آراء متنوعة

العنجهية والحكمة ما بين صراع العقول وصراع المصالح

اللواء الركن
ضرغام زهير فخري

تُعد العنجهية والحكمة من المفاهيم المتناقضة التي تلعب دورًا حاسمًا في السياسة. فبينما ترتكز العنجهية على الغرور والتكبر والتعالي ورفض الاستماع إلى الآخرين. تُبنى الحكمة على التروي وبعد النظر والتعلم من التاريخ وتجارب الآخرين. السياسة، بدورها هي ميدان يختبر فيه القادة هذين النقيضين فإما أن يكون سياسيًا متزنًا قادرًا على اتخاذ القرارات بعقلانية ووفق ما تمليه عليه المصالح الوطنية أو أن يقع في فخ العنجهية والغرور والتي قد تؤدي به إلى عواقب وخيمة تجر نظامه و شعبه الى هاوية الجحيم.
*العنجهية هي الغرور الذي يعمي الأبصار ويغيب العقول
العنجهية ليست مجرد شعور بالتفوق على الآخرين بل هي نهج سلوكي يجعل صاحبه يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة ولا يحتاج إلى استشارة الآخرين. في السياسة يظهر ذلك في القادة الذين يرفضون المشورة ويصرّون على آرائهم وتنفيذ اوامرهم دون اعتبار او حسابات لنتائجها السلبية والكارثية . وهذا يؤدي غالبًا إلى الإخفاقات والكوارث السياسية والعسكرية سواء على مستوى الدول أو الأنظمة او الأفراد. فالتاريخ مليء بالقادة والأنظمة الاستبدادية والذين سقطوا بسبب غرورهم وتعنتهم وغبائهم السياسي من ديكتاتوريين و متسلطين وحمقى أشعلوا العالم بالحروب و زعماء لم يدركوا خطورة قراراتهم والتي جرة بلدانهم وانظمتهم الى النهاية و الهلاك .
*الحكمة مفتاح السلام و ركيزة القيادة الناجحة
في المقابل نجد أن الحكمة هي صفة القائد الناجح الذي يزن الأمور بعقلانية بعيد عن الغطرسة والتكبر ويستمع لمختلف الآراء ويتبع المشورة الحسنة قبل اتخاذ القرار الحاسمة. الحكيم يدرك أن السياسة ليست مجرد فرض إرادة بل هي فن تحقيق المصالح الوطنية بأقل مايمكن من الخسائر. فالقرارات المتسرعة والانية الناتجة عن العناد والغرور تؤدي إلى أزمات سياسية كبرى وحروب مدمرة غير محسوبة نتائجها بينما القرارات الحكيمة تضمن الأمن والاستقرار والتقدم للأمة.
*السياسة بين العنجهية والحكمة
السياسة بحكم طبيعتها ميدان للتنافس والصراع و لكن الفرق بين القائد الحكيم والعنيد هو في أسلوب إدارة هذا الصراع. فالقائد العنيد يتخذ السياسة ساحة لاستعراض قوته الشخصية دون حساب المخاطر بصورة صحيحة بينما القائد الحكيم يراها وسيلة لتحقيق مصالح شعبه ودولته بأقل الخسائر والأثمان. الدول التي حكمها قادة حكيمون تمكنت من تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية رغم فقر مواردها و ثرواتها بينما الدول التي وقع قادتها وأنظمتها في فخ العنجهية انتهت إلى الفوضى والتخلف والدمار رغم غنى ثرواتها.
*الفرق بين الشخص العنجهي والحكيم
يمكن تصنيف هؤلاء الأشخاص إلى فئتين متناقضتين تمامًا:
• أصحاب العنجهية والعنترية: هؤلاء يميلون إلى الخطاب المتشنج والاستعراض الكلامي والخطابات والشعارات الرانانة ويتخذون قراراتهم بناءً على كسب عواطف الجمهور خاصة الطبقة المسحوقة والجاهلة بدلاً من الاتزان والعقلانية. و غالبًا ما يتجاهلون الواقع السياسي والاقتصادي والامني ويرفعون الشعارات الرنانة دون القدرة على تنفيذها. في النهاية تؤدي سياساتهم إلى الفوضى العزلة وربما الهروب والدمار لأنهم يهتمون بالمظاهر والشعارات أكثر من النتائج.
