الهوية القومية والسياسية لبلدة القوش العريقة

الكاتب: جلال برنو
الهوية القومية والسياسية لبلدة القوش العريقة
 

بقلم : جلال برنو
Aug.26,2013
jbarno56@hotmail.com  

القوش هذهِ البلدة العريقة تأسست قبل مجيء الرب يسوع المسيح لهُ المجد الى كوكبنا بمئات السنين ، سكنها الآشوريون اذ كانت احدى البلدات التي لا تبعد كثيراً عن مدينة نينوى عاصمة الأمبراطورية الآشورية  لحقبة طويلة من الزمن . كذلك سكنها اليهود اثر سبيهم من أرض اس*رائ*يل ويهودا كنتيجة للغزوات المتكررة التي نفذتها الجيوش الآشورية لمملكتي اس*رائ*يل ويهوذا .
 
الآثار والحجارة تعلن عن هوية أرض القوش  ومنها على سبيل المثال لا الحصر : منحوتة  ” مصناعي ”  ، ” شويثا د كَناوي ”  ( وترجمتها الحرفية : فراش اللصوص ) ، و گوپا دْ مايا : وهو كهف يُعتقد أنهُ كان معبداً آشورياً قديماً و كَرا : تل يقع الى الجنوب وضمن الأراضي التابعة للبلدة ، وهو تل صنعتهُ أيدٍ بشرية ، من المرجح أن في باطنهِ  كنوز ولُقىً أثرية ، ولحد هذا اليوم لم يحظى بأيٍ من أعمال الحفر والتنقيب . ولو ابتعدنا قليلاً عن مركز بلدة القوش بنحو مسافة أربعة أميال  وتحديداً في صدر كَلي قرية بندوايا لتعرفنا على شاهد آخر ألا وهو المنحوتة  المعروفة بأسم ” شيرو ملكثا ” التي يُرجّح أن تكون للملك سنحاريب (704-681 ق.م)، والى الجنوب من قرية بندوايا يمكننا التعرف على بقايا المشروع الأروائي الذي صمم ليروي نهرها الأراضي الزراعية الممتدة بين بندوايا والقوش ، كذلك لا بد من الأشارة الى أسم محلة سينا التي سميت بهذا الأسم اكراماً للأله سين :  اله القمر وأسم القوش المتكوّن من كلمتي أيل قوشتي ، بمعنى الهي قوسي أو الهي قوتي .

وبعد أن تعرفنا على بعضاً من الآثار الآشورية التي لا تزال شاخصة وماثلة أمام كل ساكن وكل زائر الى القوش البلدة العريقة ناهيك عن المختصين بعلم الآثار والمؤرخون ، لا بد أن نشير الى الآثار اليهودية في مركز بلدة القوش والمتمثلة بمرقد النبي ناحوم أحد الأنبياء الصغار الذي نجد لهُ سفراً باسمهُ في العهد القديم من الكتاب المقدس . وناحوم باتفاق المؤرخين هو سليل اليهود المسبيون من قبل الجيوش الآشورية ولد وترعرع ودفن في القوش .
 
مما تقدم ومن خلال دراسة انثروبولوجية بسيطة ، أعتقد أنهُ بأمكاننا أن نستنتج أن سكنة القوش القدامى كانوا من الآشوريون والسبايا من اليهود ، أما فيما يخص سكان القوش في الوقت الحاضر ، ومن خلال مطالعة المراجع المتيسرة ، نجد أن معظم عوائل القوش هم من المهاجرين من جنوب شرق تركيا الحالية ، أي من تياري وهكاري ، جيلو و باز وتخوما … بالأضافة الى قسماً آخر من المهاجرين من جزيرة بوتان ومناطق سعرد وآمَدْ ، والمهاجرون من قرى و بلدات سهل نينوى اضافةً الى عدد قليل من سكان القوش الأصليون كبيت بلو وبرنو و قوجا وشكوانا وعبيا وشيخو وقس نونا  وغيرهم ….

هذهِ هي التركيبة السكانية لبلدة القوش العريقة بحسب المؤرخين وبالتحديد كتاب ” القوش عبر التاريخ ” لمؤلفهِ المرحوم المطران بابانا وكتاب سفر القوش الثقافي للأستاذ بنيامين حداد .

أعتقد أن من حق أبناء القوش أن يفتخروا  بأن بلدتهم العريقة  القوش كانت و لا تزال كعش النسر ، عصية على جور الزمن أو بالأحرى على هجمات المغول والتتر ، نادر شاه  والأمير الأعور الملقب بِ ” ميراكور ”

