مقالات

لا تصح خصومة الواقف في متعلقات الوقف، قراءة في اتجاهات القضاء العراقي

اطلعت على قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 4446/هيئة مدنية/2023 في 10/5/2023 وبموجبه قضت بنقض قرار محكمة البداءة المختصة، الذي كان قد قضى برد دعوى المدعي، وقد اثار القرار عدة فرضيات تتعلق بخصومة المدعي تجاه المدعى عليه بصفته الشخصية وكذلك بخصومة الوقف باعتباره شخصاً معنوياً مستقلاً، وايضاً من الناحية الموضوعية، لان الحكم أشار الى افتراض ان المدعي أوقف مالا منقولا وان كان بحكم التبرع ولتوضيح ذلك اعرض الموضوع على وفق الاتي:
1. ملخص الدعوى: أشار قرار محكمة البداءة المختصة الى ان المدعي سبق وان اقام الدعوى على مالك العين الموقوفة بإلزامه بتأدية مبلغ من المال عن قيمة إعادة بناء العقار الموقوف، وبعد المرافعة أصدرت محكمة البداءة المختصة قرارها برد الدعوى، ولم اطلع على تفصيلات ذلك القرار، ثم أعيدت اضبارة الدعوى الى محكمة البداءة المختصة مشفوعة بالقرار التمييزي محل البحث الذي قضى بنقض الحكم الوارد في قرار قرارها، وجاء في أسباب النقض الاتي:
‌أ. لم تستكمل محكمة البداءة تحقيقاتها، حيث كان عليها ادخال ديوان الوقف شخصاً ثالثاً للاستيضاح منه عن مصير البناء المطالب بقيمته، هل اصبح من مشتملات العين الموقوفة وانها بحكم الوقف
‌ب. اذا أصبح العقار وقفاُ كان المفروض معرفة نوع الوقف ومن ثم اصدار القرار المناسب.
2. الإجراءات بعد النقض: وبعد النقض اتبعت محكمة البداءة قرار النقض وأصدرت قرارها الذي قضت فيه برد دعوى المدعي، وجاء في قرار الحكم ان المحكمة اجرت الكشف على العقار وتبين انه مشيد عليه مسجد وقاعة مناسبات، كما اشارت الى انها اكتفت بكتاب ديوان الوقف الذي أشار الى رأي المجلس العلمي في الديوان والمتضمن الرأي الاتي (اذا كانت مشاركة المدعي على نحو التبرع فلا يلزم المدعى عليه باعطائه ما صرفه في ذلك) واعتمدت المحكمة المختصة ذلك الرأي واعتبرت المتبرع الى الوقف مثل المالك للعقار الموقوف حيث يخرج المال من ذمته، ويصبح اجنبي عنه، وعلى هذا الفرض قررت المحكمة رد الدعوى على اعتبار ان المدعي قد تبرع بالأموال التي انفقها على إعادة بناء ذلك المسجد.
3. البحث في خصومة المدعي للمدعى عليه: ان أي مدعى عليه لابد وان يترتب على اقراره حكم حتى تصح خصومته وعلى وفق احكام المادة (4) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل، والسؤال الذي ينهض في هذه الحالة هل المدعي وجهة الدعوى نحو المدعى عليه باعتباره هو المدين شخصياً ام باعتباره مالك للعين التي تم البناء عليها وهل هذه العين أصبحت وقفاً وانه اصبح بحكم المتولي عليها، لذلك لابد من مناقشة تلك النقاط على وفق الاتي:
‌أ. ان ما ورد في قرار محكمة البداءة وقرار النقض لم يكن فيه وضوح عن طلبات المدعي، لكن ما ظهر من خلال قراءة الحكمين، فان المدعي يطلب الحكم بالزام المدعى عليه بمبلغ إعادة البناء، لذلك لابد من معرفة طبيعة هذا التصرف، هل كان بطلب من المدعى عليه، والمدعي استجاب لذلك الطلب، فان الحالة هذه هو التزام شخصي بين المدعي والمدعى عليه دون الالتفات الى العين التي تم التشييد عليها، لان المدعي التزامه شخصي وليس عيني، وان تصرفه بمثابة المقاولة ان كان هو من يتولى التشييد والبناء، وان طرفي المقاولة هو رب العمل وهو من طلب البناء (المدعى عليه) ويكون ملزم بما اتفق عليه لأنه عقد صحيح، ومن العقود الرضائية اللازمة لطرفيه، اما اذا اعتبرت تصرفه بحكم التبرع، فكان لابد من التحقق من هذا الدفع وتكليف المدعي بأثبات دعواه بانه كان يعمل بناء على طلب المدعى عليه ولم يكن متبرعاً، فاذا عجز عن الاثبات يتم سؤاله فيما اذا يطلب تحليف المدعى عليه اليمين الحاسمة وعلى وفق احكام المادة (118) من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
