المسيحون العراقيون (15)

الكاتب: عبدالله النوفلي
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (15)
كل العالم احتفل بدخوله عاما جديدا 2012، والكل تمنى أن يكون عامه الجديد عاما للخير والامن والسلام، وحتى شعبنا المسيحي في العراق شارك شعوب العالم بهذه المناسبة.
لكن من يتذكر الماضي القريب لهذه المناسبة ويقارن احتفال اليوم في العراق بما مضى، سيجد احتفالات خجولة .. لا ترتقي ان نسميها احتفالا، لأن الخوف مسيطر على النفوس والجميع حذر ولا يعرف من أين ستنبعث رائحة الموت وفي أي زقاق أو شارع ستضرب قوى الشر، وكما هو الشائع في العالم شخصية سانتا كلوز (بابا نوئيل) وتوزيعه للهدايا وخصوصا للأطفال ليلة الميلاد ورأس السنة، فإن بابا نوئيل العراق مختلف تماما وبكل شيء؛ فمن اللون الأحمر والأبيض الشائع عالميا، ففي العراق يرتدي ثيابا مرعبة، وبدل القبعة الجميلة لهذه الشخصية فإن في العراق يرتدي قناعا أو (كليتة) كي لا يتعرف عليه الآخرون وشتان ما بين تنكر الأول وتنكر الثاني، فالأول يتنكر كي يُدخل البهجة للقلوب والثاني يتنكر كي يسلبها أياهم.
فشعبنا في العراق محروم من أبسط مقومات الفرح لأنه محاط بأفكار وشرائع تقيده وتجعله يقبع وحيدا خائفا بحيث لم يعد يعرف طعم الفرح، وليس هذا فقط فحتى الطبيعة في العراق غاضبة أيضا وخصوصا من الموصل نزولا نحو الجنوب بحيث باتت الزراعة في خطر لأن الامطار انحسرت وموجات الجفاف تزداد قوة وبات شتاء العراق دافئا أقرب إلى الربيع منه إلى الشتاء ولا يحتاج الانسان أن يوقد المدافيء لفترات طويلة أو إلى ارتداء ملابس سميكة وأصبح في العراق فصلين فقط هما ربيع قصير وصيف قائض طويل وليس هذا فقط وإنما موجات من التراب التي تلوث أجوائه باتت لا تحتمل وكم من مريض بالربو يقضي نحبه من جرائها لأن المستشفيات لم تعد تحتمل وتستوعب كل الذين يعانون من هذا، فمن أين يجد المفر الانسان في العراق، فهو يتلقى الضربات من كل حدب وصوب من جهة ومن الطبيعة الغاضبة من جهة أخرى.
وفي الماضي القريب كتبنا مجموعة من المقالات تحت عنوان (رسائل من تحت الأنقاض) نشرنا منها بحدود (18) رسالة ويمكن للمتتابع أن يتابعها على الشبكة العنكبوتية ببحث بسيط عنها، كذلك نحن اليوم بحاجة كي نكتب عن الواقع وحقيقة ما يحدث خصوصا للذين هم بعيدين عن هذا الواقع أو لمن قطعت السبل بهم خارج وطنهم الأم أو أن أخبار العراق شحيحة لديهم.
فكما وصفنا أحوال ساسة شعبنا بغير السارة بتاتا والتي لا تبشر بخير نجد ما يعصف اليوم بالسياسيين الآخرين في العراق الذي بدلا أن يحتفل بخروج القوات الأمريكية التي نفذت أحتلالا دام لما يقارب التسع سنوات والذي كان لوجودهم وجوه عدة؛ فمن جهة خلّصوا العراق مما أسموه ديكتاتورا قاسيا ونظاما شموليا وأحلوا محله نظاما فيه دكتاتوريات متعددة، وبتنا نجد أن ساسة العراق يتراشقون الاتهامات فيما بينهم، وبدءنا نرى ونسمع غسيل السياسيين الوسخ الذي ينشر للملأ ومن هؤلاء من هو في الحكم ومؤثر فيه، ونجد باستمرار هذه القوة تدين تلك ودائما يوجد غاية في نفس يعقوب وأحينا تضيع صحة الأخبار بين الكم الهائل من الاتهامات الكيدية، ولكن المراقب والانسان العادي في العراق بات لا يثق بما يتم الحديث عنه ولسان حاله يقول: من كان يقودنا وحاله هذا؟ فكيف سيكون مستقبلنا أزاء ذلك؟، لأن السيئ لا يمكن أن يأتي بأمر جيد بل أن النفايات القذرة تأتي بريح نتنة وقذره، ولكن أيضا أحيانا كثيرة نجد وجود جواهر وأمور جيدة لكنها مطمورة تحت هذه النفايات بحيث يصعب التعرف على الجيد ما بين أنقاض الواقع!!!