، والأمير غازي المتعصب دينياً وقائد الجيش بكر صدقي الحاقد…وهذا غيض من فيض …  وفي نهاية القرن الماضي نتذكر جيداً الهجمة الكبرى في زمن البعثيون الشوفينيون ، يتذكر أهل القوش كم كانوا قساةً على شاببنا وشيوخنا أيام الحرس القومي ، أتذكر وأنا في صغري أتذكر مق*ت*ل الشيخ بولس ” پوّي ” اسطبلايا على ما أظن ! الذي كان يسكن في دار بالقرب  من دار شابو وآل بابانا  ومق*ت*ل ياقو قيا  و نزيف الدم الذي كان يجري من رؤوس وجسد شباب القوش على ايدي الحرس القومي الآثمة ، بتهمة الأنتماء الى الحزب الشيوعي العراقي والحقيقة أن العديد منهم لم يكن له أية علاقة بالحزب الشيوعي  ولا بالسياسة . ناهيك عن ما جرى من أحداث أخرى  وقعت بعد ذلك الزمن . ولأن الحرس القومي ذاع صيتهُ بسبب قسوتهِ ، أرتأى حزب البعث أن يغير وجهه القبيح حيث ألغى مليشيات أو تنظيم الحرس القومي ، ولكن الجيفة ضلت نفس الجيفة ، فقط معلبة بقناني بلون مختلف  … ومن نتانتهم ابتدعوا  ما يُسمى بِ ” فدائيو صدام ”  ، ومارسوا سياسة التغيير الديموغرافي عندما حاولوا بناء جامع … وفشلوا أمام تصدي أبناء القوش لمشروعهم الخبيث ، لأن ما بعد الجامع بالطبع سيكون هناك توطين الأغراب …. ومارسوا سياسة التعريب حتى أنهم أطلقوا على أحد أحياء القوش أسم ” حي صدام ” ، ولكن ما أن أزيح صدام وتوارى أزلام البعث الفاشست ودخلوا جحورهم ، حتى سارع أبناء القوش الغيارى الى تغيير أسم ذلك الحي بأسم عزيز على قلوبهم وهو أسم ” مار قرداغ ” القديس الشهيد ، ومسيرة الصمود والتصدي لا زالت تسكن ضمائرهم وعزيمتهم باتت أقوى .. فكانت مسيرتهم السلمية التي جابت شوارع وأزقة  القوش تعبيراً عن رفضهم لسياسة التغيير الديموغرافي التي تتبعها الحكومة الحالية أو بعض المتنفذين في محافظة نينوى ، وهنا  لا بد من الأشادة بموقف مديرناحية القوش الحقوقي فائز جهوري عندما تنازل عن قطعة الأرض المخصصة لشخصهِ بهدف عدم اسكان الغرباء عن القوش من الموظفين العاملين فيها .
 
استناداً الى ما ذكر أعلاه ، نستخلص أن القوش يمكن أن تحتضن قومياً : بنوا اس*رائ*يل من الذين لهم تاريخ في القوش ، وأهل القوش الحاليين بتسمياتهم آشوريون ،كلدان أو سريان وأرمن ، سياسياً :  يمكنها ان تحتضن أهل القوش الحاملين للفكر الشيوعي الأممي ،  لأن الشيوعية هي بداية التاريخ الأنساني الحق ، التاريخ الذي لا تصنعهُ صراعات الغاب ومصادماتهُ الكاسرة ، ولا تكتبهُ صراعات الطبقات والحروب ، والمسيحيون المتدينون من ايمانهم  بتعاليم رب المجد السامية … وحتى البارتيين من أهل القوش  الذين تعاطفوا مع الحركة  التحررية  الكوردية لأنهم لم يدعوا يوماً أنهم كورد ، أما البعثي المؤمن  بمباديء حزب البعث  وليس المستبعث الذي اجبر على الانضمام الى الحزب أو الذي أنظم الى صفوف البعث من أجل مصلة شخصية ( وأُشددْ على كلمة المؤمن ) والذي كان وربما لا يزال يغرد باسم العروبة ولو بصوت مرتعد خارج السرب !

فلا بد أن تلفظهُ القوش لأن ليس لهُ جذور في تربتها العطرة ، أمّا اذا حدث وأن سقطت بذرة ذلك البعثي سهواً أو ذات يوم عاصف ، فسوف لا تنبت الا زواناً ولمّا كان في القوش حصدة ماهرين ” خصادى كشيرى ” فلا بد أن يكرموا سنابل الحنطة ويطرحوا الزوان تحت الأقدام قبل أن يأخذ طريقهُ الى تنور امهاتنا لأنهُ لا يصلح حتى كعلف يقدم للمواشي لئلا ينجسها .

 هاهو تمثال القائد البطل توما توماس ينتصب شامخاً معززاً مكرماً من قبل أهل القوش وهاهو تمثال مار ميخا المعلم الأول يتشفع بهِ أهل القوش وهاهم النسوة والصبايا يشعلون الشموع كل ليلة حول مراقد القديسين … ونأمل أن يكرم رموز القوش من مفكرين وكتبة وخطاطين فتقام لهم النصب التذكارية ليصبحوا خالدين في ضمير ووجدان أجيال القوش القادمة . 
 
يجدر بالذكر، ان أحد القاب القوش هو ” يما دمثواثا ” أي أم القرى وفعلا يمكن تشبيه القوش بالأم فمثلما يسع قلب الأم لمحبة جميع أبنائها على اختلاف شخصياتهم وطبائعهم كذلك فان قلب القوش يسع لمحبة جميع أبنائها رغم اختلاف اتجاهاتهم السياسية وتسمياتهم و معتقداتهم القومية.
 
لكن بعض الناس (الذين يدعون أنفسهم مثقفين وهم بالأساس لا يملكون ذرة من الثقافة) يجدون الاختلاف السياسي او القومي فرصة للإثارة الفتن والخصومات بين أبناء القوش سواء في الوطن الام او في بلاد الغربة وهؤلاء يتوجب التصدي لهم.

فالاختلاف السياسي الذي يجده البعض نقطة ضعف قد يكون مصدر قوة وغنى فكري وتنوع ثقافي وباعث للاجتهاد من جميع الاحزاب والمؤسسات الاجتماعية والتربوية من اجل القوش أقوى وأجمل.
 ..