مقالات سياسية

هل انتهى زمن الصحافة الورقية؟

الكاتب: جودت هوشيار
هل انتهى زمن الصحافة الورقية؟
جودت هوشيار

1- الصحافة الورقية في أزمة  :
شهدت الصحافة الورقية خلال السنوات الأخيرة أزمة حقيقية، أخذت تتفاقم من سنة إلى أخرى في العديد من الدول الغربية المتقدمة نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات وظهور شبكة الانترنيت. وتتمثل هذه الأزمة  في عزوف الكثير من القراء عن اقتناء أو مطالعة الصحف الورقية ونشوء جيل جديد لم يعد يتعامل مع الورق، وفي تغيّر أنماط الاهتمام والقراءة لدى مجتمع المعرفة، وشيوع  ثقافة الحصول المجاني على المعلومة. كل هذا أدى إلى التراجع المتواصل لمبيعات الصحف الورقية وانخفاض عائداتها من الإعلانات، التي تتحرك بسرعة صوب شبكة الإنترنت .
وقد لجأت مجموعة كبيرة من الصحف ذائعة الصيت إلى تقليص أرقام  توزيعها وإلغاء آلاف الوظائف وتسريح عدد كبير من العاملين فيها، بينها صحف، واسعة الانتشار مثل “شيـكاغـو تـربيـون”، “بـوسـطن غـلوب”  و”انجلوس تايمز”، وحتى المجلة الأوسع انتشاراً فى العالم وهى مجلة “تايم” الأميركية الشهيرة .
وثمة صحف أخرى، تحولت إلى صحف رقمية، مثل “كريستيان ساينس مونيتور” التي ألغت طبعتها الورقية منذ العام 2008 واكتفت بنسخة رقمية على موقعها على شبكة الانترنيت  .
وأعلنت مجلة ” نيوزيك” الأسبوعية الأميركية الشهيرة توقف نسختها الورقية عن الصدور منذ نهاية العام الماضي واقتصارها على نسختها الالكترونية التي حملت عنوان “نيوزويك غلوبال” من بداية العام الحالي.. كما توقفت مجلة “يو أس نيوز أند ريبورت” وهى الثالثة الأوسع انتشارا في أميركا في تشرين الثاني من العام 2010،  إضافة إلى المئات من الصحف المحلية الأميركية، التي اختفت عن الوجود نهائياً. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الوظائف في الصحافة الورقية الأميركية قد تقلص بحوالي 30% منذ عام 2008 ومن المتوقع أن تستمر هذه العملية بوتائر أسرع فى المستقبل المنظور .
ولم تقتصر الأزمة على الولايات المتحدة، ففي بريطانيا تم إغلاق صحيفة «ذي لندن بيبير» بعد الإعلان عن إغلاق أكثر من مائة صحيفة محلية لفشلها في التكيّف مع ظروف المنافسة الحادة مع الإعلام الإلكتروني. ويبدو أن صحيفة “الغارديان” اليومية، واسعة الانتشار على وشك إيقاف القطاع المطبوع من الصحيفة وملحقها الأسبوعي “الأوبزيرفر” نظرا لتكبد هذا القطاع خسارة تقدر بحوالي 44 مليون دولار سنويا .
وقد رضخت ثلاث صحف تقليدية كبرى في لندن إلى أن تعتمد مقاسات أصغر لصحفها، تنافسا مع باقي الصحف الأخرى التي اعتمدت مقياس أقرب إلى مقاييس صحف التابلويد النصفية، كما اضطرت هذه الصحف إلى أن تعيد النظر في تبويباتها الصحافية لتواكب احتياجات سوق الجمهور من القراء.
وفي فرنسا توقفت جريدة “فرانس سوار” عن الصدور منذ شهر نوفمبر 2011، واكتفت بنسخة على ‘الويب، وكانت إلى عهد قريب مؤسسة إعلامية مرموقة، عمل فيها مجموعة كبيرة من الإعلاميين على مستوى العالم.
