مقالات

الُمعلَن والمَخفِيّ في كتاب جديد عن وكالة تونس إفريقيا

اطلعت باهتمام كبير على كتاب” مسيرة صحافي في وكالة تونس إفريقيا للأنباء وفي الجامعة العربية” الّذي أهداني مشكورا نسخة منه مؤلّفه ، الزّميل والصّديق والجار ،محمد المأمون العباسي. والكتاب الصادر حديثا عن دار برق Berg للنشر والتوزيع جاء في 134 صفحة من الحجم المتوسط وينقسم إلى عشرة أبواب متفاوتة في عدد صفحاتها وأهميّتها ،احتل منها الحديث عن المؤسسة الإعلامية موضوع الكتاب نصيب الأسد حيث خصص لها تسعة أبواب.
والكتاب عبارة عن مذكرات جمع فيها الكاتب بين البيوغرافي السردي والتَّأريخي التوثيقي عند استعراض تفاصيل مسيرته المهنية في العمل، بصفة قارة كصحفي في صلب وكالة تونس إفريقيا للأنباء لأكثر من ثلاثة عقود ثم كملحق لدى جامعة الدول العربية أثناء استقرارها في تونس، من سنة 1979 إلى سنة 1989 ، أو كمدرس بصفة عرضية في التعليم الثانوي و العالي، أوللحساب الخاص في مجالي الاستشارات والترجمة.
ويُسْتَشَفُّ من مطالعة الكتاب أن ّ المؤلّف متابع دقيق لسير العمل بالوكالة حتى بعد تقاعده ومُلِمٌّ بآخر مستجدّاتها فهو يتكلّم عن معرفة تامّة بتاريخها وبظروف نشأتها وبالمشرفين عليها والعاملين فيها، المغادرين منهم والوافدين إليها، وما يذكره من معلومات بشأنها هي محيّنة إلى فترة غير بعيدة من نشر الكتاب وهذا ما يحسب له إذ أنّ سرديات معظم الأعمال المنشورة ضمن أدب المذكرات أو السيرة المهنية ينتهي حديث أصحابها عن مؤسستهم المشغِّلة الأم عند توقفهم عن العمل فيها وإحالتهم على شرف المهنة.
ولئن كان المؤلِّف عالِما إلى حدٍّ ما بخفايا وأسرار وكالة تونس إفريقيا للأنباء، قديمها وحديثها، فهو وإن لم يصرح بذلك،احترم مبدأ التحفظ ، رغم إنّه ليس ملزما له ، واختار بعناية الجوانب المضيئة التي أطنب في الخوض فيها وقل كلامه، أو توقّف، عن جوانب أخرى أقلّ إضاءة أو مُظلِمة تماما، فلا لوم عليه باعتباره حرا في إبراز ما أراد إبرازه وإخفاء وتجاهل ما أراد إخفاءه وتجاهله فضلا عن أنّ الكتابة البيوغرافية وكتابة السيرة ،مهنية كانت أو أخرى ـ وأنا أعتبر كتابه يندرج ضمن هذا الإطارـ هي بالأساس كتابة شخصية وذاتية لا تخضع إلى مقاييس وضوابط أنواع أخرى من الكتابة كالكتابة الأكاديمية أو حتّى الفلسفية والأدبية والصحفيّة.
فلا عجب إذا خرج علينا بتلك السردية الوردية لمرفق إعلامي عمومي بدا فيها وكأنه ” نهر طويل هادئ” وهي صورة مغايرة كثيرا للواقع ذلك إن الوكالة لم تكن جسما متجانسا حيث كانت تعتمل داخلها صراعات ونزاعات تبدو دفينة لكنها تظهر للعلن من وقت إلى آخر عاكسة اختلاف مصالح العاملين فيها بارتباط باختلاف مواقعهم داخل الهرم الوظيفي وحتى التراتبية الاجتماعية وباختلاف مواقفهم من السلطة وباختلاف رؤيتهم لدور الوكالة الإعلامي ،بصفة خاصة والإعلام عموما ، في المجتمع وعلاقته بالسلطة وبالمجتمع السياسي. وقد كان لهذه الصراعات والنزاعات أثرها على العلاقات المهنية والإجتماعية داخل الوكالة التي لم يشفع لها حصولها على جائزة العامل المثالي الإقدام على طرد خمسة من صحافييها بصفة تعسّفية في جانفي1978 على خلفية الإضراب العام الذي شهدته البلاد.
وفي السياق الاحتجاجي نفسه يمكن ذكر حادثة أخرى اهتزت لها الوكالة وقامت و لم تقعد عندما تم ،عن طريق الانتخاب، استبدال هيئة التعاونية، التي لم يتغير أعضاؤها لفترة طويلة ،بهيئة جديدة لم يكن فيها للموالين للإدارة موقع هام يذكر بما أغضب المسؤولين فيها وأولي الأمر الذين لم يهدأ لهم بال حتى تمكنوا ، في وقت قصير ،من إعادة الأمور إلى نصابها وكأن شيئا لم يكن.
إن وراء الأكمة ما وراءها ، وهذه الحادثة وما شابهها من تعبيرات الاحتجاج ومقاومة المنظومة الإعلامية السائدة التي كانت الوكالة من أبرز مؤسساتها لم يكن لها صدى في أي من المؤلفات التمجيدية التي نشرت حول وكالة تونس إفريقيا للأنباء. وهذا نقص كبير عسى أن يتم تداركه في كتاب جديد ،ينظر إلى الأمور بنظرة موضوعية ونقدية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!