‌ب. اما اذا كان المدعى عليه طلب من المدعي إعادة بناء العقار باعتباره متوليا على الوقف، فان الخصومة يجب ان توجه اليه إضافة لتوليته على الوقف، لان الوقف منذ لحظة انشائه يعتبر ذو شخصية معنوية مستقلة عن ذمة مالك العقار وعلى وفق احكام المادة (74) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل، التي عددت الأشخاص المعنوية ومنهم الوقف، وفي المادة (48/1) مدني اوجبت ان يكون له ممثل يعبر عن ارادته، فضلاً عن احكام المادة (4) من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 النافذ التي جاء فيها (لمتولي مسؤول عن ادارة الوقف بموجب شرط الواقف ووفق الاحكام الشرعية والقوانين والانظمة ويشمل ذلك الوصي في الوصايا التي تخرج مخرج الوقف.)، واذا لم يكن هناك متولي على الوقف او ان التولية انقطعت، فان ديوان الوقف هو من يتولى إدارة الوقف وعلى وفق احكام المواد (2) بدلالة المادة (1/6/أ) من قانون إدارة الوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل، وكذلك ما جاء في المادة (2) من قانون ديوان الوقف رقم 57 لسنة 2012 والمادة (13) من القانون رقم 56 لسنة 2021 ، وبذلك لا تصح خصومة المدعى عليه من هذه الجهة والمقتضى القانوني ان ترد الدعوى من جهة الخصومة ولا يجوز البت بها من جهة الموضوع.
4. ان الادعاء باعتبار العقار اصبح وقفاً لا يصح ان يكون الا اذا وجدت حجة وقفية، لان القانون اوجب ان تصدر حجة وقفية لكل من يريد ان يوقف عقاره، وفيها يبين الواقف شروطه التي يجب ان تراعى، سواء بنوع الوقف، خيري او ذري، وشروط التولية وصفات المتولي او قد يتم تسمية المتولي، واية شروط أخرى يراها، فإنها ملزمة للجميع لان الفقه استقر على ان (شرط الواقف كنص الشارع)، لذلك سير المحكمة دون الاطلاع على الحجة الوقفية يجعل من الصورة غير مكتملة الوضوح، حيث لا يجوز افتراض الوقف او افتراض شروط الواقف الا اذا صدرت بحجة تنظمها محكمة الأحوال الشخصية على وفق اختصاصها الوارد في المادة (301) مرافعات ، كما لا يجيز القانون تسجيل الوقف في دائرة التسجيل العقاري الا بموجب حجة وقفية وعلى وفق احكام المادة (256) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 المعدل التي جاء فيها الاتي (يسجل الوقف الوارد على حق الملكية العقارية المسجل بالاستناد الى حجة شرعية او حكم قضائي حائز درجة البتات وقابل للتنفيذ دون اخذ الإقرار وفق ما يلي:1- باسم الجهة الواقفة والموقوف عليها مع ذكر نوع الوقف وشروطه والمتولي ان كان من الاوقاف الملحقة.2- باسم دائرة الاوقاف ان كان من الاوقاف المضبوطة مع ذكر شروط الواقف)
5. الخلاصة: أرى ان خصومة مالك العقار الموقوف لا تصح اذا اصبح العقار وقفاً لان ملكيته للعقار تنتهي وتنهض شخصية أخرى موازية له وهي شخصية الوقف، وكلاهما اجنبي عن الاخر، وكان المفروض التحقق من هذه النقطة ، قبل الخوض في موضوع الدعوى لان أساس صحة الدعوى هو الخصومة الصحيحة، ولاهميتها اعتبرت من النظام العام ومنح القانون للمحكمة المختصة بدرجتها الأولى او في مرحلة الطعون صلاحية النظر فيها في أي مرحلة ، حتى لو لم يطلب الخصوم ذلك وانما منتلقاء نفسها وعلى وفق ما ورد في المادة (80) مرافعات.
قاضٍ متقاعد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!