مقالات

المساواة في الراتب الوظيفي في العراق واثره على الرضا الوظيفي ودور السلطة التنفيذية في تقليل التفاوت بين الرواتب

ان الراتب هوما يتقاضاه الموظف لقاء عمله في المؤسسة التي يعمل فيها ويكون بصورة مستمرة نظير ولقاء الخدمات التي يقدمها ، ويجب ان يكون الحد الادنى للراتب المقرر الذي يتقاضاه الموظف ، ما يؤدي الى تحمل تكاليف العيش ويؤمن قيامه باداء مستلزمات ومتطلبات الحياة اليومية ،اما منح الاجر وفق الشريعة الاسلامية فقد كان يجري اما تحديد اجر عن العمل مسبقاً ويكلف العامل على اداءه او يكلف بالعمل ثم يقوم الحاكم بعد ذلك بتقدير الاجر على وفق العمل الذي كلف به ، ومن الطبيعي فإن ذلك بسبب طبيعة الاعمال المكلف بها بوصفها احياناً ذات صفة دينية او جهادية تغلب عليه الطابع العقائدي او الديني ، والمهم بالامر انه بكل الاحوال فإن الاسلام نظم الاجر بصورة عادلة ، كما في قول الشارع الحكيم سبحانه عز وجل (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ، والذي يبين فيه الشارع الحكيم انه قدر الارزاق بين الناس وحدد فيه معيشتهم وجعل بعضهم فوق بعض في الدنيا ، وماجاء بحديث الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم بالحديث الشريف ( اعطو الاجير اجره قبل ان يجف عرقه ) ، اذن نظم الاسلام تحديد الاجر وفق العمل ووفق ضوابط اعتمدها لذلك .
ان الاساس الذي يبنى عليه تحديد الراتب هي تعاقدية قبل ان تكون تنظيمية لذلك فان العقد يتحدد بموجبه الراتب ولعل النظام الاسلامي كان يتضمن تسميته بعقد الارزاق بموجبه يحدد الراتب للموظف ، وفق مؤهلاته ، وتبنى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الاشارة الى ضرورة الحصول على اجر متساو من خلال النص على ( لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة.لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي )، وتبنى العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الاشارة الى ضرورة منح الحقوق المتساوية لجميع الافراد ، وكذلك من الجدير بالذكر ان اتفاقية منظمة العمل الدولي رقم (100) تضمنت وضع ضوابط لمنح الرواتب والاجور وتختلف معايير تحديد الراتب حسب الانظمة القانونية في كل دولة ، فالمهم ان يؤخذ بنظر الاعتبار عوامل عدة بشان تحديد الراتب ومنها الاعتبارات المادية التي تتعلق بالوضع الاقتصادي للدولة بصورة عامة ، لأن الدولة اذا كان الدخل القومي فيها مرتفع ويتحقق لديها فائض مالي في ميزان المدفوعات فمن الطبيعي ، تسعى الى زيادة الرواتب بصورة عامة فيها طالما كانت قادرة على تحمل هذه الزيادة في الراتب ، لان تحديد الراتب بصورة مجزية يعني تحقق الرضا لدى الموظف وان ذلك ينعكس ايجاباً على عمل الموظف بما يعني سعيه الى تنمية وتطوير مهاراته سواء الفكرية او الفنية وسعيه الى تحقيق الابتكار و الابداع في عمله ، وهو مايعني حتماً تطوير العمل والخدمات التي تقدمها المؤسسة التي يعمل فيها اتجاه المجتمع المستهدف من عمل المؤسسة ، لأن الموظف في حال كان الراتب يمنح بصورة متوازية لما يقدمه من اعمال يؤدي الى تحقيق الرضا الوظيفي لديه ، فضلاً عن ان ارتفاع الدخل القومي في الدول يعني قدرة القطاع الخاص كذلك على زيادة الرواتب بالنسبة الى العمل في