مقالات دينية

يسوع الثائر هو المحرِّر الحقيقي للأنسان من قيود العبودية / الجزء الثاني

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

يسوع الثائر هو المحرِّر الحقيقي للأنسان من قيود العبودية
الجزءالثاني : ثورة المسيح لا زالت مستمرة
نافع البرواري
 
“وما من أحدِ يَضَعُ خمرا جديدا في أوعيةِ جِلدٍ عتيقةٍ لئلاّ تنشقُّ ألأوعيةُ فَتَسيلَ الخمرُوتَتلَف ألأوعية ، بل توضعُ الخمرُ الجديدة في أوعية جديدةٍ ، فتسلمُ الخمرُ وألأوعيةُ”متى 9 : 17 ” .
 ثورة المسيح أحدثت صراع وحرب بين المفاهيم القديمة قبل مجيئ المسيح ومفاهيم جديدة بعد المسيح فتعاليمه تشبه الخمرالجديد الذي يوضع في القرب (الوعاع) الجديد ، فقد حرّرنا من قيود الشريعة  , وأعطانا شريعة المحبّة وشريعة الروح ، هذه الشريعة الحيّة هي شريعة الحياة الجديدة في العهد الجديد ” ..والله بكلامه على “عهد جديدٍ” جعل العهد الأول قديما ، وكُلِّ شيئٍ عَتَقَ وشاخَ يقترِب من الزوال” عبرانيين 8 : 13 “.
إنَّ شريعة  الحلال والحرام والمسموح والمحظور غير موجودة بالنسبة الى الأنسان البالغ ، الأنسان الروحاني الناضج ، لأنَّه تجاوزها ، فالشريعة ضرورية حتى مرحلة معيَّنة من نموُّنا، وينتهي زمنها  عند من أستولى الروح القدس عليه”غلاطية 5 :16 -18 ” . فحين يتكون الضمير(الذي هو قبس من الروح القدس) ، يصبح الأنسان قادرا على الحكم بنفسه بين الخير والشر وفقا لما هو خير وما هو شر .   فالممنوع لا يأتيه من الخارج ، بل ينبعث من الداخل ، لايفرضه الله عليه  بل يولد من تَطلُّبٍ داخليَ يقبلهُ بكُلِّ حريّة . فيسوع المسيح فتح ، للأنسان ، الذي يحييه الروح القدس ،  آفاقا جديدة وحريّة ليعبد الله بالروح والحق “روميا 7 :6 ” ولكننا ألآن تحرَّرنا من الشريعة ِ ، لأنّنا مُتنا عمّا كان يقيُّدنا ، حتى نعبدَ الله في نظام الرَوح الجديد ، لا نظام الحرف القديم ” ، نعم ” فيسوع المسيح يطلب من الأنسان (الجديد) أن يتخطّى الشرائع المكتوبة ليصبو ويتطلع الى ما هو أبعد منها ،  فالوصايا العشرة ليست الاّ الحد الأدنى ، انّها تُعبِّر ، وبطريقة فظَّة عن جزء صغير جدا من شريعة كياننا. فهل نحن نتبع  يسوع المسيح الذي حرّرنا بسلطانهِ السماوي ، أم نتبع مئات القوانين والتشريعات التي وضعها الفريسيّون قبل  الفي سنة ، ولا زال الكثيرون من رجال الدين يضيفون اليها المزيد في عصرنا الحاضر  ؟.
 المسيح أعطانا الشريعة الأخلاقية ( نستطيع أن نسميّها شريعة الضمير)، وهي شريعة ديناميكية متغّيرة  منفتحة للتقرب أكثر فاكثر نحو مصدر النور( يسوع المسيح) ، بينما الشريعة القديمة ،المكتوبة ، ساكنة ومنغلقة لا تعترف بالتغيير . فمثلا  في العهد القديم  ، أو حتى في العهد الجديد ، لم يكن هناك مفاهيم متبلورة عن  مشكلة تلوث البيئة أومسألة الغنى الفاحش والظلم ألأجتماعي وتجارة المخ*د*رات والتجارة بالأطفال والعلوم الحديثة التي تشجِّع البعض على اجراء تغييرات وراثية في جينات الأنسان أو المخلوقات ، وهكذا مسالة الأجهاض ….الخ . بينما اليوم هذه أصبحت خطايا مميتة تشجبها الكنيسة الجامعة ، فليس كُلِّ شيئ مكتوب في الكتاب المقدس ، ولكن الرب يسوع المسيح أعطانا شريعة الروح ، لأنّ الروح القدس  الذي يسكن في المؤمنين ، يرشدهم الى الحق ، وبه نستطيع أن نحكم على ما هو خير وما هو شر .  وهكذا نستطيع أن نقول مع كاتب العبرانيين ، عن العهد الجديد :” وهذا هو العهد  الذي أُعاهد عليه إيّاهُ بني إس*رائي*ل ، في ألأيّام ألآتية ، يقول الرب : ساجعلُ شرائعي في عقولهم وأكتبها في قلوبهم “عبرانيين 8 : 10 ” .
يسوع المسيح قلب مفاهيم هذا العالم ، الذي كان يؤمن بالعدالة في الفعل ورد الفعل المساوي له ، حتى في جرائم الق*ت*ل ، لهذا يدعونا المسيح في عِظَّتهِ على الجبل ، الى البحث عمّا هو أعمق والسعي الى ماهو أسمى ، فهو جاء ليضع مفاهيم جديدة عن العدالة  ليقول للمؤمنين بشريعة العين بالعين والسن بالسن ( تلك الشريعة التي تحاول الحد من سفك دم ألأخوة في الأنسانية ، ولكن هي شريعة لا تعالج لب وجذور المشكلة الأنسانية ) أنَّ الق*ت*ل هو من نتائج الغضب ، فحتى الغضب هو خطيئة يستحق من يغضب على أخيه ألأنسان المحاكمة “متى 5 :21، 22”.
 وهو الذي غيّر مفهوم العالم عن الطهارة والنجاسة ، فالطهارة تكون من الداخل وليس من الخارج “مرقس 2 :23 –28
 هكذا بالنسبة  للزنى في مفهوم العهد القديم الذي كان ينص على أنَّهُ من الخطأ أن يمارس أحدٌ الجنس مع أيُّ شخص غيرُ شريك الحياة بينما جاء المسيح ليقول : حتى الشهوة الجنسية مع شخص آخر غير الشريك فهو زنى فكري ، وبذلك هو خطية ، فاذا كان الفعل خطية ، فالنية أيضا خطية ، والأمانة مع شريك الحياة  بالجسد ، ولكن ليس  بالفكر ، أيضا  هي خيانة للثقة الحيوية للزواج السليم “من نظر الى أمرأةٍ ليشتهيها ، زنى بها في قلبه “متى5 : 28
 
