مقالات دينية

عيد مولد مريم العذراء الفائقة القداسة

عيد مولد مريم العذراء الفائقة القداسة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

عزم الله أن يخلق ليسوع شعباً مؤلفاً من عدد غفير من البشر المصنوعين على صورته ومثاله حتى يصبحوا له أخوةً وأتباعاً . كان الجنس البشري يبتدى برجل واحد وإمرأة واحدة ومنهم تتكاثر البشرية . لكن سقطة آدم كانت متوقعة لدى الله ، ومعه سقطت كا ذريته لكن بإستثناء العذراء مريم التي لم تكن خاضعة لهذا المرسوم لأنها كانت في فكر الله قبل أن يخلق آدم وذلك لكي تصبح مكاناً مقدساً طاهراً لسكنى الكلمة المتأنس . وبهذا حدد الله الدواء لسقطة الإنسان .

  تقول الآية ( إنما خرجت من فم العلي بكراً قبل جميع المخلوقات ) ” سير 5:24 ” ومريم قبل أن تلدها أمها لها وجود في أسفار العهد القديم وكأنها مولودة ، فتقول في سفر الأمثال عن نفسها ( أن الرب خلقني أولى طرقه قبل أعماله منذ البدء ) ” 22:8 ” إذا العذراء موجودة في مخطط الله قبل آدم ، وقبل السقوط ، لهذا لا تشملها لعنة الخطيئة الموروثة من الأبوين ، بل حبل بها بلا دنس تلك الخطيئة لتحل محل حواء الأولى . فعجنها الروح القدس لكي تكون خليقة جديدة تحل محل حواء الأولى ، بل حواء جديدة ، كلية القداسة بنعمة الله .

أما عن الأحتفال بعيد الميلاد فنقول : الوثنيون فقط يقيمون أعياداً وأحتفالات كبيرة يصرفون عليها أموالاً ويدعون لحضورها الكثيرون وكما فعل هيروس الملك في عهد المسيح فأقام وليمة كبيرة دعا اليها النبلاء وكبار قادته وكل أعيان منطقة الجليل ، كذلك كان يفعلون فراعنة مصر وبابل وغيرها من شعوب الأمم . اما في المسيحية فلا يجوز الأحتفال بعيد ميلاد أي مسيحي وإن كان قديساً ، لأن جميع المسيحيين ولدوا في الخطيئة ، فلا يستحقوا الأحتفال في يوم كانوا ملوثين بالخطيئة الأصلية ، وكانت نفوسهم تخلوا من الأستحقاقات السماوية ، فلا يجوز الأحتفال بيوم ميلادهم الجسدي ، بل عليهم الأحتفال بعيد ميلادهم الروحي ، أي يوم عمادهم الذي هو ولادة جديدة فيه يموتون مع المسيح ويقومون ليولدوا من جديد . يستثنى  ميلاد الرب يسوع الذي ولد بلا خطيئة فتحتفل به كل الكنائس ، وكذلك أمه البتول مريم الفائقة القداسة فأمرُها يختلف عن كل البشر أبناء آدم الخاطىء ، لأن الله الذي اأصطفاها من كل نساء العالم لتكون هيكلاً مقدساً منها يأخذ إبنه الإله جسده ليولد بيننا ويتجسد فينا ، لهذا كرمها الله بولادة تختلف عن كل البشر وهي ( الحبل بها بلا دنس ) لتولد مكملة بالنعمة الإلهية ، ورائعة في جمال نفسها وجسدها . فلا يجوز أن تكون كباقي البشر ، أو نعاملها كباقي النساء ، لأنها ( أم الله ) فكم يحق لأبناء الكنيسة المقدسة أن تكرمها .

   أنعم الله القديسة حنة بمشاهدة رؤيا سامية ، وقال لها ( يا حنة خادمتي العزيزة لقد حان الوقت الذي سيصبح فيه ابني إنساناً ليخلص البشر . ويجب أن يولد من إمرأة ستبقى عذراء نقية مع كونها أماً وسترتقي بفضل هذا الشرف الرفيع فوق سائر المخلوقات وها أنا أجعلكِ الآن أماً لها ) .

 تحتفل الكنيسة المقدسة بيوم ميلادها الذي يصادف في ( 8 أيلول من كل عام ) وهو فعلاً يوم ميلادها وكما أخبرت العذراء للرائية ماري داغريدا فكتبت لنا ( في الثامن من أيلول علمت القديسة حنة بأنها ستحصل أخيراً على الولد الذي طالما انتظرته بعد صلوات كثيرة . ورفعت إلى الله هذه الصلاة بعد الولادة وقالت ” يا خالق جميع الكائنات أني أشكرك وأقدم لك أبنتي هذه التي حصلت عليها بفضل صلاحك . تصرف كما تريد بالإبنة وأمها ، وكن مباركاً على الدوام لأنك قد هيأت في داخلها مسكناً للكلمة الأزلي ، ولكن كيف أن أتصرف نحوها وأنا لست بأهل أن أكون خادمة لها ” ) . .