وفى إس*رائي*ل توقفت صحيفة “معاريف” عن توزيع طبعتها الورقية في الثالث من أيلول العام  الماضي مع استمرار نسختها الالكترونية على شبكة الانترنيت .
وأزمة الطباعة والنشر شاملة ولا تقتصر على نوع محدد من المطبوعات الدورية . فقد اضطرت أشهر موسوعة عالمية وهى “الموسوعة البريطانية” إلى التوقف عن نشر نسختها المطبوعة والاقتصار على نسختها الالكترونية. كما تراجعت أرقام مبيعات الكتب الورقية، في حين أن الكتب الالكترونية تلقى رواجاً كبيراً وهذا يدل على التحول السريع والواسع من النشر الورقي إلى النشر الالكتروني .
وقد أتخذ هذا التحول أشكالا عديدة فهنالك صحف الكترونية تعد نسخة كاملة موازية لطبعاتها الورقية وأخرى يقتصر النشر الالكتروني فيها على أجزاء مختارة من المحتوى. ولكن معظم الصحف الالكترونية ليس لها نسخ ورقية رديفة ويقتصر على النشر الالكتروني وحسب .
ويرى الملياردير روبرت موردوك، الذي يملك أكبر إمبراطورية إعلامية في العالم – أن صح التعبير – أن كثيرا من الصحف الحالية في المملكة المتحدة ستلاشى في القريب العاجل، ولن يتحمل سوق الصحف أكثر من صحيفة واحدة في كل سوق صحافية. وقد بينت الإحصائيات والاستبيانات الأخيرة صحة ما ذهب إليه موردوك.
وعلى النقيض من الدول الغربية، فإن الصحافة الورقية في البلدان النامية تشهد طفرة حقيقية ففي أفريقيا، ارتفع توزيعها  بنسبة 14.2٪، وفي أمريكا الجنوبية وآسيا لأكثر من 16٪.خلال السنوات الثلاث الأخيرة .
ويرجع السبب في ذلك إلى محدودية انتشار الانترنيت فيها، ويتوقع أن يتوقف هذا الازدهار ويتراجع عندما يتم استخدام الانترنيت على نطاق واسع في العالم النامي .
ويبلغ عدد قراء الصحف الورقية في العالم حالياً نحو 1,7 مليار شخص. ولكن في مقابل هؤلاء فإن هناك حوالي 2.5 مليار من البشر يتعاملون مع الإنترنت وصحافته الإلكترونية، التي تكتسب  مزيدا من  الجمهور القارئ بمضي الزمن .
إن هذه الأزمة تطرح قضية في غاية الأهمية وهي مدى قدرة الصحافة الورقية على التكيّف والتعايش مع التطورات المتسارعة في  ثورة الاتصالات والمعلومات وانعكاسات الأخيرة على ممارسات العمل الصحفي .
2- عادات القراءة الجديدة :
يعتقد البعض أن ما يحدث للصحافة الورقية من تراجع وانحسار،  ليس بمعزل عن الأزمة المالية العالمية الحالية، التي قد تكون مؤقتة وعابرة، ولكن التحدي الحقيقي المتواصل، الذي تواجهه الصحافة المطبوعة في العصر الرقمي، هو التغييرات الجذرية في عادات القراءة وأذواق الأجيال الجديدة، التي تتوجه بقوة صوب الصحافة الإلكترونية، حيث أن الكثير من القراء، الذين كانوا يواظبون على قراءة صحفهم المفضلة مع قهوة الصباح، تحولوا إلى استخدام  شبكة الانترنيت لمتابعة الأخبار اليومية ومعرفة أحدث المعلومات من مصادر متعددة، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات .
الجيل الجديد في عالم اليوم  يريد الحصول على الأخبار بسرعة، كما يأكل في مطاعم “الفاست فوود”. وهذا التحول في عادات القراءة تشكل جوهر الأزمة التي تعانى منها الصحافة الورقية في العالم .
إن تصفح الصحف الالكترونية أقل تكلفة، والوصول إليها أسهل بكثير من الصحف الورقية. بإمكانك أن تتصفح ما تشاء من صحف العالم سواء كنت في بيتك تحتسي قهوة الصباح أو في مكان عملك أو أي مكان آخر تتوفر فيه خدمة الانترنيت.
