجرو

samdesho
مار نرساي الملفان

سامي خنجرو

حياته
أبصر نرساي النور في قرية عين دلبي (ادلب) القريبة من معلثاي المجاورة لدهوك في شمال العراق. ويختلف المؤرخون في تاريخ ولادته ووفاته أيضاً، لكنه على الارجح ولد سنة 399م وعاش اكثر من 100 سنة وتوفي سنة 503م. تلقى نرساي العلم في مدرسة القرية وهو في السابعة من عمره، لكن استاذ المدرسة هرب وانزوى بتلاميذه في الجبال هرباً من اضطهاد المجوس. ولما عاد نرساي الى القرية بعد فترة، كان والداه قد توفيّـا. فاضطرّ الى الذهاب الى دير كفر ماري في مقاطعة بيث زبدي عند عمّه عمانوئيل الذي كان رئيسا للدير، وكان من خريجي مدرسة رها الشهيرة. وبقي فترة قصيرة عنده، ثمّ أرسله الى الرها فدرس هناك عشر سنين، وكان ذكياً ومتفوّقا على أقرانه. ثم رجع الى كفر ماري ( ويُقال الى قريته). لكن سرعان ما عاوده الحنين الى الرها والى بيئتها العلمية الراقية لأرتشاف المزيد من العلوم هناك. وبقي هناك الى ان استدعي الى دير كفر ماري، واقيم رئيسا للدير المذكور بعد وفاة عمّه.
وفي سنة 435م، ترك الدير والرئاسة وتوجّه مع زميليه آقاق (الذي اصبح بطريركا فيما بعد)، وبرصوما (الذي اقيم مطرانا على نصيبين فيما بعد). وتوجّه الثلاثة الى مدينة مصيصة الشهيرة لزيارة تيودولس، تلميذ ديودوروس وخلف تيودوروس المصيصي في ادارة مدرسة تلك المدينة. والظاهر ان تيودولس الملفان اطلق اذ ذاك على نرساي لقب (لسان المشرق) و (باب الديانة المسيحية) و (شاعر المسيحية). وسمّاه آخرون قيثارة الروح القدس، لما امتاز به من العلم والمعرفة بمختلف صنوفها، بارعاً في التأليف والتصنيف، حاذقاً في شرحه لمختلف الافكار اللاهوتية، ومجادلاً عنيداً مع خصومه المونوفيزيين (اصحاب الطبيعة الواحدة في المسيح)، والذين أسموه نرساي الابرص.
وعندما توفي قيورا مدير مدرسة الرها، استقرّ الرأي على نرساي في هذا المنصب الخطير وذلك سنة 437م. وقام بأعباء وظيفته مدة عشرين سنة بكل جدارة. وفتح نرساي الباب واسعاً امام تعاليم المذهب الشرقي (النسطوري). وكان مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزيين) أيضا قد وجد له مناصرين في هذه المدرسة. فظهرت بذلك بوادر الخلاف بين الاساتذة والطلاب، خاصة بعد موت هيبا اسقف الرها ذي الاراء النسطورية وجلوس نونا المونوفيزي على الكرسي الاسقفي. وبدأ نونا باضطهاد النساطرة وناصبهم العداء، فغادر نرساي الرها هاربا مع مؤيديه. حينها استوقفه رفيقه برصوما مطران نصيبين وطلب منه أن يؤسس مدرسة فيها تواصل مهمة مدرسة الرها. فرضي نرساي بهذا العرض وقام بادارة هذه المدرسة مدة أربعين عاما.
وخلال تلك المدة وقع خلاف بينه وبين برصوما بسبب راهبة اسمها ماموي، جلبها برصوما الى نصيبين وتزوّجها، فلامهُ نرساي على ذلك. ويقول ادي شير ان الراهبة ماموي هي التي حرّضت برصوما على نرساي فطرده من نصيبين وذهب الى بلاد قردو أو دير كفر ماري وهناك ألـّف ميمرين بديعين، تكلم فيهما عن الخيانة وتقلبات الزمان. مطلع الاول: مسكين هو الزمان الذي لاقيته في غربتي. ومطلع الثاني: حواء المعين الذي جرت منه الحياة للبشر، قلبتْ شرابه العذب الى مرارة الموت. ويقال ان برصوما ندم على فعلته بطرده نرساي، خاصة بعد ان قرأ هذين الميمرين، فأرجعه الى منصبه. وهناك استمرّ في عمله التعليمي الى أن مات بشيخوخة متقدّمة اذ عاش 103 سنة، ودفن في كنيسة من كنائس نصيبين كانت تحمله اسمه الى القرن السابع.