عندما يتمرّض الأنسان عليه أن يذهب الى الطبيب لكي يعالجه ، هكذا يسوع المسيح هو الطبيب الأعظم ، كما هو الثائر ألأعظم ، يعالج جذورأمراضنا الجسدية والنفسية والروحية . فكما الطبيب الحكيم عندما يشخص الأنسان المريض عليه أن لا يعالج مرضه دون التفتيش عن أسباب وجذور هذا المرض فيسأل (الطبيب ) المريض أسئلة عن الأمراض الوراثية للمريض التي أنتقلت من الأب او ألأم أو حتى الأجداد  لكي يعرف جذور المرض ،  هكذا سيسأل عن البيئة التي يعيش فيها المريض وعن ألأمراض التي عانى منها هذا المريض في مراحل حياته …..الخ ، عندها سيقوم هذا الطبيب الحكيم بمعالجة المرض بعد اطِّلاعه على جذور الأسباب التي أدت الى اصابة المريض بهذا المرض  . وهذا عينه ما فعله ويفعله يسوع المسيح في حياة الناس فهو يقلع  الخطيئة من جذورها فيعالج الخطيئة وليس نتائجها  ، هذه الخطيئة التي تجذَّرت في الطبيعة  الأنسانية عبر التاريخ  وقادت الأنسان الى الموت الروحي ، وتقوده الى إرتكاب الجرائم والمظالم بحق أخيه ألأنسان .
 
