التربية الأسرية بين المسيحية والعلمانية

التربية الأسرية بين المسيحية والعلمانية

بقلم / وردا إسحاق قلّو

(لا تضلّوا فإن الله لا يسخر منه ، وإنما يحصد الإنسان ما يزرع ) ” غل 7:6 “

الزواج الناجح أساسه الحب المشترك والصادق ، وكذلك الشراكة في العيش تحت سقف واحد . وسر بقاء الحب هو الشراكة والتضحية من أجل الآخر ، وإحترام الآراء ، كل هذا يحمل في طياته إلتزامات متعددة . الزواج في المسيحية سّر عظيم يؤسس على صورة الإتحاد الروحي بين المسيح وعروسته الكنيسة المقدسة ، وإن خرج الزواج من هذا المفهوم فيدخل في إطار الوثنية وذلك لأن أعظم ما في ناموس الإنسان هو الأمانة للعهد الزوجي القائم على أسس الحب المتبادل والرضى الشخصي والإخلاص للشريك حتى الموت . على الأزواج المسيحيين أن لا يسيروا على هواهم ، بل أن يخضعوا للسلطة الضمير وتعاليم الشريعة الإلهية ولسلطة الكنيسة التي تفسر لهم الحياة الأسرية وفق ضوء الإنجيل تفسيراً دقيقاً . كما أن الأسرة الجديدة يجب أن لا تعيش لأنانيتها ، بل عليها أن تثمر ثماراً جيدة ليقدموا للمجتمع ولكنيسة الله بنين وبنات فيتحول البيت الذي يحتضنهم إلى مدرسة وكنيسة صغيرة . أبنائهم يكسبون ثروة إنسانية من الأخلاق والعلم وتربية بيتية نقية من الوالدين ، كما يتعلمون منهم المحبة والصبر والسخاء في العطاء والصفح للآخر والإيمان القويم ، خاصةً مخافة الله والعبادة والأخلاق الرفيعة .

   بعد مدرسة الأسرة تأتي الكنيسة التي تُكَمِل عمل الوالدين في التربية . الآباء الذين يهملون تربية وتنشئة أبنائهم متكلين على تربية المدرسة ، أو من الوسائل الإجتماعية والأجهزة الحديثة تي تربطهم معها علاقة وثيقة إلى حد الإدمان ،

 فتلك الوسائل ستعزلهم حتى من الوالدين لتصبح لهم إستقلالية تامة بعيدين كل البعد من الأسرة والكنيسة والمجتمع فينمون بتربية شاذة غير مقبولة في البيت وسرعان ما يختارون العزلة في الغرف المظلمة بعيدين لكي يستقلوا عن الوالدين ليبحثوا على هواهم عن إمبراطورية حديثة عصرية تدفعهم للعيش في حياة خاصة  مخيفة ومرعبة من الإستقلالية الهدامة بداعي الحرية الشخصية والعصرنة بعيدين عن تحمل المسؤلية والأخلاق الحميدة والإحترام . وهذا ما تنبأ به الكتاب المقدس في سفر الحكمة . قال ( هكذا فكروا ، ولكنهم ضلّوا ، لأن شرهم أعمالهم ) ” حك 21:2 ” وهذه الآية تضع الأصبع على جرح ما يعانيه مجتمعنا من إنحلال أخلاقي وتربوي ، وفساد يبدأ من العائلة وينتهي في أكثر فصائل المجتمع . بل بعض العوائل باتت مدرسة يتعلم فيها الأبناء دروساً خاصة في الإنحلال والفساد والتفكك الأسري الذي يقضي على أواصر الوحدة والتماسك بين أفراد العائلة والمجتمع .  والكثير من الآباء لا يكترثون لإنشغالهم في أعمالهم وحياتهم دون أن يخصصوا وقتاً كافياً لتربية أولادهم ومتابعة سيرتهم الذي هو من المواضيع المهمة والحساسة ، بل مسؤلية كبيرة ومباشرة يجب أن يتحملوها بكل جد .

   التربية الأسرية هي مسيرة زرع وحصاد . فما يزرعون الآباء لأولادهم أياه يحصدون . ومسيرة الزرع تبدأ منذ نعومة أظفار الأطفال ، يبذرون في عقولهم بذار الفضائل الإنسانية كالتضحية وبذل الذات وإحترام القوانين والوصايا . وتعليمهم الفضائل الإلهية ( الإيمان والرجاء والمحبة ) إلى جانب التركيز على الإنتماء الروحي . في الأخير تنتهي المسيرة بحصاد الثمار . فالأهل سيحصدون ما زرعوه في قلوب ونفوس أبنائهم . وهذا يشبه البذرةالصغيرة التي زرعها الزارع في الأرض الطيبة وأعتنى بها ورواها بالماء ، وحفر حولها ، وسيَّجَها لكي يحفظها من أيدي الناهبين ، ولكي لا يدخل إليها إنسان غريب ويزرع فيها زوانه ، فعندما تكبر وتصبح شجرة ناضجة سيقطف منها ثمراً يانعاً . وهذا الثمر هو الفضائل التي تُزَيّن سلوك وسيرة الأبناء .

   الأبتعاد عن تعليم الكتاب المقدس يؤدي إلى تدمير المؤسسة الزوجية القائمة في أساسها على الأمانة والإخلاص لتنشئة عائلة ملتزمة أمام الله والمجتمع . فعلى المجتمعات العلمانية وخاصةً في الغرب أن تعود إلى تراثها وتاريخها وإيمانها العريق لتخطي الصعوبات العائلية والعودة إلى إنجاب الأطفال وتكوين العائلة ، ومحاربة وباء الطلاق والإجهاض وزواج المثليين ، بل وصل الإنحطاط في المجتمع الغربي إلى محبة الحيوانات الإليفة كالكلاب والقطط على محبتهم لتربية الأطفال ، وقد نقد البابا فرنسيس هذه المحبة الزائفة التي تقضي على الأسرة التي هي نواة المجتمع . لمثل هؤلاء المنحرفين سيقول لهم المسيح الديان ( … أذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته ) ” مت 41:25 ” .

التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

Exit mobile version