الحلقة السابعة في سلسلة التعليم المسيحي للبطريرك ساكو (سر الكهنوت)

الكاتب: المشرف العام
 
الحلقة السابعة في سلسلة التعليم المسيحي للبطريرك ساكو (سر الكهنوت)
 
كنا قد نقلنا بعض الحلقات التي يعلِّم من خلالها غبطة البطريرك ساكو ، التعليم المسيحي ، وكان قد ركز في الحلقات الاولى على اسرار الكنيسة
واليوم يتناول في الحلقة السابعة سرا مهما من اسرار الكنيسة ويسلط الضوء عليه وعلى دوره في بناء الكنيسة فتطرق الى الفريق الاول من خدام الكنيسة والمتمثل بالرسل والانبياء والمعلمون ويركز بعدها على الفريق الثاني والمتمثل بالخدام المرسومون.
وفيمايلي النص الكامل لمحاضرة غبطته:
 
الكهنوت الخاص والكهنوت العام: الكهنوت الخاص أو الخدميّ سرّ مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا  ببقية الأسرار بكونه القناة الطبيعيّة لمنحها. فعندما اختار يسوع الاثني عشر رسولاً من بين تلاميذه العديدين أفرزهم للرسالة: ” ولمَّا كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سمَّاهم رُسلاً “( لوقا 6/13 )، انهم يمثلون شعب الله الجديد( 12 سبطاً!)،  واعطاهم السلطان:  ” ألحق اقول لكم كل ما تربطونه على الارض يكون مربوطًا في السماء. وكل ما تحلونه على الارض يكون محلولاً في السماء” ( متى 18/18).  وأوصاهم قائلا: ” اذهبوا وتلمذوا جميع الامم، وعمّدوهم باسم الاب والابن والروح القدس، وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به ( متى 28/ 19-20).  الكهنوت الخدميّ  يقود الكنيسة بالروح والحق بالرغم من ضعف اعضائها.
الكهنوت الخدمي يختلف عن الكهنوت العام أو الملوكي الذي يُشير اليه العهد الجديد: ” أما انتم فشعب مختار وكهنوت ملوكي” ( 1 بطرس 2/4،الرؤيا 1/6). الكهنوت العام يؤكد عضويّة المؤمنين الكاملة في الكنيسة، ولا يناقض مطلقا الكهنوت الخدمي، أي انتداب اشخاص مقتدرين للقيام بخدم خاصّة. كل الاعضاء مدعوون الى اكتشاف المواهب التي منحهم اياها الروح القدس لبنيان الكنيسة وخدمة لناس من دون استثناءً. كل اعضاء جسد المسيح  عليهم ان يجاهدوا في سبيل الحريّة والكرامة التي وعد بها. فمن الضرورة بمكان  ان تفهم الكنيسة دعوتها ضمن دعوة شعب الله الكاملة.
المواهب: Charisma يمنحها الروح القدس لكلِّ عضوٍّ في الجماعة في سبيل بنائها والمساعدة على اتمام دعوته ورسالته بشكل كامل.
 
 الخدم في الكنيسة الاولى
لم ينتهِ القرنُ الأول حتى كانت الكنيسة قد رسخت أقدامَها في فلسطين وسوريا وفي مناطق عديدة  من بلاد ما بين النهرين ومصر وآسيا الصغرى وروما. وأمام  ازدياد عددِ المؤمنين،  وظهورِ حاجات جديدة،  عمدت الكنيسة  إلى التنظيم مستفيدةً ممَّا هو قائم في اليهوديّة أو بتأسيسات جديدة . فبدأ التحرك أولاً بالاعتراف بقيادة الرسل، هذه القيادة التي بنيت على مجموعة اعتبارات: مرافقة المسيح، واختبار قيامته، والشهادة له.  إلى جانب هؤلاء ظهر فريق السبعة ( فريق المحبة)  للاهتمام بالفقراء؟ ثم الشيوخ ” القسس” (أعمال 14-23).
الفريق الأول  المواهبي: هذا الفريق كان يتكون  من الرسل والأنبياء والمعلمين، وكلُّهم في الأصل مواهبيون متنقلون(1كورنتس12/28 وافسس4/11).
   1-   الرسل . يمثلون شعب الله الجديد، هم الشهود المباشرون لقيامة المسيح، والناقلون الرسميّون لتعليمه، بينما الخدّام المرسومون يستمدون خدمتهم منهم.
   2-    الأنبياء. هم مواهبيّون من الدرجة الأولى. كانوا يتنقلون من جماعة إلى أخرى لتعزيّة المؤمنين ورفع معنوياتهم من خلال قراءتهم “علامات الأزمنة” وحثّهم على الثبات والامانة.
      3-         المعلمون . يعدون من المواهبييّن أيضاً،  يقومون بإكمال تعليم الأشخاص حديثيّ الإيمان ومتابعتهم وإرشادهم.
الكنيسة الأولى لم تكن تهتم بالألقاب بقدر ما كانت تحرص على اختيار اشخاص لهم مواهب ومقدرة تاركةً الروح القدس  يقود مسيرتها.
 
