المسيحون العراقيون (3)

الكاتب: عبدالله النوفلي
 
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (3)
كما كتبنا في ما مضى فإن واقعنا المسيحي في العراق وما تلاه للمسيحيين في المهجر ليس واقعا يُسِرُّ الصديق أبدا، ويبدو مما جرى ومازال يجري بأن ما يحدث ليس بالأمر الطاريء ومن شبّه الذي يحدث بالصدفة، من دون شك هو واهم، فعلينا أن نبحث عن السبب كي يتسنى لنا المعلاجة، أو إيجاد الوسائل التي من شأنها أن تعيد الأمور إلى مسارها الصحيح والطبيعي. فلماذا شعبنا دائما يأخذ جانب الدفاع وتلقي الضربات ولا يُقاوم؛ وأحيانا حتى للدفاع عن نفسه وكأنه كشاة سيق للذبح لا ينبس ببنت شفة، وأينما حدث الاضطراب نراه يبحث عن ملاذ آمن كي يبتعد عن بؤرة المشاكل وينتقل، لكن أن نجده يبحث عن المشكلة وأسبابها ويجهد نفسه بحلها فهذا نادرا ما يحدث ولا يتم ذلك إلا بحالات شخصية بحتة أما إذا تعلق الأمر بشعب برمته فلا نجد من يوحد قراره أو من يحاول لملمة شتاته كي يعمل ككيان واحد ويدافع عن الشعب تجاه من يستهدفه كشعب أو أمة.
وربما تعود جذور هذه التصرفات للايمان الذي يعتنقه هذا الشعب الذي لا يؤمن بالعن*ف بل بالعكس يؤمن بأن المحبة تحل كل شيء عملا بما تعلمه من معلمه الالهي يسوع المسيح الذي قال مرة لتلاميذه حيثما اضطهدونكم أو لم يقبلونكم فاتركوا ذلك المكان وانفضوا حتى الغبار العالق بأرجلكم من تلك المدينة واذهبوا إلى أخرى!!! لكن نجد أنه له المجد لم يسكت أزاء من ضربه وهو في طريقه لمحكمة الصلب مستفسرا عن السبب، وشعبنا اليوم لا يحاول حتى الاستفسار!! فنجده في العراق وبأبسط ورقة مكتوبة بخط لا يُقرأ أو يستطيع فهمه يلملم الغالي والخفيف كي يترك ويمضي، حتى مقتنياته التي أفنى من أجلها زهرة شبابه وعرق جبينه يتركها أو يبيعها بأبخس الأثمان كي ينجو بنفسه من خطر مزعوم، وتعددت أشكال التهديد الحديث؛ من مظروف يحتوي على إطلاقة ؛كرسالة أن من يتلقاها ولم يغادر فإن مصيره الق*ت*ل، ووصل الأمر للكتابة على الجدران بشعارات تهديديه للتخويف أو صريحة تطالب بخروج المسيحيين من العراق لأن هذا البلد ليس بلدهم!!! ولم يكن هذا كل الأمر فقد تم الاعتداء على الكنائس دون رحمة وق*ت*ل الكهنة بدم بارد، وخطف آخرون وحتى المطران (بولس فرج رحو مطران الموصل على الكلدان) الأعزل من أي سلاح لم يأمن من شر الأشرار وخطف ومن ثم وُجد ميتا!!!.
وأزاء كل هذا ماذا فعل هذا الشعب وماهي ردة فعله؟ ونحن بما سردناه لم نتطرق إلى الماضي القريب ولا البعيد بل تكلمنا فقط عن الواقع المؤلم، كي نسأل أنفسنا لماذا حدث ومازال كل هذا ولا نجد من يقاوم فحتى ممثلوا شعبنا في مختلف السلطات الحاكمة في العراق أرادو الايحاء بأن ما يحدث لا يًقصد به المسيحيين وإنما هو جزء من أمر أكثر شمولية يخص عموم العراقيين، ومع الأسف نجد من يتحدث عن هذا علنا وفي أجهزة الاعلام، أليس ذلك مشاركة في المؤامرة ضد شعب أعزل؟ ألم يسأل هؤلاء أنفسهم إن المسيحيين العراقيين ليسوا كباقي العراقيين لأنهم لم يهددوا أحدا ولم يخطفوا أحد ولم يعملوا كمرتزقة أو كميليشيات وعاش جيرانهم بأمان كل الأوقات والأزمان بل نجد مسلموا العراق يبحثون عن جار مسيحي لأنهم يأمنونه وأنهم متيقنون بأنه لا يلحق بهم أي أذى، من ذلك فإن الجميع يعترف بأن المسيحيين في العراق شعب مسالم، وعلينا أن نعلي صوتنا بقوة بأن ما يحدث لهذا الشعب ليس كما يحدث للآخرين في العراق وعلينا وعلى من يتحدث بإسمنا أن لا يحاول أقناع الآخرين بأن الهجمة هي لعموم العراق، وإن كانت بجانب معين تشبه ذلك لكننا علينا التصريح علانية بأن هذا العمل وأزاء المسيحيين لا مبرر له لأن العن*ف أزاء الآخرين له ما يبرره لوجود ميليشيات متعددة الأهداف والألوان لدى هذا الطرف أو ذاك وهذه تلحق الأذى بالآخرين وكل حسب أجندتها لذلك يكون من الطبيعي أن يحدث العن*ف بسبب تصرفات الأطراف، لكن أن يحدث العن*ف أزاء شعب مسالم لا حول له ولا قوة فإنه أمر غير مبرر ولا نجد له تفسير، وعلينا دراسته بعناية كي نجد مبررا لما يواجهه شعبنا في العقد الحالي.
وعندما نبدأ بهكذا دراسة تتشعب الأفكار إلى الحد الذي يحير الباحث ويصل حد اليأس ويترك ما بدأ به، لماذا؟ بكل تأكيد ليس هذا الشعب لغزا محيرا، وهو يعيش على أرض آبائه وأجداده وانقسم بين كنائس ومذاهب مختلفة ونتيجة الظروف السياسية والسلطات الغاشمة والديكتاتورية فإن شعبنا فضل عدم الخوض في السياسة والتوجه كليا نحو العمل والابداع فيه وكذلك الدراسة والتقدم في مراتب العلم إلى الحد الذي أصبح في فترة معينة ما يربو على منتصف مثقفي الشعب العراقي ككل هم من أبناء شعبنا وهم من حملة الشهادات العلمية والثقافية وفي مختلف مجالات الحياة، لكن دائما كنا نجد تهميش هذا الكم الكبير منهم ووضعه في موقع غير قيادي كي يتم تحجيمه وكي لا يبرز ويطغي على غيره من أبناء العراق، وكان جلَّ ما يصل إليه هو منصب وزير أو مدير عام وبأعداد ضئيلة كذر للرماد في العيون وكي لا يقول شعبنا أننا محرومون من ذلك، وهذا قاد الكثير ومنذ زمن بعيد كي يلملم أمتعته ويقرر الهجرة إلى البلدان التي تقدر عاليا موهبته وعلمه وأبداعه، ونجد اليوم العديد من أبناء شعبنا في كل اتجاهات المغارب والمشارق وهم يتبوأون مناصب ومواقع سياسية أو تنفيذية أو علمية في مختلف البلدان التي تواجدوا عليها وبلدهم كان قد أهملهم وتركهم بل عمل جاهدا كي يبعدهم عن أرضه!!!
وللموضوع صلة
عبدالله النوفلي
نشرت جريدة العراقية الصادرة في سدني المقالة بعددها الصادر يوم 23 تشرين الثاني 2011
 
 
 ..