مقالات دينية

القديس الشهيد مار سمعان الفارسي

القديس الشهيد مار سمعان الفارسي

إعداد / وردا إسحاق قلّو

      أشرقت شمس العدل الإلهي منذ العصور المسيحية الأولى على بلاد فارس ، وأخذت تبددت ظلمات الجهل وتطفىء أنوار شمسها النارية المادية ، التي كان يتعبد لها ذلك الشعب الفارسي العظيم العظيم بتاريخه وعلومه وأمجاده ، المسكين بعقائده وعبادتهِ . ولم يأتِ القرن الرابع حتى كانت المسيحية قد أنتشرت النصرانية قد انتشرت في تلك الأصقاع ، وكانت دماء الشهداء قد بللت تلك الأقطار ، فأرتوت وأزدهرت وأعطت ثماراً يانعة .

   كان القديس سمعان سمعان أسقفاً على ساوقية وكتسيفون وما جاورها . وكان رجلاً مملوءاً من مواهب الروح القدس ، كثير المهابة ، جليل القدير ، يحبه الكبير والصغير لعظم غيرته ووداعتهِ وعلمهِ وعطفهِ على الفقير . وكان الدين المسيحي بواسطته ينمو ويتقدم يوماً فيوماً في محيطهِ ، وينتشر في بلاد فارس كلها . غتحالف اليهود وكهنة الأوثان على أهلاك ذلك الأسقف العظيم وأبادة الأسم المسيحي من تلك الأمصار . فأخذوا يوغرون صدر الملك شابور عليه وعلى المؤمنين المسيحيين ، ويصورونه لديه لديه بأفظع الصور ، ناسبين إليهم وقوع البلايا في المملكة ، ومشيعين منهم إنهم خونة لأوطانهم ، وإنهم عيون لملوك القسطنطينية على شابور ملكهم وعلى بلادهم . لقد طالما كان الكذب والأفتراء سلاح الحسد والبغضاء .

  وصدق الملك تلك الآكاذيب ، فأصدر الأوامر المشددة ضد المسيحيين، وحجز عنهم أموالهم ، وأمر بهدم  كنائسهم وبإلقاء القبض على كهنتهم . فطارد الجند الكهنة والشمامسة وأمسكوا مئة منهم ، والأسقف سمعان بينهم ، فزجوهم في السجون المظلمة وضيقوا عليهم فلبثوا ثابتين منهم ، لاتزعزعهم ، لا تزعزعهم العواصف ولا تثني عزمهم السيوف اللوامع . وأرسل الملك في طلب الأسقف سمعان ، فمثل بين يديه . لكنه لم يسجد له كمألوف عادته ، بل  ظل واقفاً ورأسه مرفوع . فدهش الملك لجسارته وعدها وقحةً . وسأله بغضب كيف يجسر على إهانته ولا يسجد له . فأجابه سمعان وقال : يا صاحب الجلالة ، لما كنت أتشرف بالمثول أمامك كأحد خدامك ، كنت أبادر إلى أكرامك والسجود بين يديك ، بحسب عادة أوطاننا المح*بو-بة . أما الآن ، وقد ساقني رجالك إليك كمجرم ، لتحاكمني على عقيدةٍ في قلبي وإيمان أدين بهِ . فلا يمكنني أن أتملقك وأعظم مقامك .

فأشتد غضب شابور عليه ، وأمره امراً بأن يكفر بذلك الإيمان ويسجد للشمس إله البلاد وحياة وحياة العباد . ووعده ، أن هو فعل ، أن يكرمه ويعلي شأنه ويجزل عطاءهُ ، وإلا أذاقه مر العذاب وعمل على إبادة الأسم المسيحي من البلاد . فأجاب الأسقف القديس بكلمات الرسل التاريخية المأثورة ( لا أقدر أن أسمع لكَ ولا أسمع لله ) . فكظمَ شابور غيظه وأرسله إلأى السجن ، لكي يعمل الفكرة في أمرهِ ويرعوي ويعود إلى صوابه . فقادوه من جديد إلى السجن . وفيما هم سائرون بهِ لقيه الشيخ الخصي ( أوسطا زاده ) مربي الملك ، وكان مسيحياً ثم أنكر المسيح خوفاً من غضب الشاه عليه . فأسرع ذلك الشيخ وسجد أمام الحبر وطلب منه بركته ، فعبَّسَ الأسقف في وجههِ وجعل يوبخه على اثمهِ وخيانتهِ . ففعلت كلمات اسقفه القديس في قلبه ما فعلته نظرة الرب يسوع في نفس رسولهِ بطرس بعد ما كان أنكره ، فذهب إلى داره وأتشحَ بالسواد وأخذَ يبكي بكاءً مراً ويستغفر الله على اثمهِ . وكان يقول : الويل لي أنا الشقي ، إذا كنت لم أستطع أن احتمل نظرةً وكلمةً من إنسان فكيف أحتمل غضب الله ؟

  ودرى الملك بما حدث ، فأرسل في طلب الشيخ وجعل يتملقه ويعمل بكل وسيلة على إغوائهِ ليحمله من جديد على جحود دينهِ . فلم ينتفع شيئاً . فصعب عليه أن شيخاً هرماً يقاوم أمره ، فحكم عليه بضرب عنقهِ . فتهلل الشيخ الخصي لما سمع ذلك الحكم بحقهِ وقال في نفسهِ : لقد أعطاني الله أن أكفّر أثمي وأنال بلا إبطاء النعيم الأبدي . وأراد أن يعرف الجميع توبته ، كما سبقوا وعرفوا خيانته . فطلب إلى الملك أن يعلن أمام الملاْ أنه حكم عليهِ بالإعدام لا لأثم أرتكبه ، بل لكونه مسيحياً ولأنه يريد أن يموت على دين المسيح . فرضى الملك بذلك ووهبه ما تمناه . فمدَّ عنقه للسيف بسرور وإبتهاج ونال أكليل الإستشهاد .

   وعلم الأسقف سمعان بذلك فبارك الله وتشجع هو أيضاً لخوض المعركة الكبرى . فجاء به الملك وأعاد عليه ماسبق له من وعدهِ ووعيدهِ . فلم يلق من الأسقف الشهيد إلا ثباتاً . فغضب وأمر بقطع رؤوس المئة من الكهنة والشمامسة الموقوفين في السجون ، تحت نظر سمعان رئيسهم . وإذا بقي هو مصراً على عناده يضربون عنقه من بعدهم . أما الأسقف الشجاع ، فبدل أن يهاب السيف أو يرهب الموت كان كلما تقدم واحد من أولئك الكهنة والشمامسة يشجعه ويقويه ، ويثبته في الإيمان ، وينعش فيه عواطف المحبة والرجاء ، ويعده بأكليل المجد ونعيم السماء . فماتوا كلهم في سبيل إلههم ، وطارت نفوسهم ، الواحدة تتبع الأخرى ، إلى أنوار العلاء . ولما ذبحوا المئة ، تقدمَ الأسقف القديس ومدّ عنقهُ ، فرماه الجلاد بضربة السيف ، ولحقَ بكهنتهِ وشمامستهِ ليحتفل معهم إلى الأبد بأفراح الكنيسة العلوية الظافرة .

   قال الرب : ( ليس عبد أعظم من سيدهِ ، ولا رسول أعظم من مرسلهِ . إن كانوا أضطهدوني فسوف يضطهدونكم ) إن رسل المسيح وتلاميذه على توالي الأجيال عرفوا ذلك ، وعملوا بهِ في كل بلاد الله الواسعة وتحت كل سماء .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!