مقالات عامة

زرتُها بعد التحرير، واعِراقاه!

الكاتب: لويس اقليمس

زرتُها بعد التحرير، واعِراقاه!

بغداد، في 15 نشرين ثاني 2016

لويس إقليمس

في الطريق المتعثّر بين منطقة الخازر الفاصلة بين أربيل عاصمة إقليم كردستان، ومفرق برطلة -الحمدانية، الذي يبعد عن الموصل مسافة لا تتجاوز 20 كيلومترًا شمالاً، لا تتلقف العين على مرأى البصر، غير الخرائب وآثار الدمار وأدوات الحرب والتحصينات التي تركها تنظيم د*اع*ش الار*ها*بيّ الذي أحكمَ سيطرتَه على محافظة نينوى بأكملها واستماتَ في احتلالها لأكثر من سنتين منذ اجتياَحها في حزيران 2014 بشراذم قليلة من مقاتلين لا تجمعُهم سوى صفة التنظيم المتشدّد وأيديولوجية الانتقام والفكر المنحرف  الداعي للق*ت*ل والغلّ والكراهية تجاه مَن يقف أو يخالف أفكارَه وتوجهاتِه السلفية المتشددة.

ولأنّ موطنَ أيّ عراقيّ صادق في عراقيته ووطنيته، تبقى نافذة في ضميرِه ومحفورة في كيانِه ومغروزة في فؤاده، تمامًا مثل وطنه الأكبر، العراق، لذا لمْ يكن بدٌّ من القيام بزيارة بلدتي قره قوش، بعد أيام معدودات على تحريرها على أيدي القوات العراقية الوطنية الشجاعة، بالرغم من عدم انتهاء العمليات العسكرية في بعض أركانها بعدُ، وبالتحديد يوم الجمعة المصادف 4 تشرين ثاني 2016. وبلدة قرقوش، المعروفة تاريخيًا بالتسمية الآرامية “باخديدا” (الأصل من بيث خديدي)، أو كما اعتاد عليها الأهالي بلفظها” بغديدا”، فهي تعني “بيت الشباب”. أما التسمية الحديثة “قره قوش”، فقد طالتها على زمن حكم السلاطين العثمانيين، وهي تعني “الطائر الأسود”، استنادًا إلى تسمية آرامية ثانية عرفتها البلدة (بيث ديتا) التي تعني (بيت الحدأة) بحسب البعض، ويُعتقد أنّه انطلاقًا من هذه اللفظة جاءتها التسمية الحديثة على زمن العصملّية.

وهناك مَن يعتقد أنّ باخديدا هي ذاتُها مدينة “راسن” المذكورة في كتاب العهد القديم المقدس، أي التوراة، بحسب البحاثة الفرنسي أوبيرت، أو أنها قريبة من موقع آشوريّ قديم آخر يحمل نفس الاسم ويتبع البلدة إداريًا. ذكرها ياقوت الحموي في كتابه الشهير “معجم البلدان”، وقال فيها: “باخديدا قرية كبيرة كالمدينة، ومن أعمال نينوى، في شرقيّ مدينة الموصل، والغالب على أهلها النصرانية”. تقع هذه البلدة المسالمة جنوب شرقيّ الموصل وعلى مبعدة 32 كيلومترًا منها تقريبًا. تحيطُها بلدتا كرمليس وبرطلة المسيحيتان وقرى شبكية وعربية كثيرة. واعتاد أهلُها العيش بسلام مع جيرانهم منذ أجيال وقرون وفي جوّ من الألفة والتفاهم والتعايش السلميّ إلاّ ما ندر. وحين احتلالها في 6 حزيران 2014، كان تعدادُها يربو على خمسين ألف نسمة. وهذا يُعدّ أكبر تجمّع مسيحيّ في العراق والشرق على الإطلاق. بل كانت قلعة السريان وقبلة جميع المسيحيين، وعليها جرت بالأمس، وتجري اليوم المراهنات والمساومات وقصص بيعها واقتطاعها مع جيرانها في البلدات المجاورة في سهل نينوى المانازَع عليه.

