بالإيمان نلتقي مع الله

بالإيمان نلتقي مع الله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( وأما الإيمان فهو ثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى ) ” عب 10:11 “

  الإيمان بالله ليس من قدرة الإنسان ، بل هو هبة مجانية من الله له ، لأنه هو الذي أعلن نفسه للبشر ، وهذه المبادرة الإلهية غايتها هي لكي يعرِّف ذاتع إلى مخلوقهِ . فالإيمان دعوة إلهية يكشف فيها الله سِره للإنسان ليعقد معه عهد حب ومصالحة . وهذا العهد أبتدأ في العهد الجديد بتجسد إبن الله الوحيد لكي يكوّن علاقة ومن ثم تحقيق الخلاص للإنسان في الفداء . فكل إنسان في كل مكان وزمان له موعداً مع المسيح لكي يؤمن به ويقيم معه عهد جديد ، وحياة جديدة . وروح المسيح الذي يقوم في المؤمن سيكشف له عن عمق حب الله ومقاصده للإنسان الذي تحقق في المسيح يسوع ، فبالإيمان به يتم اللقاء مع الله ليصغي إليه ، ويلتزم بوصاياه ليثبت عرقته وسره ، ومن ثم الدخول في جماعته بعد إعلان الإيمان والمعمودية لكي يولد من رحم جرن المعمودية إنساناً جديداً فيلتقي مع الله الذي يتكلم إليه ، وعليه الإصغاء والعمل . إنه لقاء مقدس لا يشبه لقاءات الإنسان مع إنسان المبني على المصالح والمجرد من الحب الحقيقي . فعهد الحب الذي يقطعه الإنسان مع الله ليختاره رباً وإلهاً ومخلصاً وشريكاً في حياته الزمنية ، هذا الحب سيرفعه لكي يصبح الإنسان شريكاً لله في الحياة الأبدية ، فالمؤمن الذي يختاره الله ، يقرر له نهج حياة جديدة لأنه بعد دعوة الله له إستجاب . فالإيمان إذاً ليس خضوع ، إنما تقدمة حياة مع إتفاق حر ، وإنسجام لكي يعيش في الحياة الأبدية مع الله وهو على هذه الأرض ، لأنه آمن به واعترفَ ، وقرر لإستقباله في قلبه وكيانهِ ، ليجعلهُ الله يدرك بأنه إنسان مبتور وناقص وضعيف من دونه ، لكن سيجعله يدرك ملء الكون ، وسر مستقبله الأبدي .

   في ملء الزمان أعلن المسيح للناس بأنه الكلمة الإلهية ، وهو حامل رسالة خلاص ، وفيه سر يحمل مشروعاً للوجود، جاء ليشفع لبني البشر ، ويقول ( أن الله محبة ) إنه مشروع حب يدعو إلأى الوحدة والمصالحة بين الله والإنسان . الإنسان يلتقي مع الله بسبب الإيمان ، وهو لقاء بعيد أبعد من عالمنا ، وأرفع منه ، عالم خفي غير مدرك بالعقل ، فعلينا أن نفهمه بالإستماع إلى صوت يأتي من ذلك العالم .

  يلتقي المؤمن مع الله في الإفخارستيا التي هي جسد الرب ، وكذلك تجعلنا نلتقي مع الأخوة والأخوات على مائدة واحدة بشركة مقدسة لنكوِّن عائلة أبناء الله . كما نلتقي بالله في الفقير الصغير الذي يعيش بيننا ، فوجود الفقير يُعَبّر عن وجود المسيح نفسه في عالمنا ، لهذا قال ( الحق أقول لكم ، كل ما صنعتم شيئاً من ذلك لواحد من أخوتي هؤلاء الصغار فلي قد صنعتموه ) كما نلتقي بالله في الصلاة التي هي العلاقة الحميمة التي تربطنا معه ، أنه يتجلى لنا في الصلاة ، فالمؤمن هو الذي يصلي إلى الله الذي يصغي إليه . يسوع لم يكن له خطيئة ، لهذا لم  تكن الصلاة تفيده بشىء غيرتلك الغاية وهي لكي يلتقي بأبيه السماوي . فالصلاة إذاً هي علاقة لقاء التي تؤمن لنا التواصل معه ، ويجب أن تنطلق صلاتنا من قاعدة الإيمان القويم .

   إن نعمة الإيمان تعطي الإنسان قدرة للأتصال بهذا العالم فتنقله من الظلمة إلى النور ، وتخلق له عيوناً جديدة وآذان جديدة ، وقوة تقوده ه نحو الله . فالإيمان هو أكثر من خضوع لأنه قبول داخلي يبدأ من القناعة والثقة بكلام المسيح الذي قال ( ما من أحد يستطيع أن يقبل إليّ إلا إذا إجتذبه الآب الذي ارسلني ) ” يو 44:6″ هو الذي أختار الرسل والتلاميذ ودعا العشارين والخطاة إليه فتبعوه . فيجب إذاً أن لا يتردد أحد في قبول نعمة ودعوة الله الذي يريد خلاص الجميع . وأنه وحده القادر أن يفتح بصيرة كل البشر ليعرفوه ويسمعون إليه ويختاروه ، ويعلنون إيمانهم  ويصلّون إليه لكي تلتقي به ، فيكون لهم الخلاص .

  بالإيمان بالمسيح يقوم الإنسان من الموت إلى الحياة ، لأنه مَلك الحياة وخالق كل شىء .

أخيراً نقول : أن الإيمان نعمة ودعوة من الله للإنسان ، وإيمان المؤمن يزيد في الكنيسة مع الجماعة لكي لا يعيش المؤمن لوحده ـ بل ليكون مع شعب الله . وخلاص الله يتحقق في جماعة المؤمنين التي تتقاسم الإيمان ، وتشارك في المحبة على مائدة الإفخارستيا التي تجعل أخوة المسيح قريبين من بعضهم ، ومن كل إنسان فيعملون على تنمية بذار كلمة الأنجيل في العالم .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 ”  

Exit mobile version