القطاع الخاص بما ينعكس الى زيادة الاجور في القطاع العام ، واحياناً في الدول ذات الفائض المالي الكبير يكون اصحاب العمل في القطاع الخاص لديهم القدرة على دفع رواتب تفوق ما يحصل عليه اقرانهم في القطاع العام ، وهو ما يعد مشجعاً لتحول الموظفين للعمل في القطاع الخاص للحصول على مدخولات اعلى ، ومن المهم التأكيد ان ذلك يجب ان يخضع الى معيار مهم وهو تحديد تكاليف المعيشة ، سيما ان ذلك يختلف من دولة الى اخرى ، وان تحدد بصورة دقيقة هذه التكاليف التي يتطلبها العيش من سكن ونفقات اخرى ، اما الآلية التي تجري بشأن تحديد الراتب وفق التشريعات الدولية ، فإن ذلك يتطلب بيان اسس تحديد الراتب والنظريات في تحديد الراتب وهناك نظريات عدة بهذا الشأن ومنها (نظرية صندوق الاجور ، نظرية الكفاف ، نظرية المطالب المتبقية ، نظرية الانتاجية الهامشية ، نظرية المساومة للأجور ، نظرية العرض والطلب ، نظرية الأجر العادل )، ومن خلال هذه النظريات فأن نظرية الاجر العادل يمكن ان تكون الاقرب لتحديد الاجر ، اذ انها تؤمن قدراً من العدالة في تحديد الراتب من خلال ربط تحديد الراتب بما يتمتع به الموظف من قدرة على العمل .
ولغرض الوقوف على مفهوم الرضا الوظيفي ، فإنه يجب القول بانه يعني مدى شعور الموظف بالرضا عن العمل الذي يؤديه في اعمال وظيفته اي مشاعره اتجاه وظيفته وان ما يقوم به هو واجبات وظيفية ، ومن ثم يمكن القول ان الموظف يهدف الىى تحقيق غاية معينة في اعمال وظيفته ، ومنها الترقي بالعمل او الحصول على الحقوق المعنوية والمادية ومدى رضاه يتحقق بمعادلة طردية ، اذن الرضا هو ما يشعر به الموظف من شعور عن المناخ السائد في العمل ، وتكمن صعوبة وضع مفهوم موحد للرضا الوظيفي هو انه يتعلق بفهم شعور الانسان ، وبما الانسان تتغير مشاعره نتيجة الفرح او الحزن ، وقد تتغير مشاعره بالرضا عن مناخ العمل رغم ان ظروف العمل لم تتغير ، ولكن قد تتغير قناعات الانسان بدون سبب محدد وواضح مما ينعكس على تصرفاته ، وعليه فإن مفهوم الرضا يصبح متغيراً تبعاً لذلك ، ومن المهم بتحقق الرضا الوظيفي هو ان يحقق زيادة وفاعلية الانتاج في المؤسسة ، وان يؤدي الى استقرار العمل الوظيفي في المؤسسة التي يعمل بها الموظف ، طالما انه يشعر بتحقيق طموحه المهني ويحقق اكتفاء مالي لا يلزمه بالبحث عن عمل اضافي ، ومن ثم تبعاً لذلك فإن الاجازات تكون محدودة لدى الموظفين وتكون الغيابات او الاستقالات محدودة جداً في الوظائف ، فكلما شعر الموظف انه يحصل على مردود من اعماله ، ان الرضا هو شعور نسبي يتبع عوامل عدة لعل من اهمها ان الموظف يحدد ذلك من خلال ما يحصل عليه من حقوق مادية ، والبعض الاخر يترقب مايحصل عليه من حقوق معنوية وتختلف نسبة تحقق الرضا الوظيفي تبعاً لذلك ، ويعد الراتب مهماً جداً فيما يتعلق بتحقيق الرضا الوظيفي ، ويراه البعض من اهم العوامل المؤثره بالرضا الوظيفي رغم اهمية العوامل الاخرى ، ولكن يبقى الراتب من اهمها ، اذ انه يتعلق بإشباع الحاجات الانسانية للموظف ولذلك من هنا تكمن اهميته ، اذن نستنتج من ذلك العلاقة بين الراتب والرضا الوظيفي ، رغم اهمية الأسباب الأخرى لتحقق الرضا ولكن يبقى تحقيق المدخول المادي مهم جداً لتحقيق الرضا ، ان مفهوم المساواة في