اليوم هي أشبه بمدينة أشباح، تبكي حظَّها العاثر وتعيد في ذاكرتها ما تعرّضت له عبر التاريخ منذ قرون خلت، من حملات وهجمات وغارات من جيرانها المحليين والإقليميين من عرب المنطقة، وأكراد شمال العراق، وأتراكٍ على عهد الدولة العثمانية سيئة الصيت، والأسيويين المغيرين الغزاة من المغول على أيام جنكيزخان وهولاكو. هجرها سكّانُها قسرًا وتشتتوا في الداخل وفي بلدان الاغتراب، أملاً بعودة سريعة وميمونة، إلى أرض الآباء والأجداد، حيث ذكريات الأمس الجميل وقهقهات قهاويها النابضة بالحركة الدؤوبة اليومية، ومراكزها الأدبية والفنية المتميّزة، وكنائسها الممتلئة بالمصلّين أيام الآحاد والمناسبات، تمامًا كما في الأيام الاعتيادية من الأسبوع. أصبحت بعد السقوط، لقمة سائغة للفرقاء السياسيين وبضاعة للمتاجرة والمساومات بين الكتل السياسية والسياسيين والمتنفذين فيها بحسب الأجندات التي يوالون لها ويتلقون منها التمويل والتلقين والمقسوم. فهي عراقية سريانية في هويتها، ولا تمتّ بصلة إلى أصلٍ فرضَه ويسعى لفرضه الأسطونُ الكرديّ بشتى الوسائل، لا لغة ولا توجهًا ولا فكرًا ولا سياسة، بل هي أقرب إلى العربية منها إلى الكردية. فاللغتان السريانية والعربية من اللغات السامية، وفيهما تداخلٌ في اللفظ والطعم وعذوبة الكلام وفي التعبير وفي مختلف الفنون. لكنّ عربَ الجوار، قد خانوا الخبز والملح وأصول الجيرة وأغاروا عليها وشاركوا في سلبها ونهبها وتدميرها حالَ اجتياحها من قبل تنظيم “د*اع*ش” الار*ها*بي الذي أحالَها إلى مصيرٍ مجهول، بعد تخلّي حارسها الدّعيَ وتسليمها لقمة سائغة لمَن سالَ لعابُه لها ووجدَ فيها ضالَّتَه المنشودة، انتقامًا وقهرًا ونهبًا وسلبًا وحقدًا وكراهيةً وحرقًا وتجريفًا. بل، وراح يسمّي حتى الشوارع فيها والأحياء التي تدنّست بأقدامهم بأسماء مجرميها وقيادييها الأغراب.

لستُ هنا بصدد وصف هذه البلدة العراقية الأصيلة التي تعرّضت مثل غيرها من قرى ومدن وقصبات محافظات عراقية عديدة على أيدي تنظيم د*اع*ش الار*ها*بي الذي عاث في الأرض فسادًا وتحطيمًا وتدميرًا وق*ت*لاً وذبحًا وسبيًا واغ*تصا*بًا وتشريدًا وتهجيرًا لمواطنين وبشر لا ذنبَ لهم سوى اختلافُهم في الرؤية والفكر والأيديولوجية المتخلّفة التي يحملُها أتباع هذا التنظيم الدوليّ المجرم. فالجرائم التي اقترفها أفرادُه المقاتلون الذين لا تجمعُهم سوى سمات الق*ت*ل والدمار والحقد والكراهية ضدّ المختلفين عنهم، ترقى إلى الإبادة الجماعية والفصل العرقيّ والدينيّ معًا، كما ورد هذا الوصف في قرار مجلس الوزراء العراقي بجلسته العاشرة في 18 تشرين ثاني 2014، وفيها عدّ ما تعرض له أتباع الأقليات من آيزيديين وشبك ومسيحيين وكاكائيين في سهل نينوى وسنجار، جرائم إبادة جماعية.  

وما يحزّ في النفس، أنّ التنظيم وأتباعَه من قرى الجوار، لم يتركوا بابًا مغلقًا في جميع المنازل والمؤسسات من دون استثناء، إلا وفتحوه بشتى أدوات التخريب والتدمير. بل زادوا من شدّة الغلّ والكراهية بقيامهم بحرق الدور ومؤسسات الدولة على تنوّعها، وتدنيس مساكن الله وتحطيم وتكسير رموزها التي تستغيث بالخالق الطيب الذي يدّعي هؤلاء الأوباش عبادتَه والتلفّظ بصفته الجلالية كلّما اقترفوا إثمًا بق*ت*ل النفس البريئة التي حرّمها: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [سورة المائدة ـ الآية 32] و(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [سورة النساء ـ الآية 93]. فالنصارى (المسيحيون) مؤمنون بالله الواحد الأحد، هذا الذي يدّعي عبادته هؤلاء وأمثالُهم. لقد ضرب هؤلاء المغالون في الدّين وتطبيقاته، أعداءُ الإنسانية، كلّ نداء إنسانيّ وإيحاء قرآنيّ يدعو للرحمة عرضَ الحائط. بل وأنكروا كلّ التعاليم السمحة التي نادى بها الدّينُ الحنيف أيامَ نشأته الأولى في مكّة، دينًا صحيحًا للإسلام المعتدل وللمسالمة والعدل والمحبة والتعايش والأخلاق، وتشبثوا في غيّهم بالناسخ منه الذي ورد في المدينة فقط، تاركين الأصل كما ورد في أيام “الوحي” المدّعى. وراحوا ينتقون ما يحلو لأفكارهم المنحرفة مستندين إلى أحاديث منقولة مشكوك في صحة نقلها وشخوصها ومواقعها وأسبابها وظروفها. وكلّ ذلك ضمن اجتهادات انتقائية لا تخلو من كراهية في عمومها، تجاه الغير المختلف عنهم. بل إنّ بعضًا منها تناقلتها شخوصٌ متأخرة، وزيد عليها ما يتفق مع ظروف الحاكم والمحكوم، ما يحيلُها إلى مادة تفتقر للرصانة والمعقولية.