معظم المتصفحين من الفئة الشبابية، لا يهتمون كثيراً بالمقالات الجادة والتقارير المطولة ولا بتفاصيل الأخبار، بل يلقون نظرة عابرة على العناوين في الصفحة الأولى. وهذه حقيقة أدركها فتى إنجليزي في السابعة عشرة من العمر يدعى “نك دي اليوزي”، الذي وضع برنامجاً لتلخيص الأخبار وتحول إلى مليونير في فترة وجيزة .
التطبيق الجديد يقوم بتحليل الخبر ومن ثم تحويله إلى نص مكون من 400 حرف، بحيث يحصل المستخدم على الخلاصة المفيدة من الخبر. وحسب قناة “بي بي سي” يشير “نك” إلى أنه وجد أن قراءة التقارير الإخبارية المطولة على شاشة الهاتف الذكي الصغيرة أمر غير مريح، من هنا قام ببرمجة هذ التطبيق.
3- صحافة تفاعلية جديدة:
كتب احد أبرز المدافعين عن الصحافة الورقية في العالم العربي  وهو الصحفي المعروف الأستاذ عبد الرحمن الراشد مقالا في جريدة الشرق الأوسط يقول فيها :
“هل سيصبح مصير الصحف الورقية مثل مصير الحمير والبغال والخيول في زمن ظهور السيارة؟ هل فعلا حان موعد تفكيك المؤسسات الصحافية والانتقال إلى الوسيلة الجديدة، المواقع الإلكترونية؟ رغم احتفاء الزميلات من المواقع الإلكترونية بأنباء وفيات الصحف المنتشرة في أنحاء العالم، كما لو أن وباء قد أصابها، فإنها قراءة خاطئة في نظري، وستثبت الأيام أن الصحف الورقية باقية لكن بلا ورق. وهنا يقع خلط، وربما تدليس متعمد، بإضافة كلمة الورقية إلى الصحف. فالصحيفة شكلا ورقية لكنها في واقع الأمر محتوى، أي الأخبار والآراء، أي المنتج المكتوب سواء كان على ورق أو جدران، كما كان يفعل الصينيون في الماضي، حيث تعلق ورقة على لوح في الحي ليصطف الناس في طابور لقراءتها بسبب نقص الورق وكثافة السكان، أو مثل الصحيفة اليوم من خلال الصفحات الإلكترونية. (لن تموت الصحافة.. عبد الرحمن الراشد، جريدة الشرق الأوسط، العدد 11509 الصادر في 2  يونيو  2010).
هذا الرأي ـ رغم احترامنا للكاتب ـ غير صحيح، لأن الصحافة الالكترونية تختلف عن الورقية ليس فقط من حيث الوسيلة المستخدمة لتقديم المادة الصحفية أو للقراءة، بل من حيث المحتوى أيضاً، فالصحافة الالكترونية لا تقتصر على المنتج المكتوب، بل قدمت أنواع جديدة من طرق عرض الخبر مثل الفيديوهات، التي تنقل القارئ مباشرة إلى موقع الحدث بالصوت والصورة في الوقت الذي تكون فيه الصحيفة الورقية مضطرة لانتظار 24 ساعة لطبع الخبر وقد تكون أحداث أخرى قد جرت بعد ذلك، وبهذا تكون الصحف الورقية قد فقدت أهم عنصر من عناصر النجاح وهو ما يسمى بـ(السبق الصحفي).
ولعل ابلغ دليل على قدرة الصحافة الالكترونية على نشر الأخبار بشكل فوري وعلى أوسع نطاق إلى جميع أنحاء العالم، هو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما اختار موقع “تويتر” ليشكر مؤيديه بعد فوزه بولاية ثانية ليكون أول رئيس أمريكي يعلن فوزه في تاريخ سباق رئاسة الولايات المتحدة عبر موقع للتواصل الاجتماعي. وقال أوباما عبر تغريده على موقعه في “تويتر” “شكرا لكم.. لقد حدث هذا بسببكم”.