   قبل أن ندخل في تفاصيل يوم ميلاد العذراء بالجسد علينا أن نتناول أولاً سيرة حياة والديها القديسين جدّ ي يسوع ( يواقيم وحنة ) اللذان كانا من سبط يهودا ، ومن نسل داود الملك ، وكانا باريّن أمام الله سالكين في طرقه ووصاياه . ولم يكن لهما ولد لأن حنة كانت عاقراً . وكانا يرفعان الصلوات إلى الله  فنظر إليهما في أيام شيخوختهما فحقق أمال حياتهما . قالت الطوباوية ( ماري داغريدا ) الأسبانية بأنها تلقت إيحاءات من العذراء مريم لتنقل لها تفاصيل ولادتها نشرته في كتاب عنوانه ( مدينة الله السرية ) نختصر موضوع الحبل بها والولادة بما يلي :  أرسل الله اولاً ملاك جبرائيل إلى يواقيم بشكل بشري بينما كان مستغرقاً بثبات الصلاة الطويلة لكي ينظر الله إلى مذلته ، فقال له :  أفرح أيها القديس لأن إمرأتك سوف تلد لك أبنة ستسميها ( مريم ) بأمر الله الذي كشف للملائكة أنه رسم منذ الأزل ان يعطي للأم والأبن إسمي ( مريم ويسوع ) وفيهما قد وضع إعجابه وأنتهى الى القول : إن أسم مريم يجب أن يُمجد على أكمل وجه ، والذين يبتهلون إليه بتقوى حقيقية ينالون نعماً غزيرة .  والحبل بها من القديسة حنة هو بداية لسر تجسد المسيح فالأبنة التي ستلدها هي هدية السماء لهما وللعالم كله والتي فاقت كمالاً وجمالاً وأناقة ونعمة ومجداً كل من سبقها من النساء المجيدات في العهد القديم . فقد فاقت سارة بإيمانها ، ورفقة بلطفها ، وراحيل بجمالها ، ومريم بنت عمرام أخت موسى وهارون بتقواها وطاعتها ، ودبورة بشجاعتها ، ويهوديت بغيرتها ونقاوتها ، وراعوت بتواضعها ، وأستير بتسلطها على قلب الله ، لذلك أختارها الله من كل نساء العالم لتكون أماً لأبنه الحبيب وشريكة في سر إفتداء البشر .

  ولدت مريم العذراء في أورشليم ، في جوار هيكل سليمان وبركة بيت حسدا ، في المكان المدعو اليوم ( مدرسة القديسة حنة الأكليريكية ) المعروفة ب ( بالصلاحية ) وهذا المكان اليوم هو مُلك للدولة الفرنسية ، وفيه أنشأ الكردينال لافجري مدرسة أكليركية يتخرج منها عدد كثير من كهنة البطريكية وسائر الأبرشيات والرهبانيات التابعة للكنيسة الكاثوليكية الملكية .

   لقد ملأ الروح القدس مريم من النعمة ( لو 28:1 ) من أول لحظة التي كوّن نفسها وضمها إلى جسدها النقي في أحشاء والدتها حنة ، فكان يوم ميلادها يوم فرح لا يوصف لوالديها ، كما ابتهجت به في السموات أجواق الملائكة ، واعتنت حنة بإبنتها مريم عناية الأمهات القديسات بخير البنين والبنات . وهل كان لمريم أخت أخرى أنجبتها حنة بعدها ؟ تفسر بعض الطوائف الاية ( وهناك عند صليب يسوع ، وقفت أمه ، وأخت أمه مريم .. ) ” يو 25:19 ” . بأن للعذراء أخت أخرى أسمها مريم ، لكن لا يوجد أي أدلة في تاريخ الكنيسة والسنسكار وفي أقوال القديسين أي إشارة لهذا الإدعاء ، بل مريم تلك كانت قريبتها.

      الكنيسة المقدسة تأملت بأوصاف مريم البتول المجيدة ، وفي نتائج مولدها للجنس البشري ، تشيد بهذا الميلاد الشريف قائلة ( أن يواقيم وحنة من عار العُقرِ أطلقهما ، وآدم وحواء من فساد الموت أعتقا ، بمولدك المقدس أيتها الطاهرة ، فله يعيّد شعبكِ أيضاً ، وقد أنقذ من تبعه الزلات صارخاً إليك : ( العاقر تلد والدة الإله مغذية حياتنا ) .

   ما أحلى وما أبهج ما تهتف به كنيستنا الشرقية في نشيد في يوم ميلاد أمهم البتول مريم ( ميلادك يا والدة الإله بشّر بالفرح المسكونة كلها ) . فإن هذا العيد هو حقاً عيد الأفراح والمسرات في السماء والأرض ، فالسماء فرحت لأن أم العلي ولدت ، والأرض أبتهجت لأن خلاص العالم بدأ يتحقق ويسوع الإله سيتجسد في عالمنا المنظور .

 أبناء كنيستنا الشرقية كثيرة العبادة للبتول مريم فخصصت لها أعياد كثيرة . منذ القدم تقيم الكنيسة  تقيم عيداً ليوم ميلادها ، إلا أن القديس إندراوس الأورشليمي أسقف كريت ( 720 ) هو أول من ترك لنا خطابين في عيد ميلاد البتول . والأخولوجيون المدعو كتاب الأسرار الجيلاوي ، ومن أوائل القرن الثامن يذكر أن بلاد الغربية كانت تحتفل بهذا العيد . ومما لا ريب فيه أن هذا العيد تحتفل به الكنيسة كلها شرقاً وغرباً منذ القرن العاشر . وكنيستنا الكلدانية تحتفل بعيد ميلادها في يوم 8 أيلول من كل عام . تضرعي لأجلنا يا أم النور لكي نستحق مواعيد المسيح

المصادر

  • الكتاب المقدس
  • مجلد أمجاد مريم البتول للقديس ألفونس دي ليكوري
  • كتاب ( مدينة الله السرية ) للطوباوية ماري داغريدا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!