 لقد كانت صدمة الزيارة للقاطع والبلدة كبيرة، بهولها وفي بشاعة الجرم ومدى الدمار والخراب الذي لاحظتُه على مرمى البصر، حين تجوالي في هذه البلدة المعروفة بأصالتها التاريخية المتجذّرة في حضارة نينوى الآشورية، وبهويتها العراقية المعاصرة، وبتراثها المتميّز وتاريخها الزاخر، شأنها شأن أية قرية أو بلدة في نينوى العريقة، تمامًا كما بتميّزها في مختلف فنون الإبداع، ثقافةً وأدبًا وشعرًا وكتابةً ومسرحًا وما سواها. ولا أكتمكم الوصف، أنّي لم أعد قادرًا للتحقق من الكثير من ملامحها التي غارت واختفت، وغيرها التي افترشتها كومُ الخرائب وأبدان السيارات المحترقة، وانتشرت فيها السواتر الترابية في الشوارع الرئيسة والفرعية وفي أحيائها المتقطعة بشتى العوارض. مناظر مأساوية بحقّ، تحكي قصة بلدة منكوبة، هي مثالٌ لكثير من أمثالها التي نالت قسطَها من الدمار على أيدي غول العصر، كارهي الحياة والإنسانية، نعمةً وحجرًا وبشرًا.  

تلكم كانت فألَ سيّء بما سألقاه من دمار ومآسٍ من نوعٍ آخر حين تفحصّي مساكن ودور وبنايات كانت بالأمس آهلة ببشرٍ مسالمين يحبون الوطن، أرضًا وشعبًا، واليوم وجدتُها ركامًا أو هياكل عارية وفارغة تعاني من آثار نيران حديثة الاحتراق، أشعلَها أعداء الإنسانية زيادةً في غلّهم وحقدهم وكراهيتهم، بعد أن سكنوها طيلة فترة اجتياحهم لها. وكلّ هذا بسبب انتماء أبناء هذه المدينة وما حواليها إلى دينٍ مختلف عن المعتقد الذي يتبنّونه ويعدّونه الأصحّ والأولى بالاتباع دون غيره. وحين تفقدي لداري، لم يساورني الشك أني سألقاه منهوبًا ومسلوبًا ومحترقًا، إلا من هيكله وبعض جنباتِه التي كُتب لها الخلاص من الحقد الأسود.   

أهكذا يقرأ السلفيون المغالون المدّعون عبادة الله الواحد الأحد، ويفهمون تعاليم الدّين الذي يدّعون تنزيلَه من السماء حكرًا وحصرًا دون غيرِه؟ حتى بيوت الله لم تسلم من فضاعة مسلّحي هذا التنظيم الإجراميّ الأسود في ضميره وقلبه، هذا إن كان لأتباعه الأوباش ومَن يواليهم ويمولهم ويساندهم من صفةٍ لضمير وقلب وبشر! لقد حوّلوا باحة أكبر كنيسة في العراق وربما في الشرق، كنيسة الطاهرة الكبرى، إلى ميدان للرمي والتدريب، فتحطمت الجدران وسقطت الأعمدة وزالت المعالم. أما داخل هذه الكنيسة، فحدّث ولا حرج. فقد تمّ حرقُها بالكامل بما فيها وتفحمت الجدران، فتعالت أدخنة السُخام الأسود بين جنباتها لغاية سقفها العالي الذي يرتفع لأكثر من خمسة عشر مترًا وسط أعمدة رخامية هائلة تم تشويهّها بكتابات وعبارات تريد القول: “لا كنائس بعد اليوم”. فيما تمّ تحطيم الصلبان وتدنيس الرموز الكنسية بطريقة ملفتة، ومنها المجرسة الكبيرة، عنوان البلدة التي كانت تضاهي ساعة كنيسة الإباء الدومنيكان في منطقة الساعة بالموصل، التي سبق أن حوّلها التنظيم في وقت سابق إلى ركام وجرفها ومسحها مع الأرض، دلالة على مدى الكراهية والغلّ والحقد ضدّ النصارى/ المسيحيين، الذين بهم وبغيرهم من اليهود والصابئة، أوصى الرسول خيرًا، وبعده الخلفاء الراشدون ساروا على ذات النهج التسامحي.

