المادة الثانية من الدستور العراقي تتعارض مع حقوق الأنسان

الكاتب: وردااسحاق
 
المادة الثانية من الدستور العراقي تتعارض مع  حقوق ألأنسان
الجزء ألأول
نافع البرواري
في خضم ما نشهده من الأحداث  التراجيدية في الدول العربية بما يسمى بالربيع العربي
وبالرجوع الى شعارات الأحزاب الأسلامية التي تنادي بها وبالأستناد على الواقع الذي نشهده في العراق ومصر وتونس وغيرها من الدول العربية ، وبعد دراسة  الدساتير الحالية والتي سوف تظهر في ظل الحكومات التي تسيطر عليها التيارات ألأسلامية  ، سنصل الى نتيجة في غاية الخطورة ويجب أن لا تغيب عن الواعيين من الناس ، وهي أنَّ هذه ألأحزاب استطاعت في بعض هذه الدول أن ترسِّخ دساتيرها المستمدة من الشريعة ألأسلامية لكي تكون المصدر الأساسي في التشريع . وهذا  يعني ، بحسب رأيي  الكثيرين من المختصين بالقوانين  التشريعية ( وسوف نتطرّق الى بعض آراء المفكرين في الجزء الثاني للمقالة في تحليلهم للفقرة الثانية من الدستور العراقي وحتى المصري )  ، الى شل وإبطال مفعول كُلِّ المواد والفقرات الأخرى في هذه الدساتير التي تنص على حقوق وواجبات المواطنين وحقهم في حرية الراي والعقيدة والمساوات والعدالة الأجتماعية وتهمِّيش الكثير من المواد الواردة في نصوص  وثيقة حقوق الأنسان ، بل نستطيع أن نقول أنّ المادة الثانية في الدستور هو يناقض جميع المواد الأخرى التي تخص الحرية والديمقراطية وحقوق ألأنسان .
ولتوضيح هذه الحقائق سوف نأخذ الباب ألأول المادة الثانية من الدستور العراقي
الباب ألأول
المادة (2)
 تنص المادة الثانية من الدستور على مايلي:
أولا: ألأسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر أساس للتشريع
أ – لا بجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام ألأسلام
ب – لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية
ج – لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات ألأساسية الواردة في هذا الدستور
ثانيا : يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية ألأسلامية لغالبية الشعب ألعراقي ، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع ألأفراد في الحرية والممارسة الدينية ، كالمسيحين ، وألأيزيديين ، والصائبة والمندائيين .
فقرتان غامضتان ومبهمتان تشُلاّن جميع المواد الأخرى في الدستور التي تنص على الحرية والديمقراطية وحقوق ألأنسان ( كما ورد في المادة 7 والمادة 14 والمادة 35  والمادة 39 والمادة 40)، و لن تسطيع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية الوصول الى تفسيرهما والأتفاق على مضمونهما ، وسوف تضل موضوع جدل وخلاف بين هذه السلطات الثلاثة طالما لاتوجد وثيقة ملحقة بهاتين الفقرتين تشرح وتحدد فحوى ومعنى ومصدر التشريع الأسلامي ، لتستند عليه المحاكم التشريعية والقضائية في فهمها وتطبيقها .
وعند قرائتنا وتحليلنا لهذين النصين في المادة الثانية أعلاه قانونيا و منطقيا وتطبيقيا في أرض الواقع ، سنصل الى أنّ هذين النصين سيلغيان كُلّ ما ورد في النصوص الأخرى  عن حقوق المواطنين المشروعة في الدستور بدئا من المواطنين المسلمين الغير المنتمين للأحزاب ألأسلامية (الليبراليين ، والعلمانيين ) وكذلك المسيحيين والمعتقدات الأخرى وأنتهاء بكلّ الذين ينشدون  دستورا مدنيا بعيد عن اي نص ديني قد يكبِّله بثوابت مقدسة لايمكن تغييرها أو شريعة هلامية لايتفق عليها حتى الشيعة والسنة لأختلافهم في  فقه الشريعة ألأسلامية  ، وسوف يختلف في تفسيرها وتطبيقها في العراف خاصة ، لوجود  طوائف واديان وشعوب مختلفة في العقيدة والقومية والمذهبية .
ومن خلال هذين النصين ايضا سنصل الى حقيقة مرة وهي :أنَّ الدولة العراقية (الحالية) هي دولة دينية ، والدليل النهج الذي يمارسه نظام الحكم الحالي وعلى رأسها حزب الدعوى ألأسلامي ، وكلِّ مراقب لما جرى ويجري في العراق سيصل الى هذه الحقيقة بالأستناد على نهج الدولة التي تُطبِّق المادة الثانية وتفسيرها حسب رؤيّتها وأستنادا الى مفهومها للشريعة الأسلامية التي يختلف في تفسيرها وتطبيقها المسلمون قبل غيرهم وذلك بسبب هلامية هذه الشريعة وعدم الأتفاق عليها من قبل المسلمون أنفسهم .