إنه حقا لأمر مؤسف خصوصا وأن شعبنا المسيحي غير متعود للعيش في ضل هكذا ضروف، وإن الكنائس اعتادت بهذه المناسبات من خلال طقوسها أن تدعو الناس للفرح وللتصفيق وللدعاء حتى للقادة الزمنيين كون شعبنا المسيحي يؤمن بأن السلطة هي من الله والكثير يعتقد بصورة جازمة بأننا عندما نكون تحت سلطة قيادتها ظالمة فذلك يعني بأننا أشرار وأن الله غاضب علينا، وعندما نبتعد عن الخطيئة كما ذكرنا في الحلقة الثامنة فإن حنان الله يشملنا كي نعيش بهدوء وأمان.
وبصورة عامة نستطيع الجزم بأن غضب الله ليس الغضب الوحيد لأنه هناك غضب البشر الذي له حدود لصبره، وعندها ممكن أن تكون ثورته كالصاعقة على قادته خصوصا وهو ينظر بأن العراق أصبح في ذيل قائمة الدول من حيث النزاهة أي أنه فاسدا جدا وهذا يعني بأن قادته لا يعملون من أجل رفاهية العراقيين بل من أجل رفاهيتهم ومكاسب شخصية لهم وحزبية أيضا.
وعندما نحتفل بمناسبات خاصة بشعبنا ومنه ذكرى يوم الشهيد في السابع من آب من كل سنة فإننا نجد من يسيس ذلك بحث جعلنا من تضحية الشهيد سلعة للمتاجرة وهذا أبسط ما يقال عنه أنه متاجرة بدم الشهداء حتى أن عامتنا أصبحوا متيقنين بأن الشهيد لم نخسره نحن بل هو الذي خسر نفسه أو ربما خسرته عائلته أيضا وكأن الشهيد الذي ضحى بحياته من أجل أخوته ووطنه أصبحت قضيته سلعة بيد الساسيين يذكرونها لساعة من الزمن سنويا وبحساب بسيط فإن ذكرى الشهيد تدوم فقط 1 من 24 ساعة من يوم واحد على 365 يوما في السنة وهذه البرهة القصيرة يجعلها البعض آشورية وغيرهم بابلية كلدانية وحتى لا يحتفلون بها بصورة موحدة بل يلجأون للاحتفال بأماكن متفرقة أي أن تضحية الشهداء أصبحت تثير الفرقة بين أبناء شعبنا وبكل تأكيد فإن شهدائنا براء من ذلك لكن الأحياء من شعبنا هم الذين يوصلون الأمور إلى هذا الحال.
وليس ذلك فقط فحتى رأس السنة الخاصة بشعبنا منهم من جعلها آشورية ومنهم من يععتبرها بابلية أو كلدانية وأصبحنا حيارى نحن الذين لا يهمنا إن كانت آشورية أو بابلية لأننا نريد لشعبنا أن يحتفل معا ويرفع بقوة الرايات التي يتضح من خلالها أنه سعيد ، ومن يحتفل بهذه المناسبة أيضا نجده مختلف حتى بعدد السنين التي أصبحت عليها سنوات هذا الشعب فاحتار السياسيون وحيرونا معهم، وربما أكيتو لو كان يعلم ماذا سيحل بذكراه لأمرنا منذ آلاف السنين أن لا نحتفل أبدا بذكراه خاصة ونحن نجعلها فرصة لتكريس التفرقة حيث إن عمل فصيل معين احتفاله في قرية أو مدينة معينة فإن فصيلا أو فصائل أخرى تختار عن عمد مناطق أخرى وإن ذهب شخص محسوب على هذا الفصيل لحفل فصيل آخر نجد أن جماعته تحاسبه وتعاقبه او تطرده أو توبخه!!! وهنا لسان حالنا يقول: بأي حال عدت يا عيد؟
فيا أهلي ويا شعبي: ألم يأتِ بعد الوقت الذي تجتمعون به على رأي واحد وقرار واحد كي نحتفل جميعنا معا ونرفع أعلامنا المتعددة الألوان معا كي ينظر إلينا الآخرون ويفرحون معنا، إننا سورايى العراق؛ الشعب الذي يتحدث لغة السورث وببساطة يمكننا اتخاذ القرار بجعل سورايا اسما موحدا يجمعنا ونقرر بأن هذا لا يخضع للترجمة ويبقى هكذا بجميع اللغات وتكون لغة السورث بكافة لهجاتها الجميلة توحدنا وتقودنا لمستقبل أفضل مما نحن عليه بحيث هي ذات اللغة التي يسميها البعض كلدانية والبعض الآخر آشورية أو سريانية وبالنتيجة الحاصلة فعلا أن لا هذا ولا هذاك يتنازل رغم من يتحدث بها من أي طرف كان فإن حديثه مفهوم من قبل الآخرين …
وللحديث صلة
عبدالله النوفلي..