ثورة المسيح هي ثورة ضد التقاليد والعادات التي تجعل الأنسان يعيش في كهوف الماضي المتخلف وضد ألأستبداد والطبقية والعنصرية والأنانية . هي ثورة ضد المفاهيم الخاطئة التي كانت تقيّم الأنسان على أساس الغنى والمقام الرفيع والمعرفة والعلم والفكر المتعالي  ، فيسوع المسيح جعل الكل سواسية لا فرق بين أُميّ ومتعلم ولا فرق بين فيلسوف وجاهل ولا فرق بين ملك وجندي أو بين سيد وعبد أو بين رجل وأمرأة ، أو بين كبير وصغير، و بين رجل دين او مؤمن بسيط: ، فهو كسر جميع الحواجز التي أقامتها البشرية بين ألأنسان وأخيه ألأنسان ، فيسوع المسيح  أعادنا الى حقيقة أساسية الا وهي أنّ جميع الناس هم خليقة الله ، ويحملون صورة الله على هذه ألأرض  “تكوين 1 26″ . يسوع المسيح أيقض البشرية من سباتها الطويل عبر آلاف السنين ، ليعطي قيمة حقيقية للأنسان كونه صورة الله على هذه ألأرض ، وللأنسان سلطة من الخالق ليكون سيد هذا الأرض ، لا بل أعطى المسيح قيمة للأنسان لا يصدقه العقل ولم تسمع به اذن ولم تراه عين ، عندما وعد البشرية بارض جديدة وحياة جديدة فيها يغمرنا بمحبّته وحنانه لنكون إخوته في مملكة أبيه السماوي التي لا تنتهي حيث لم يبقً للموت وجود ، ولا للبكاء ولا للصراخ ولا للألم .. ” رؤيا 21 : 4″ ، وأعطانا نعمة لا نستحقها وهي حياته لكي نتشبه به في حياتنا  ويكون قدوة لنا بل مثالا نحتذي به لنستطيع أن نسموا الى العلى والى الأنفتاح على أخوتنا في ألأنسانية  وألأنفتاح على الكون ، لأنّه هو مركز هذا الكون وهو يدعونا الى وليمته الأبدية .
يقول جبران خليل جبران  في كتابه” يسوع إبن ألأنسان “:
“كان يسوع المسيح إنسانا حرا متمردا على التقاليد الدينية والاجتماعية، يعشق الفرح ويحمل إلى الناس رسالة الغفران والمحبة والجمال …لم يهبط يسوع من دائرة النور ليهدم المنازل ويبني من حجارتها ألأديرة والصوامع ، ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوسا ورهبانا ، بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحا جديدة قويّة تقوض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم وتهدم القصور المتعالية فوق القبرو وتسحق ألأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين . لم يجيء يسوع ليعلِّم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار ألأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة ، بل جاء ليجعل قلب ألأنسان هيكلا ونفسه مذبحا وعقله كاهنا ، هذا ما صنعه يسوع الناصري وهذه هي المبادئ التي صُلب لأجلها مختارا
….. عاصفة جاءت تزعزع كُلِّ شيئ لترده الى أُسُسِه ألأصلية … لم يكن يسوع طائرا مكسور الجناحين بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع ألأجنحة المعوّوجة ، لم يجيء يسوع من وراء الشفق ألأزرق ليجعل ألآلام رمزا للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزا للحق والحرية ….كان يسوع حُرّا على رؤوس ألأشهاد جريئا أمام الظلم والأستبداد ، يرى البثور الكريهة فيبضعها ، ويسمع الشر متكلِّما فيخرسه ، ويلتقي الرياء فيصرعه   ” .” جبران خليل جبران- يسوع إبن ألأنسان ” .
جاء يسوع ليكشف لنا زيف “التدين الخارجي” التي بها يتُم استغلال الناس البسطاء من قبل رجال الدين المرّائين والمتاجرين بالدين ، الذين يُظهرون للناس صالحين وباطنهم كُلُّهُ رياءٌ وشرٌّ “متى 23 : 28 ، وللأسف لازال الكثيرون منهم ، الى يومنا هذا ، يستغلون المؤمنون البسطاء  بمكرهم وخداعهم وتظاهرهم بالتدين والظهور بمظهر التقوى ، بينما هم من الداخل كالقبور المتكلِّسة . جاء يسوع ليقول لهؤلاء المتاجرين  بالدين: “بيتي بيت الصلاةِ ، وأنتم جعلتموهُ مغارة لصوصٍ “متى 21 : 13 ”  
إنَّ طريقة يسوع المسيح للحياة بموجب قيم الملكوت (ألأبدية ) يناقض طريق وقيم هذا العالم (الوقتية) . فالذي يريد أن يتبع المسيح يجب عليه أن يكون مستعدا للعطاء ، بينما يأخذ ألآخرون ، وأن يحب بينما يكره الآخرون ، وأن يُساعد بينما يسيء ألآخرون ، وأن يبذل كُلِّ جهده ليكون المسيح  مثلا وقدوة له  ويكون نورا يعكس شعاء نور المسيح  .  هكذا يطلب يسوع المسيح من الذين يتبعونه بأن يفرحوا حيث الأضطهاد ، لأنَّ السعادة الحقيقية  هي السعي وراء فرح الرب الذي لا يضعف أبدا،”متى 5 : 3 -12 ”   .
ثورة المسيح لا تنتهي في زمان او مكان فهي ثورة مستمرة طالما الأنسان يشدو الى الكمال ، الى المجد ، الى السعادة ، الى السلام  ، الى الأبدية ، فهي ثورة متجددة تسعى الى الجمال الذي لا يزول والى الديمومة والأستمرارية في التغيير نحو ألكمال والحياة ألأفضل في السماء الجديدة وألأرض الجديدة .

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

 

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!