أنّ الشعارات للأحزاب ألأسلامية قد تكون جميلة وبراقة ومقبولة ولكن التجربة والخبرة بهذه ألأحزاب ، كما للأحزاب الشمولية السابقةأثبتت للعالم كُله وللشعوب العربية والأسلامية ، انّها مجرد غطاء ووسيلة للوصول الى الهدف ، وهو الحكم الأسلامي على هذه الشعوب ، القائم على انَّ الدين ألأسلامي لايمكن فصله عن السياسة وحتى ألأمور الصغيرة والكبيرة في شؤون الناس ،وبأعتراف الغالبية المطلقة من فقهاء وعلماء المسلمين سواء كانوا شيعة أم سنة  فلا يوجد في ألأسلام سلطة روحية وسلطة مدنية منفصلة (*). هنا اذن نستطيع أن نقول أنَّ هناك دمج بين الدين والدولة عندما لايصبح المواطن (سواء كان مسلم أو مسيحي أو يهودي ) حُرّا  مهما إدعت الدولة إنها تعطي  الحرية والديمقراطية للمواطنين  ، لأن الدستور يقول لنا   أنّ كلِّ هذه ألمصطلحات المعاصرة (الديمقراطية والحرية والعدالة والمساوات) هي شعارات  فقط طالما لاتعترف بها تلك الأحزاب التي تستمد سلطتها وتشريعها من الشريعة الأسلامية ، والدليل على ما نقوله هو  أنَّ غالبية الدول العربية والأسلامية لديها تحفُّظ على مواثيق ألأمم المتحدة بخصوص حقوق ألأنسان وخاصة  المواضيع التي تخص حرية العقيدة وحقوق المرأة ورجم  المرأة الزانية  وألأسترقاع وغيرها كثيرة تعارض حقوق الأنسان ولا يمكن قبولها والعالم يعيش في القرن الواحد والعشرون .
انّ الفقرتين أعلاه  ، واللتان تعتبران نصين وردتا في الدستور العراقي ، يعني ذلك الغاء الدولة المدنية وحقوق المواطنة ، طالما يوجد في هذه الدولة أو تلك نص ديني في الدستور يعارض الديانات والمعتقدات ألأخرى , ونستطيع ان نعطي امثلة على ما نقوله .
فمثلا هناك نصوص في الشريعة الأسلامية تقول :” تقطع يد السارق” وهذا يخالف مبادئ حقوق ألأنسان ، وهناك دول مثل السودان وأفغانستان والصومال يتم تطبيق هذا النص الوراد في الشريعة الأسلامية , بالأضافة الى ذلك وجود دول عربية واسلامية تمنع بناء كنائس أو السماح بحق الأنسان باختيار ما يؤمن به ، كما في السعودية ومصر ….الخ
كما أنّ هناك  نص تشريعي يقول “يُق*ت*ل المرتد عن ألأسلام ”  وهذا يخالف حرية المعتقد والحريات الشخصية (الواردة في المواد الأخرى في الدستور نفسه) ، وكلنا يعرف أنّ ألأنسان في الدول العربية والأسلامية لا يُقبل منه أن يغيّر دينهِ ويتحول الى دين أخر , فاين حرية الأنسان وأين هذه الدول من الديمقراطية وحق اختيار المعتقد او الدين  ؟
هذين مثلين من عشرات ألأمثلة ، التي يمكن ألأستشهاد بها لأيصال الفكرة الى القارئ ، كالتمييز بين الرجل والمرأة والأحوال الشخصية وأحقية الدولة(في ظل الشريعة الأسلامية ) في سحق حق الفرد على حساب الغالبية في المجتمع  وتطبيق الحدود بحق المخالفين للشريعة ألأسلامية  …الخ
إنّ خطورة النصين  الواردين في الدستور العراقي (كمثال) يمكن تشبيههما بعمودين  ضعيفين  مبنيين بين أعمدة كثيرة ولكن يشكلان خطورة في هدم البناية بكاملها. ويمكن تشبيههما ايضا بالبناء المبني على اساس رملي وفي كل لحظة معرض للسقوط . ويمكن أن نشبه الدستور العراقي بكأس ماء صافي ونقي ثم نأتي بسم قاتل يوضع في هذا الكأس وعندما يشربه الأنسان يصاب بالشلل ، هكذا هو الدستور الحالي في العراق ومصر وغيرها من الدول العربية والأسلامية .

إنَّ الدساتير في الدول المتحضرة يتم الحكم عليها بمدى احترامها لحقوق المواطنين ، (وخاصة ألأقليات) مهما اختلفوا في العقيدة أو اللون أو الجنس أو العرق ، بل على المساواة والعدالة في تطبيع القوانين والأنظمة في هذه الدول ، بينما في الدول العربية واستنادا الى دساتيرها ، تؤكد لنا تهميش الأقليات وتهميش الطوائف والمذاهب الضعيفة وذلك بتطبيق ما تؤمن به الطائفة التي تحكم هذه البلدان سواء كانوا شيعة أو سنة كُلِّ حسب مفهومه للشريعة الأسلامية.
وسنقدم  ،في الجزء الثاني من هذه المقالة على ، آراء بعض المفكرين والمختصين في الشؤون القانونية ورأيهم عن المادة الثانية في الدستور العراقي .

 
يقول الشيخ يوسف القرضاوي:  (*)
“إنَّ ألدولة ألأسلامية فيها السلطة التشريعية بيد الشعب ولكن باطار الشريعة ألأسلامية “برنامج الشريعة والحياة في قناة الجزيرة..