لا تستطيع الصحف الورقية مجاراة الصحف الالكترونية كوسيط نقل جديد للمعلومة والإعلان. والتنافس مع مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت – التي تجتذب مئات الملايين من المتصفحين  مثل “التويتر”، “الفيسبوك” وغيرهما –  في سرعة نشر الخبر للقارئ وقت حدوثه وتحديثه لحظة بلحظة، في زمن يتقادم فيه الخبر بسرعة بالغة، وإتاحة المجال للقراء للمشاركة في تحريرها والتعبير عن آرائهم ومناقشتها مع قراء آخرين  بكل حرية على نحو لم يسبق له مثيل.
كل ما تقدمه الصحافة الورقية من محتوى مرة في اليوم أو الأسبوع، تقدمه الصحف الرقمية مجانا وفورا بكل سهولة. ولعل فوز الصحيفة الإلكترونية “هفنجتون بوست” بجائزة بوليتزر للصحافة لعام 2012 بعد أن تخطّت صحفاً عريقة لتنال الجائزة الأهم في الإعلام الأمريكي، هو اعتراف صريح بالتفوق الرقمي على الورقي التقليدي .
ولا يقتصر الاختلاف بين الصحافتين على سرعة النشر والوسيلة المستخدمة لنقل المحتوى كما يظن البعض،  فالصحافة الرقمية تقدم خدمات إعلامية كثيرة تعجز عنها الورقية منها الندوات وبرامج المحادثة (الشات) وشريط الأخبار المتحرك، إضافة إلى عدم وجود محددات لحجم المواد المنشورة وزمن العرض. وعلى خلاف الصحافة الورقية فأن الصحيفة الالكترونية بإمكانها تقديم المعلومة الجديدة بالحجم الكامل في أي وقت. كما تسمح شبكة الانترنيت بتراكم المعلومات وحفظها وأرشفتها. وبدلا من إيراد مقتطفات من المصادر، فإن النشر الالكتروني يسمح للكاتب بوضع روابط لمصادر ومراجع المادة المنشورة سواء أكانت مقالة أو دراسة أو حتى كتابا كاملا.. وبذلك يقتصد الباحث أو الكاتب  كثيراً في حجم البحث أو الدراسة.
وثمة إمكانيات فنية أخرى للصحف الالكترونية منها خدمة الانتقال إلي الإذاعات والقنوات الفضائية، وخدمات (التعليقات، الردود الآنية، الربط بالمواقع الأخرى والإحصائيات الخاصة بالموقع الالكتروني (عدد القراءات لكل مادة صحفية وتوزيع القراء حسب البلدان والفئات العمرية والتحصيل العلمي وغيرها من البيانات)، التي تتيح للصحيفة الالكترونية معرفة مواطن القوة والضعف في عملها من أجل التطوير اللاحق .
4- مستقبل الصحافة الورقية  :
يتبنى خبراء الأعلام رؤية متشائمة لمستقبل الصحف والمجلات المطبوعة. ويرى عملاق الصحافة روبيرت مردوك أن الصحافة  الورقية سوف تخنفي بحلول عام 2020.
ويقول مؤلف كتاب “النهاية الحتمية للأعلام الورقي” فيليب ماييرز أن آخر مطبوع ورقى سيصدر  في عام 2043.
كما تشير الدراسات الخاصة بمستقبل الصحافة الورقية إلى أن الصحافيين أنفسهم يعتقدون أن أنها ستكون أقل أهمية في الحياة العامة في السنوات القادمة.
ولكننا نعتقد أن تزايد قوة وفاعلية الصحافة الالكترونية، لا يعني بأي حال من الأحوال انقراض الصحافة الورقية المطبوعة في المستقبل المنظور، فما يحدث غالباً أن الوسائط الأكثر الحداثة، لا تؤدي بالضرورة إلى انقراض الوسائل القديمة. فالصحافة الرقمية لا تلغي دور الصحافة الورقية وأنهما يمكن أن يتعايشا مع بعضهما البعض، خاصة وان لكل منهما قارئه الخاص به ومصدره في استقاء الأخبار.
