التعويض عن التقاضي الكيدي
شكّل هذا الموضوع بحثا ضخما لدى الفقه القانوني وكُتبت بشأنه عشرات البحوث والرسائل والاطروحات والكتب ، غير انه لا زال قضائيا في العراق لا استقرار فيه ، وقليل ما تحكم المحاكم المدنية لدينا بالتعويض عن التقاضي الكيدي رغم صراحة المادة -7- من القانون المدني العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ الصريحة في تقييد المادة (٦) التي تستند اليها المحاكم في رد هكذا دعاوى لكونها قررت بأن (١ – من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان.
2 – ويصبح استعمال الحق غير جائز في الاحوال الاتية:
ا – اذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الاضرار بالغير.
ب – اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها قليلة الاهمية بحيث لا تتناسب مطلقا مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج – اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها غير مشروعة) ولو قرأنا سوية الحكم موضوع تعليقنا هنا نجد ان الدعوى امام محكمة بداءة كربلاء تتلخص بأن ادعى المدعي لديها انه سبق وان أصدرت محكمة جنح كربلاء قرارها الذي قضى ببراءته من الدعوى المقامة ضده من قبل المدعى عليه والمكتسب الدرجة القطعية عليه طلب دعوة المدعى عليه للمرافعة والحكم بإلزامه بتأديته تعويض مادي ومعنوي مبلغ قدره خمسون مليون دينار وتحميله الرسوم والمصاريف، فقررت محكمة البداءة حكما حضوريا برد دعوى المدعي وتحميله الرسوم والمصاريف. وحينما بادر الى الطعن تمييزا قالت الهيئة المدنية في محكمة التمييز في قرارها المرقم ٨٩٧٤ بتاريخ ٢٩ / ٩ / ٢٠٢٤ بأن ” الحكم المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون ذلك ان المحكمة اجرت تحقيقاتها اللازمة في موضوع الدعوى وتايد لها من الوقائع والأدلة ان الدعوى بالمطالبة بالتعويض المادي والادبي نتيجة قيام المدعى عليه / المميز عليه بتحريك شكوى جزائية ضد المدعي / المميز والحكم ببراءته عن تلك التهمة لا سند لها من القانون لان حق التقاضي حق كفله الدستور والقانون للجميع وجائز شرعاً وحيث ان الجواز الشرعي ينافي الضمان فمن استعمل حق استعمالاً جائزاً لم يضمن ما ينشأ عن ذلك من الضرر عملاً بأحكام المادة (٦) من القانون المدني وحيث ان الحكم المميز التزم بوجهة النظر القانونية المتقدمة، لذا قررت تصديقه” رغم ان الهيئة الاستئنافية منقول في محكمة التمييز قد قررت قبل(١١) شهر في قرارها المرقم ٣٩٢٩ / الهيئة الاستئنافية منقول / ٢٠٢٣ بتاريخ ١/ ١١ / ٢٠٢٣ ” لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية ومشتمل على أسبابه قرر قبوله شكلاً ولدى إمعان النظر في الحكم المميز تبين أنه غير صحيح لمخالفته أحكام القانون ذلك لأن المحكمة لم تربط نسخة ضوئية من إضبارة الدعوى الجزائية المرقمة ۳۱۷ / ج / ۲۰۲۲ للوقوف على محاضرها والإجراءات التحقيقية وإجراءات المحاكمة لاسيما وأن الحكم المربوط في الدعوى الصادر من محكمة الجنح قضى ببراءة المميزة وحيث أن الجواز الشرعي ينافي الضمان لا يمكن الأخذ به على أطلاقه للإعفاء من المسؤولية التقصيرية فقد قيدته المادة / ٦ مدني بالاستعمال الجائز وأشارت المادة ۲/۷ مدني الى الحالات التي يصبح فيها الاستعمال غير جائز وذلك يمكن أن تلمسه المحكمة من وقائع الدعوى الجزائية فأن ثبت الاستعمال ويقصد هنا (تقديم الشكوى لا يراد منه سوى الإضرار بالمميزة عندها تكون دعواها بسند قانوني عليه قرر نقضه وإعادة الدعوى الى محكمتها لأتباع ما تقدم على أن يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة. وصدر القرار بالاتفاق” ، مما يعكس عدم استقرار هيئات محكمة التمييز على مبدأ قضائي واحد بصدد هذه المسألة الهامة قانونيا وقضائيا ، واتفق كثيرا مع الاستاذ امين صليبا احد اساتذة القانون في لبنان في قوله حينما تواصلت للحوار معه شخصيا حول القرارات اعلاه، افاد صراحة ان الحل يمكن في تعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية لديكم لأن لديهم في لبنان بأن المتهم الذي نال البراءة من شكوى جزائية يجوز له تقديم دعوى جزائية ضد المشتكي ضده بجرم الافتراء.
و ارسل لي احد الزملاء حينما نشرت القرار في صفحة مسارات قانونية بأن المبدأ الذي قررته محكمة النقض المصرية في حكم لها عكس مضمون الحكم المنشور حيث تضمن قرارها نقض مدني مصري في أبريل 1979 ( فلا يعد سوء النية شرطا في المسؤولية التقصيرية كما هو شرط في المسؤولية الجنائية ؛ فقد يحفظ البلاغ الكاذب ويسأل مقدمه مدنياً لأنه كان ارعن متسرع وحسن النية).
لذا اتمنى من عدالة قضاءنا العريق ان لا يحكم دائما وفقا لعمومية
المادة (١٩ / ثالثا ) من الدستور ” التقاضي حق مصون ومكفول للجميع” والمادة ( 6) مدني ” الجواز الشرعي ينافي الضمان، فمن استعمل حقه استعمالا جائزا لم يضمن ما ينشا عن ذلك من الضرر” دون الالتفات الى حالات وشروط واحكام المادة (٧) المشار اليها انفا لكون جميع هذه النصوص آمرة لا يجوز مخالفتها، لا سيما وان الابقاء على اطلاق حق التقاضي من دون الاخذ بنظر الاعتبار في محدداته وغاياته سيكون بابا لمزيد من الشكاوى الكيدية خاصة وان مقدم الشكوى سيكون محصنا سلفا من اية مساءلة رغم اساءة استعمال حقه وتعمده في اغراق المحاكم والافراد بشكاوى ما انزل الله بها من سلطان ان اراد الاضرار بخصمه او استعمال الشكوى لإيقاف دعوى مدنية ضده تطبيقا لقاعدة الجزائي يوقف المدني.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.