• الواقعيون الذين يقدمون مصالح شعوبهم: هؤلاء يدركون أن السياسة ليست حلبة استعراض او مصارعة بل وسيلة لتحقيق أهداف سامية والامن والاستقرار والتنمية الاقتصادية. كما إنهم يعرفون كيف يديرون التوازنات الدولية بحكمة عالية ويتجنبون الصدامات الغير ضرورية ويحافظون على سيادة دولهم وأستقرارها دون تهور. ولا يعني ذلك أنهم جبناء او مستسلمون أو متنازلون عن حقوق شعبهم بل إنهم قادرين على أن يفرقوا ما بين الشعارات الجوفاء والمواقف الفعالة التي تخدم مصالح يلدانهم ويعملون على تحقيق المصالح الحقيقية لمجتمعاتهم.
ويمكننا ان نفرق بين الفئتين هو أن الفئة الأولى تبحث عن التصفيق الآني والشهرة الكذابة بينما الفئة الثانية تبحث عن النتائج الفعلية التي تخدم الواقع.
*العرب وضغوطات المرحلة
هناك الكثير من المستعربين وممن يدعون الانتماء إلى الأمة العربية والذين يحاولون جاهدين للاساءة للأمة العربية والشعب العربي من خلال هجماتهم الإعلامية والدعائية ورفع الشعارات الثورية الكاذبة يحاولون جر الدول العربية إلى صراع غير متوازن من اجل مصالح دول أخرى. وتحريض الشعوب على خوض مغامرات غير محسوبة قد تؤدي إلى زوال دولهم من الخارطة.
أن حكمة بعض القادة وبعض الأنظمة تحاول جاهدة في التوازن مابين الطغيان والعنجهية الأمريكية الإ*سر*ائي*لية ومابين مصالح المنطقة بشكل عام مع الحفاظ على الثوابت القومية والوطنية والامنية لبلدانهم .
*الحكمة في الطرح
• التمسك بالثوابت العربية: حيث يميل اغلب القادة العرب على الحفاض على الثوابت العربية و حل الدولتين واعتباره هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل بين الفلسطينيين والإ*سر*ائي*ليين.
• الخطاب الدبلوماسي الهادئ: رغم الخلاف وعنجهية طرح إدارة ترامب واستفزازه للقادة العرب واحراجهم تبنت القيادات العربية سياسة الخطاب الدبلوماسي واستخدام الضغوط السياسة الاخرى التي تحرج أمريكا في علاقتها بالمنطقة.
• الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية: رغم الخلافات الواضحة للدول العربية بشكل عام مع طروحات الرئيس ترامب يحاول القادة العرب على الحفاظ على علاقات استراتيجية بعيدة المدى مع امريكا والقوى العظمى وليس مع الرئيس ترامب.
*السياسة الواقعية
• الموازنة بين الضغوط والمصالح: الدول العربية بشكل عام تواجه ضغوطًا فردية وجماعية من قبل أمريكية وإ*سرائ*يل*ية فيما يخص القضية ا*لفلس*طينية لكنها تتجنب المواجهة المباشرة كونها تعلم مسبقا نتائج هكذا حرب والتي سوف تجر المنطقة إلى صراع عالمي مدمر ويعطي الفرصة الى دول طامعة اخرى في استغلال الموقف . لذى استخدمت اغلب الدول الأدوات الدبلوماسية والسياسية لحماية مصالح وأمن واستقرار شعوبها.
• عدم الانجرار وراء الوعود غير الواقعية والشعارات الرنانة : تتجنب اغلب الدول العربية الوعود الكاذبة والصفقات وترفض الانجرار خلفها من أجل تجنيب المنطقة اي صراع عالمي يغير ملامح المنطقة و يمكن الآخرين من استثماره لمصالح واطماع إقليمية أخرى حيث استغلت الكثير من الحركات الإسلامية والجهادية القضية ا*لفلس*طينية للدعاية والاعلان منذ ٧٠ سنة ولمصالح سياسية لدول اخرى.
*الخاتمة
يبقى السؤال المطروح: أيهما ينتصر في النهاية العنجهية أم الحكمة؟ الإجابة تعتمد على وعي الشعوب ومدى قدرتها على اختيار القادة الذين يتسمون بالحكمة ودعمهم وتايدهم بدلاً من الغرور الأعمى واتخاذ قرارات طائشة وغير مدروسة . فالتاريخ يخبرنا أن نتائج الحكمة قد تتأخر لكنها دائمًا ما تكون هي القرار الثائب والمنتصر . لأن الغرور قد يحقق انتصارات لحظية وهامشية لكنه لا يبني أممًا ولا يحفظ أمن واستقرار ومستقبل الأجيال القادمة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!