 والأنكى من هذا وذاك، حين تطال يد الحقد الأسود التراثَ والثقافة والعلم. فلم يتورّعوا إذ حوّلوا وسط باحة الكنيسة الكبرى التي فيها يجري احتفال شعلة سهرة عيد الميلاد سنويًا، إلى محرقة للكتب المقدسة وكراريس الصلوات والمخطوطات الثمينة التي لا تقدّر بثمن، من سريانية وعربية. وقد تمكنتُ من نبش الركام المحترق لأعثر على بقايا كلمات نيّرة تنطبق على أمثال هؤلاء وممّا فيه القول: “بل تجاهلتَ فأطبقتَ عينيك وسددتَ أذنيكَ وأغلقتَ قلبَك لئلا تبصر بعينيك، وتسمع بأذنيك، وتفهم بقلبكَ وتتوب. واحسرتاه! لقد خسرتَ الحياة من حيث ظننتَ ربحتُها”. وسوف أحافظ على بقايا هذه الوريقات المحترقة شهادة للذكرى لأجيالٍ قادمة، كي لا تُنسى آثار الج#ريم*ة.

أية إشكاليّة في الفكر والمنهج والتطبيق، هذه التي يعتقد بها هذا التنظيم المجرم وأشباهُه بكلّ القياسات، في زمن العولمة والعصرنة والحداثة والتطوّر؟ وأيّ فكرٍ منحرفٍ هذا الذي ينوي إلحاق الأذى بكلّ ما تقع عليه أعينُهم العمياء وقلوبُهم السوداء وآذانُهم الصمّاء، في سلوكياتهم الإجرامية اليومية، وبسببه يصرّون على إلغاء الآخر المختلف، ورفض لغة الحوار والتفاهم والإنصات لصوت العقل والحكمة والرويّة؟ فمن أين أتى هؤلاء الأغراب عن الإسلام وايّ معتقد يعتنقون وأية أفكار بالية يحملون؟

نحن اليوم على مفترق طرق، إمّا الحياة الشريفة ولغة الحوار والتفاهم والتعايش والرفاه وبناء دولة مدنية خالية من الأفكار الظلامية في المناهج الدراسية وفي سلوك الحياة اليومية ومن ثقافة إلغاء الآخر المختلف، أو الموت الزؤام على أيدي غول العصر وأمثالهم، من الذين فاقوا المغول في وحشيتهم وكراهيتهم وحقدهم. إنها دعوة صريحة لمراجعة مكامن الخلل وتحليل الأسباب التي أتت بأمثال هذا الوحش الكاسر ليق*ت*ل الفكر ويغسل الدماغ ويحطّم العقل ويغيّب العلم والثقافة والفنّ والحضارة بأفكار بالية وخرافات دينية لا تمتُّ للعقل والحكمة والمنطق والإنسانية بصلة. وهذا يستدعي ضرورة تبني نظام مدني يحترم القيم الدينية والإنسانية والمجتمعية المختلفة من غير أن يقحم الشأن الديني ويقرنها في السياسة.
            ولهؤلاء أوجه نصحي، وأقول لهم: أنا ما أزال أحبكم كما أوصاني معلّمي وربّي، رسول الإنسانية والمحبة منقذ البشرية، المسيح الذي شوّهتُم رموزَه وكسرتم صلبانَه وحرقتم كتبَه بكثيرٍ من الحقد الأسود. فقد أوصى: “أحبوا أعداءَكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مَن يبغضكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، “، وهذا بالرغم مما اقترفتموه من جرائم، كونكم خليقة الله الجميلة التي لوّثتموها بأفكاركم وشوّهتموها بأعمالكم ودنّستموها بأرجلكم. لا لشيء، بل لأنّي أرثي لحالكم المهلهل وأبكي لفكركم الخائب وأترجى لكم عودة إلى الرشد والعقل والمنطق والحق، تجانسًا مع تقدّم العصر وتطوّر الزمن ورجاحة الفكر. ولكنّي أوصيكم بهذا:

–         إن الإله الذي أعبده ويشاركني في عبادته أهلي وأصدقائي ومواطنو بلدي وفي العالم، والمعتدلون والناضجون والمثقفون والقارئون لدروس التاريخ وعبرِه والمؤمنون برحمة الأديان واعتدالها في العالم أجمع، لا صلةَ له بالإله الذي تدّعون عبادته، وتق*ت*لون تحت رايته المثيرة للشفقة، وتحزّون الرؤوس حين التكبير باسمه العليّ، وتغتصبون الحرائر بحجج وأحاديث مضى على تاريخها قرونٌ من التخلف والقبلية والبداوة، وتسبون نساء غيركم بحجة تسويغ ذلك بحقوق الغزوة، كذبًا وبهتانًا كما يحلو لكم ولشيوخكم المنغمسين في الرذيلة والتفسير الأسود القاتم والتحريض والفتنة.

–         سيدي وإلهي الطيب، الرحمن الرحيم، والعليم الحكيم، يحبّ البشر، كلَّ البشر الذين خلقهم أسوياء متساوين، ذكرًا وأنثى، في العرق والدين واللون والشكل، ولا سموَّ لدينٍ أو لفردٍ على غيره إلاّ بالتقوى ومحبة الناس وفعل الخير وغوث المحتاج واحترام الجيرة والإبداع والتطوّر والإخلاص في المنزل والعمل والمكتب والدائرة ودعم الدولة ومؤسساتها في الوعي والنظافة واحترام القانون وسيادة الدستور.

–         سيدي وإلهي الحنون المارد في آنٍ معًا، لا يرضى بإذلال خليقته الجميلة التي خلقها على صورته ومثاله، كما يرفض ق*ت*ل النفس التي نفح فيها الحياة كي تسبحه وتعبدَه وتمجد باسمه آناء الليل وأطراف النهار.

–         سيدي وإلهي المح*بو-ب، الغفار الرحيم، يفرح بعودة الابن الضالّ وبتائب واحد وآثمٍ فاضحٍ من أمثالكم المغرَّر بهم، أكثر من الخراف التسعة والتسعين التي بحوزتِه وتحت جنحيه من الذين يتبعونه بالهداية الحقيقية، ويعبدونه خفيةً وظاهرًا ليلاً ونهارًا وفقًا لقوانين الكون الإلهية التي توصي باحترام النفس والفكر والرأي والعقيدة والأرض التي فرشها لهم هذا الإله العظيم ليتمتعوا بجمالها ويأكلوا من ثمارها ويطوّروا نظامَها نحو الأفضل وليس بالتراجع قرونًا متخلّفةً إلى الوراء.

–         سيدي وإلهي الجبار، يوصي بني الإنسان وأتباعَه الأوفياء، ألاّ يخافوا ممّن يق*ت*ل الجسد، بل ممّن هو قادر على ق*ت*ل النفس والروح التي تأتمر بالسوء بسبب نزعات البشر البغيضة وحقد الجماعات المتزمتة والمنغلقة على الذات وعلى العقل والفكر والرؤية. ف”الجسد فانٍ، فيما الروح تبقى: “إنْ خيرًا فلها الجنّة، وإنْ شرّا فمصيرُها النار وصريرُ الأسنان”.

–         سيدي وإلهي الذي أُجلُّهُ احترامًا أبويًا وخوفًا سماويًا، يوصي بتعاون جميع الأمم والشعوب على البرّ والتقوى، وعلى حفظ نواميس الأديان من دون تمييز أو استعلاء بعضها على بعض، وبالتسامح والمحبة، حتى بمحبة الأعداء كي يعود هؤلاء إلى رشدهم وإلى سواء السبيل واعتدال الشرائع وتطبيقها بحسب الظرف والزمان توافقًا مع تطور العصر.

–         سيدي وإلهي العطوف، قدوسٌ وكلّيُ القداسة، لا تأخذه سنّة نوم ولا يسأم أو يغتاظ إلاّ من الفاسدين والظالمين والطماعين والفاسقين والمفسدين في الأرض والطاعنين في العرض. فهو دائم السهر على خليقتِه ورعاياه، لا يرضى بالتجارة بالبشر على حساب سعادة الإنسان والإنسانية.

–         سيدي وإلهي العادل، مرتب في خليقته وفي تدبير شؤونها، وهو يدعو البشرية لفرز الزؤان وحرق الشوك من البيدر الذي يريدُه نظيفًا معافىً كما أراده.

–         سيدي وإلهي قد أوصانا من ضمن وصاياه للبشرية المتألّمة:” أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله للّه”، تمامًا كما أوصانا جميعًا بنشد السلام والمحبة والغفران “طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يُدعون”.

وهذا مسكُ الختام!

 

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!