الرواتب والاجور لا يمكن ان نفهم منه المساواة التامة بين جميع ما يتقاضاه الموظفين من رواتب في دوائر الدولة كافة ، لأن ذلك يتعارض مع مبدأ المساواة نفسه في منح الرواتب والاجور، اي بمعنى ان المساواة تكون وفق ضوابط تلزم الادارة بأن يكون الفوارق في تحديد الراتب هو التحصيل العلمي والمسؤولية والتدرج الوظيفي كأحد العوامل في تحديد جدول الرواتب ، وان يكون التفاوت في هذه الرواتب ليس بصورة كبيرة جداً بحيث تكون احد اسباب عدم الرضا الوظيفي ، ومن هنا ينتج العلاقة بين التفاوت في الرواتب وعدم تحقق الرضا الوظيفي ، ويجري احتساب معدل الرواتب في الدول وفق احصائيات وخطوات محددة ومن جهات محددة بحسب الدول وفي العراق ، فأن معدل الراتب وفق اخر احصائية هو بحدود ( 614 ) الف دينار شهريا ، اما الاحصائيات غير الرسمية فانها بينت بان معدل راتب الموظف العراقي هو(580) دولار ، وياتي بالمرتبة (10) عربياً والمرتبة(60) عالمياً بالمقارنة مع (105) دولة ، وتأتي دولة الامارات العربية المتحدة بالمرتبة (1) عربياً بمعدل راتب (3663) دولار وسويسرا بالمرتبة (1) عالمياً بمعدل راتب (6142) دولار ، ولذلك فان معدل الراتب للموظف العراقي من المعدلات المتدنية بالقياس الى دول اخرى ، كما في لبنان(837) دولار ، وفلسطين بمعدل راتب بلغ(778) دولار ، والاردن بمعدل بلغ (599) دولار ، مما يعني تدني معدل الراتب في العراق وفق الدول التي جرى ذكرها ، علماً ان التقرير اعد عام 2022 ، ومن الجدير بالذكر انه جرى تشكيل لجنة من مجلس الوزراء تتولى مهمة اعادة النظر بالتفاوت في سلم الرواتب بين موظفي الدولة و القطاع العام ، تتولى النظر بالتفاوت في سلم الرواتب بين موظفي الدولة واقتراح الحلول اللازمة لتقليل هذا التفاوت وقد قامت اللجنة بتقديم رؤيتها بعد ان جرى استضافتها من قبل مجلس النواب لاكثر من مرة لغرض الوقوف على اعمالها وبحسب المطلعين على هذه الاستضافة التي جرت لهذه اللجنة ، فإنها تبنت بحسب اعضاء مجلس النواب من الذين استضافو اللجنة ، بانها بصدد رفع الرواتب الاسمية للجدول ملحق قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 والمحدد بالقرار (400) لسنة 2015 ، من خلال زيادة الرواتب الدنيا وصولاً لرواتب الدرجة الاولى ضمن سلم الرواتب بدون زيادة رواتب الدرجات العليا وقد قام فعلا مجلس الوزراء باصدار قرارا بهذا الشان للدرجات الدنيا ، وكنا نأمل ان يشمل جميع الدرجات وان هذا القرار لا يتعلق بعمل اللجنة المعنية بالنظر بسلم الرواتب ، علما ان اللجنة لم تنجز اعمالها لغاية الان ونامل ان تقوم اللجنة بالتاكد من ان زيادة الراتب يؤدي الى وضع حدود معينة لغرض تقليل نسبة التفاوت بين رواتب موظفي الدولة ، اذ ان هناك فوارق كبيرة بين رواتب الوظائف المتماثلة وبذات الوقت ان يجري مراعاة اهمية بعض الاعمال سيما الاعمال الخطرة ، لان المبدأ هو عدم المساواة المطلقة بين جيمع الرواتب ، وبنفس الوقت ان لا تكون هناك فوارق كبيرة ولذلك فانه يتوجب ان تكون هناك معايير محددة وواضحة لغرض تحديد الرواتب الاسمية او المخصصات التي تمنح وفق القوانين والقرارات ذات الصلة.
المستشار القانوني
د.عباس مجيد الشمري
باحث قانوني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!