ومن متابعتنا للصحافة الرقمية وجدنا أن الجزء الأكبر من محتواها، سطحي، مما يؤدي إلى قمع حب الاستطلاع الذهني لدى الشباب، لأنهم يسبحون على سطح بحر المعلومات من دون نزول إلى الأعماق، حيث المعرفة الحقيقية . أما قارئ الصحف الورقية فهو يبحث عن المعلومات المعمقة والتفاصيل الدقيقة وكل ما ينمي  تفكيره ويثري ثقافته.
لم ينته بعد، زمن الصحف الورقية في العصر الحاضر ولن ينتهي قريباً كما يزعم المتشائمون، ولكن على الصحف تأهيل نفسها للعصر الرقمي والإطلالة على العالم  بنسخ إلكترونيه لها على الإنترنت، لأن المواقع الالكترونية هي نافذة الصحافة الورقية للقراء. وثمة مفارقة بالغة الدلالة على حيوية الصحف الورقية وهي أن كثيراً من الصحف التي بدأت بداية إلكترونية فقط، توجهت بعد ذلك إلى الطباعة الورقية، ويبدو أن العلاقة المتبادلة بين الوسيلتين الورقية والرقمية ماضية إلى مزيد من التجسير والتكامل رغم المنافسة الشديدة القائمة حاليا بينهما.
وتجربة موقع “ويكليكس” وهو أحد أشهر المواقع الالكترونية العالمية دليل آخر على أن الصحافة الورقية ما زالت مؤثرة جدا، رغم كل ما يقال عن سطوة الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، فالوثائق السرية التي نشرها الموقع المذكور اتسع تأثيره كثيراً، بعد لجوء صاحب الموقع “جوليان أسانج” إلى كبريات المؤسسات الصحفية في جميع دول العالم لنشر ما بحوزته من وثائق في صحفها المطبوعة بشكل ورقي لاسيما في بريطانيا، وقد احدث هذا النشر ضجة كبرى اهتزت لها الحكومات في شتى أنحاء العالم وبخاصة الفاسدة منها. وهذا دليل آخر على أن الصحافة الرقمية لن تكون بديلا عن الصحافة الورقية في المستقبل المنظور على الأقل، وأن الوقت ما يزال مبكراً للحديث عن اختفاء الصحف المطبوعة قريبا.
الصحافة المطبوعة ما زالت رائجة في الكثير من دول العالم وفي مقدمتها دول العالم النامي.
وتبقى مسألة جوهرية في غاية الأهمية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها بأي حال من الأحوال، وهي أن الصحافة الالكترونية تفتقر إلى الديمومة التي تتصف بها المطبوعات الورقية. وأن معظم ما نعرفه عن ماضي البشرية مدون بطرق مختلفة على الأشياء المادية: ألواح الطين، أوراق البردي، الأحجار،  الجلود، ثم الورق ولولا هذا التدوين لضاع تاريخ البشرية ولم يكن بوسع العلماء تفكيك طلاسم اللغات القديمة المندثرة. والأسوأ من ذلك أن التراث الرقمي ـ إن صح التعبير –  يمكن تغييره أو تحريفه بسهولة، خلافا للآثار المادية للتاريخ. وثمة إمكانية للوقوف على أي تغيير أو تحوير أو تشويه في الآثار المكتوبة ومنها المطبوعة، أما في النصوص الالكترونية فلا يمكن اكتشاف ذلك أبدا.
الصحافة الورقية عصية على الموت، ولا يزال هناك عدد غفير من الناس وبضمنهم أصحاب ألمع العقول البشرية وخيرة المثقفين، الذين تربطهم علاقة عاطفية بالورقة والقلم ولا يمكنهم الاستغناء عن الصحافة المطبوعة و النشر الورقي طيلة حياتهم، إضافة إلى مئات الملايين من القراء الذين لم يكتشفوا بعد العالم الرقمي ولا يتعاملون إلا مع الورق .
 
 
 
جودت هوشيار[email protected]
 
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!