كتاباته في شروحات الكتاب المقدس ومصنفاته اللاهوتية والادبية والطقسية

اسلوب مار نرساي
ان اسلوب مار نرساي في التأليف يمكن التحدّث عن طلاوته دون حرج. فاننا حقاّ نندهش من سمو افكاره وفيض حكمته وسحر منطقه. حتى اذا قارنّاه مع مار أفرام ملفان الكنيسة الجامعة، نلاحظ ان اسلوبه يفوق اسلوب مار افرام جمالاً وطلاوةً، بالرغم ان مار افرام يفوق مار نرساي في غزارة مؤلفاته. أما أشعاره فأكثرها منظّمة على البحر الاثني عشري الذي يسمى بالقراءة النرساوية، ويشترك معه في هذا البحر يعقوب السروجي. اما أشعار مار افرام، فجاءت على الوزن السباعي أي الافرامية.

شروحات الكتاب المقدس
يقول عبديشوع الصوباوي ان نرساي الملفان، كنارة الروح القدس وضع شرحاً لسفر التكوين والخروج والاحبار والعدد ويشوع والقضاة والجامعة واشعيا والانبياء وارميا وحزقيال ونبوءة دانيال. ومنها يظهر ان نرساي استعمل التفسير الحرفي، ومنه تدرّج الى التفسير المعنوي.ويضيف عبديشوع الصوباوي ان نرساي ألف 360 ميمراً على عدد أيام السنة في اثني عشر مجلداً، ناقضَ فيها يعقوب السروجي المونوفيزي وكشف عورات مذهبه.

المصنّفات اللاهوتية
وفي مجال اللاهوت، كتب مقالات لا تحصى. وفيها يدحض المونوفيزيين وخصوصا مار قورلس بطريرك الاسكندرية، يعترف فيها باقنومين وطبيعتين وشخص واحد في المسيح. ومما قاله: ان المسيح واحد في لاهوته وناسوته، لان الناسوت واللاهوت شخص واحد. اذ هكذا تعترف كل الكنيسة، وهكذا علّم ملافنتها العظام: ديودوروس وتيودوروس ونسطوريوس.

المصنّفات الطقسية والادبية
وفي المجال الطقسي والادبي، فانه وضع تفسيرا لذبيحة القداس ولسر العماذ وألف تعازي وتراجم وأناشيد ومواعظ ونصائح وكتابا في فساد الاخلاق. ولقد نالت تآليف نرساي حظوة كبيرة في طقس كنيسة المشرق. فله أغلب الردّات (هباخاثا) التي جاءت في الحوذرا، وكل القالات (قلياثا) وكل التسابيح (شوباحي). ونخص بالذكر منها: الشكر للصالح (تودي لطاوا) ونور ظهور المسيح (نوهرا دذنحيه دمشيحا) والتي تقال صباح كل احد وعيد. ومن مؤلفاته: اختار له الكهنة ( كهني كوا ليه) وغيرها. وله كل النبذ الغريبة (كيّوري)، وله مقالات بديعة في اليوم الاخير من صوم نينوى مثل: يا مصوّر العالم (صاءَر تيويل) وما يعقبها من المقالات الاخرى. وله ايضاً صلاة تقديس المذبح في كتاب الحبريات. ولمار نرساي مقالات (سوغياثا) اي الحوار ومنها: ما جرى بين الملاك ومريم أثناء البشارة وبين مريم والمجوس. وله أيضاً الحوار (بزقيبوثا) أي عند الصلب وما يتبعها من الحوار بين الملاك ولص اليمين (كيّاسا). ولمار نرساي مؤلفات اخرى كثيرة لا تحصى، واغلبها فقدتْ ولم تصل الينا، عدا الموجودة منها في المكتبات الاوروبية، وخاصة الفاتيكانية والالمانية والانكليزية، اضافة الى خزانة البطريركية الكلدانية والرهبنة الهرمزدية الكلدانية وبعض الخزائن الاخرى. لكن ما يدعو الى الاسف الشديد، هو انه لم يبقى من هذه المصنّفات الا النزر اليسير.

سامي خنجرو – استراليا..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!