مقالات

على ارصفة الشتات؛ حسونة المصباحي

على أرصفة الشتات رواية لحسونة المصباحي تقع على متن 287 صفحة، وهي صادرة عن شركة المطبوعات للنشر والتوزيع في بيروت سنة النشر 2022 .

الرواية ومن خلال عنوانها الذي شكل مدخلا ناجحا لها ومختزلا وحاملا في احشائه فكرة الرواية القائمة على الترحال بين العواصم والمدن العربية والعالمية والتنقل بين العواصم والمطاعم والحانات وايضا من خلال التجوال والمشي على الارصفة بحثا عن المعنى الجوهري للحياة والنضال وتفسير الذات ومعرفتها وسبر اعماقها بغية الوصول للحقيقة المثلى والمعرفة الفضلى.

كل ذلك يتأتى للكاتب من خلال حوارات الرواية وضيوفها وابطالها الذين يلدهم النص تباعا حسب مجريات الاحدات وحسب مايريد الكاتب من توظيفات تخدم فكرة الرواية والبوح باراءه من خلالها. وهذا بالذات تاتى للكاتب من خلال الشخصية الرئيسية للرواية والتي تدور معظم احداث الرواية حوله ويتم استيلاد الشخصيات بما يخدم الفكرة الاساسية للرواية ويطرح الاراء حول مشاكل المشرق والمغرب العربي، تلك المشاكل المتعلقة بالحرية والديكتاتورية والاستبداد… كل ذلك يتاتى من خلال نموذج المثقف اليساري الصعلوك والرافض للتطويع والتدجين والسير مع القطيع.

تمضي الصفحات بسلاسة سردية ومع توالد وتعدد الاحداث تظهر شخصيات تاخذ لسان الراوي والبطل كسامي شاهين الاشوري العراقي الهارب من العراق والملتحق بصفوف الثورة ا*لفلس*طينية في بيروت والخارج معها الى تونس بعد حصار ١٩٨٢ ومن خلال تردده على الحانات في تونس يتعرف على بعض مثقفي تونس من اليساريين والصعاليك ومنهم الراوي العليم باحداث الرواية وصاحب البطولة الاولى فيها، وهو رغم عدم التصريح باسمه الا ان شخصيته بما يبوح على لسانه من اراء يتبين لنا انه هو الكاتب نفسه حسونة المصباحي؛ فغالب الاحداث والاراء الواردة في الرواية تنطبق غالبا على الكاتب، وان المتتبع له ولكتاباته واراءه عبر وسائل شتى يكتشف ذلك دون عناء..

وعلى الارجح بان احداث الرواية معظمها واقعية وان بدت فيها بعض المبالغات والشذرات ، الا ان الكاتب نجح بشكل اثير باطلاعنا على كثير من الاماكن والاراء والشخصيات بحيث تبدو الرواية واقعية فعلا…فهو ومن خلال رصده لاحداث تونس والعراق والشام والمناخات السياسية السائدة فيها وواقع الثقافة والمثقفين والادب فيها وغيرها نجح لحد ما باطلاعنا على صورة البلاد العربية في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي وهذا ما اخبرنا به الكاتب على ظهر الصفحة ٧ من الرواية وهو بذلك يصرح لنا ان معظم وقائع هذه الرواية حقيقية مع اضافات ومجازات واستعارات اقتضتها طبيعة البناء الفني للرواية.

وهذه القدرة على وصف الظروف والحالات الاجتماعية للمقهورين والمستعبدين حيث كانوا قد تكون هي بالذات التي دفعت بالأديب المصري الراحل يوسف إدريس للقول عن قصص حسونة المصباحي: «يكفي أن تقرأ قصة واحدة لحسونة المصباحي لكي تعرف كيف يعيش الإنسان التونسي، وكيف يفكر، وما هي حكاياته وأساطيره الخاصة كما لو انك عشت في تونس عشرات السنين».

في الرواية احداث سلسة ومتتابعة يبدأها الكاتب بمجموعة من المثقفين التونسيين يجتمعون في مقاهي وحانات تونس يمارسون الصعلكة ولعن الظلام بقصيدة او قصة او خاطرة..

هؤلاء المثقفون يحترفون الترحال بغية انجاز ابداعاتهم وفتح افاق لنصوصهم وكتاباتهم فيلتقون في الغربة ويتقاسمون لحظات اليأس ويتجرعون مرارة الهزيمة، يتجرعون كؤوس التيه والتشرد في بلاد خالوها حضنًا أدفأ فاذا هي باردة لا تحوي الا قشورا من الحياة..و ليكتشفوا لاحقا وبعد صراع وتشرد مرير أنهم غرباء ممحوقين أينما حلوا، وهنا يثور احد اهم اسئلة وعوالم الرواية عن الاوطان والمنافي[ارصفة الشتات] هل نبقى ام نعود؟ دون ان يخفى من طروحات صفحات الرواية اظهار المعنى الفلسفي الكامن خلف الشتات ومعانيه الباردة في معظم الاشياء، وهذا ما تبوح به صفحات الرواية وتجيب على اسئلة النفس والروح والاغتراب والتشرد والصعلكة والشرق والغرب والهزيمة والانكسار والتشظي والعدم…

الرواية جائت مسلية وسلسة وغنية بالتساؤلات والافكار وكذلك باسماء الكتاب والمثقفين وارائهم وخاصة البساريين منهم وجلهم يخدمون فكرة الكاتب والراوي العليم ذي التوجه اليساري الحالم.

الرواية جيدة وتهضم على جلسة واحدة لكن لا يفضل قراءتها في رمضان؛ فابطالها واحداثها صعاليك لا يتقنون الحديث إلا في الحانات والخمارات او وهم يترنحون ويتأبطون خصرا انثويا سائبا على ارصفة الشتات…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!