الفريق الثاني: الخدّام المرسومون
 الكنيسة حتى تكمّل رسالتها تحتاج الى اشخاص يكونون مسؤولين رسميا  عن تأمين استمرارها. هولاء الاشخاص تفوّضهم الكنيسة لهذه الخدمة من خلال الرسامة أي بدعوة الروح القدس ووضع الايدي.  هؤلاء الخدّام ليسوا معزولين عن الجماعة، بل هم متحدون اتحاداً وثيقًا بها، وبالمسيح مصدر واساس دعوتهم في قيادة شعب الله، خصوصًا في الصلاة والتعليم وكسر الخبز والتبشير والخدمة( أعمال 2/42-47، 6/2-6).
هذا الفريق تكّون شيئا فشيئا من الأساقفة،  والقسس(presbyteros الشيوخ)  والشمامسة، يدبرون الكنائس المحليّة ويتابعون سير أمورها، ويدافعون عن الإيمان المستقيم. في نهاية القرن الثاني تنتقل المركزيّة  الى الأسقف الواحد في الكنيسة المحلية محاطًا بفريق من القسس والشمامسة.  وترسم رسائل اغناطيوس الإنطاكي (سنة100) صورةً شبه كاملة للنظام الكنسي الهرمي الذي سيتكرس بشكل  قطعي:” اني لأرجو أن تفعلوا كلَّ شيء برئاسة أسقفكم كرمز لله، والقسس كرمز لمجمع الرسل، والشمامسة الذين احبهم كمؤتمنين على خدمة يسوع المسيح ” (مغنيسة 6/1).   نفس الرسالة تركّز على دور الأسقف ومكانته، فهو صورة الله، وممثل المسيح، والمسؤول المباشر عن الجماعة، ورمز وحدتها:  ” أن طاعتكم لا توجه إليه(الأسقف)، بل إلى الله الأسقف الجامع،أبي يسوع المسيح.  ينبغي أن تكون طاعتكم خالية من كل شائبة، لأن احترامنا هو لله الذي احبنا. فاذا خدعنا الأسقف، نكون قد كذبنا على الأسقف غير المنظور ” (مغنيسة 3/2) . وحدة الجماعة تتمثل في الطاعة للأسقف المحلي: “عليكم أن تكونوا برأي واحد مع أسقفكم في كل ما تفعلونه. ان مشيختكم المحترمة جديرة بالله، ومرتبطة بأسقفها ارتباط الأوتار بالقيثارة.  من المفيد أن تكونوا في وحدة لا تشوبها شائبة، فهي وحدة دائمة مع الله “(أفسس 4/1 ، تراليان 6 ، فيلادلفيا 3). وهو الشخص المختص بمنح الأسرار، وله السلطان في انتداب أشخاص آخرين للخدمة: ” لا يفعلن أحد منكم شيئا، بدون إرادة الأسقف. سر الشكر الذي يتممه الأسقف أو من أوكل أليه ذلك .. بدون الأسقف لا يجوز العماد ولا ولائم المحبة “(ازمير 8/1-2)          و ” على الرجال والنساء الذين يتزوجون أن يكون اتحادهم على يد الأسقف حتى يكون الزواج بحسب الرب “(إلى بوليكربس 5/2).
إننا نستشف من  هذه الرسائل  توجهاً تدريجيا  الى ما يسمى    بـ ” النظام الرئاسي- الملكي ” .       
في نهاية القرن الثاني تكاد تختفي ظاهرة الأنبياء، وتبلغ البنى الكنسيّة كمالَها وتتكرس الخدم الثلاث: الأسقفيّة والقسونيّة والشماسيّة ، شكلاً وتعبيراً، بحيث تغدو المرجع الوحيد لكلِّ ما يتعلق بالعقيدة والتعليم و الادارة( السلطة) وخدمة الأسرار.
1-   الشمامسة، تأسيس مسيحي خاص. والسبعة الذين يذكرهم لوقا في سفر الأعمال (6/1-7) يحملون أسماء يونانية. لم تنحصر خدمتهم في نطاق أعمال  المحبة ماديًّا، بل تخطّتها إلى التبشير، كأسطفانس(أعمال 6/11) وفيلبس (أعمال8/5). ويوجد  اليوم  بين متخصصي الكتاب المقدس من يرى إن هؤلاء الشمامسة كانوا يرئسون كنائس غير يهوديّة .
2-      القسس، اللفظة تعني المتقدم أو الشيخ  ويرعى الجماعة المحليّة ويخدمها ويدبّرها .
3-   الأساقفة، يسهرون على ” الكلام الصحيح”،  أي التعليم الصحيح ويشرفون عليه. ويعدّون خلفاء الرسل وباسمهم يرعون الرعايا الموكولة لهم.  
4-      رسالتهم الخاصة وسلطتم:
رسالتهم جمع أعضاء جسد المسيح وبنيانه من خلال اعلان ” الكلمة” والتعليم والتوجيه والمرافقة والخدمة والاحتفال بالاسرار.  وهذه الخدمة لا تمارس خارج الجماعة بل بترابط قوي ووثيق معها. فالخادم المرسوم هو الجامع والموحد للجماعة.
سلطتهم متجذرة في سلطة المسيح التي منحه ايّاها الله الاب ( متى 28/18) وتمنح  لهم في الرسامة. هذه السلطة هي للخدمة على مثال المسيح ( مرقس 10/45) وليست للسيادة والتسلط. لها طابع المسؤولية امام الله والكنيسة وتمارس بمشاركة الجماعة بمحبّة وحكمة.
اما الرسامة، فتتم في الكنيسة  وبشروط واضحة ينبغي مراعاتها وبحسب القوانين، وكلّ خادم  برتبته.
            
    البتولية والزواج: في بداية المسيحيّة، كان الكهنة في كل رتبّهم  متزوجين، ويزاولون عملهم الخاص،  يقينًا منهم ان الكهنوت خدمة مجانيّة، لكن  مع دخول الرهبنة بدأت حالة البتوليّة تفرض على الاساقفة اولا ثم على الاكليروس في الغرب، لكن  الشرق  بقي يحتفظ عموما  ببتولية الاساقفة، وترك الحرية لكهنة الرعايا قبل رسامتهم! واعتماد العزوبيّة هو للتفرغ المطلق للخدمة على مثال يسوع المسيح…