آراء متنوعة

المرأة والميراث في الإسلام

الكاتبة :دنيــا الحيالي

أهتم الإسلام بالميراث والمواريث اهتماما كبيراً ، وتناول فروض الإرث والورثة، وأولى المرأة عناية بالغة؛ ليبطل ما كان شائعاً في الجاهلية ولدى الأمم الأُخرى- من توريث الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار- ومن ذلك ما كان شائعاً لدى اليهود والمسيحية والفرس وما إلى ذلك، لاعتقادهم أن الرجل أحق من المرأة بالميراث لأنه يسعى لطلب الرزق خارج المنزل وكذلك يخوض المعارك والحروب، بل وصل بهم الأمر إلى أن جعلوا المرأة جزءاً من التركة والإرث فيتوارثوها هي أيضاً وكأنها قطعة أثاث أو سلعة يتداولونها فيما بينهم، لا قيمة لها في نظرهم… فنهاهم الله عن ذلك وأمر بإعطاء الإناث والاطفال الصغار نصيبهم من التركة أيضاً ، إذ أعطى للمرأة قيمة كبيرة في مجتمعها ونهاهم عن احتقارها والتقليل من شأنها، وجعل لها كيان مستقل ذي حقوق وواجبات لا يحق لأحد التلاعب به أو مساسه، ومن ذلك قوله تعالى :
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء٧–٨]، وبذلك أحكم الإسلام تقسيم الميراث،ومنه أيضاً قوله(سبحانه) في الآية(١١) من سورة النساء :
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، فالمراد بالرجال الذكور مطلقاً وبالنساء الإناث مطلقاً (أم، أو أخت، أو ابنة، أو زوجة) …
ومن هذا نجد أنَّ الآيات القرآنية فصلت كيفية توزيع الميرث تفصيلاً دقيقاً بشكلٍ لا يجوز التلاعب به أو تغييره بأي حال وزمان، وهذا النص القرآني لا يقبل الاجتهاد أو التأويل،فالآيات القرانية التي تخص الميراث محكمة غير قابلة للتلاعب بمعانيها وتأويلها على هوى من ينفي حق المرأة أو الطفل في الميراث…ومن ذلك ما شرعه الله (عز وجل) في كتابه من اعتبار عقد النكاح-الزواج- الذي تتوافر فيه شروط الانعقاد والصحة سبباً من أسباب الإرث بين الزوج والزوجة، حيث يرث كل منهما الآخر،حتى وإن لم يكن هناك دخول أو خلوة بينهما،يقول العليم الحكيم في كتابه الكريم: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء:١٢].
وفي الحديث الذي يرويه معقل بن سنان في كتاب صحيح ابن داوود للإمام الألباني فقد قضى النبي لـ بِرْوَعَ بنتِ واشِقٍ أن لها الميراث، وكان زوجها قد مات قبل الدخول بها. يقول الحديث: «عن عبدِ اللهِ في رجُلٍ تَزَوَّجَ امرأةً، فماتَ عنها ولم يَدخُلْ بها، ولم يَفرِضْ لها الصَّداقَ، فقال: لها الصَّداقُ كاملًا، وعليها العِدَّةُ، ولها الميراثُ. فقال مَعقِلُ بنُ سِنانٍ: سمِعتُ رسولَ اللهِ ﷺ قضَى به في بِرْوَعَ بنتِ واشِقٍ. وفي روايةٍ قال: اختَلَفوا إليه شَهرًا. أو قال: مرَّاتٍ. قال: فإنِّي أقولُ فيها: إنَّ لها صَداقًا كصَداقِ نِسائِها، لا وَكسَ ولا شَطَطَ، وإنَّ لها الميراثَ وعليها العِدَّةَ، فإنْ يَكُ صوابًا فمِن اللهِ، وإنْ يكُنْ خَطَأً فمِنِّي ومِن الشَّيطانِ، واللهُ ورسولُه بَريئانِ. فقامَ ناسٌ مِن أشجَعَ، فيهمُ الجَرَّاحُ وأبو سِنانٍ، فقالوا: يا ابنَ مَسعودٍ، نحن نشهَدُ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قضَاها فينا في بِرْوَعَ بنتِ واشِقٍ -وإنَّ زَوجَها هِلالُ بنُ مُرَّةَ الأشجَعيُّ- كما قضَيتَ. قال: ففَرِحَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ فَرَحًا شَديدًا حين وافَقَ قَضاؤُه قَضاءَ رسولِ اللهِ ﷺ.».
كما ويُعتبر في الإسلام إنفاق الرجل على زوجته وأولاده واجبٌ شرعاً باتفاق أهل العلم، والمرأة غير مطالبة بالنفقة حتى لو كانت غنية، يقول الله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:٢٣٣].
وقد جعل الإسلام للمرأة ذمةً ماليةً مستقلةً، أي هي حرة في التصرف بأموالها كالرجل، إذ تبيع وتشتري وتستأجر وتؤجر وتوكل وتهب، ولايحق لأحد أن يمنعها من ذلك، ما دامت عاقلةً رشيدةً، ومهرها حق لها ولا يجوز أخذه منها، ومالها محرَّمٌ على زوجها إِلاَّ إن أعطته برضاها، وعن رغبة وطواعية منها في أن تساهم في نفقات أسرتها بالمال فلا حرج في ذلك، وإذا اقرضت الزوجةُ لزوجها المال فلها الحق في أن تسترده، وإذا ساهمت في مشروع أو شراء أوعمار منزل فحقها ثابتٌ بمقدار مساهمتها ولا يجوز إجبارها على التخلي عن مالها أو حصتها، ومنه قوله تعالى في سورة النساء من الآية ٣٢:{ لِلرِّجَالِ ‌نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}. وجعل الشرع لها الحق في طلب الطلاق من زوجها في حال رفضه الإنفاق عليها وخاصة إذا كان بمقدوره الإنفاق ولم يفعل،كما وقد أوصى الحبيب محمد (صلوات ربي وسلامه) الرجال بالنساء بقوله : «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف». فمال المرأة- أياً كان قد نتج عن عمل أو هبة أو ميراث – حق يحرم شرعاً أخذه أو التصرف به إلا عن طيب خاطر منها ورضاها وإلا فلا يجوز أخذه والسطو عليه تحت أي مسمى، ولا يحق لأي شخص مهما كانت صلته بها سواء كان أخ أو عم أو ما إلى ذلك أن يحرمها من حقها في الميراث، وحقها هذا يكمن بحسب درجة قرابتها من المتوفي سواءً كان أب أو ابن أو زوج وما إلى ذلك.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!