مقالات دينية

عقوبة الله العادل في رحمته والرحيم في عدله

عقوبة الله العادل في رحمته والرحيم في عدله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( الله الرحيم الرؤوف وطويل الأناة صارم في عدله )

   من المعروف أن الكمال المطلق ، والقداسة المطلقة تخص لخالق الكون وحده ، اما الإنسان المخلوق فكماله نسبي ، وقداسته نسبية ومحدودة . القداسة هي المرحلة الأولى لرؤية الله وميراث ملكوته كما قال الرسول بولس ( سالموا جميع الناس وعيشوا حياة القداسة التي بغيرها لن يرى أحد الرب ) ” عب 14:12 ” . وهنا لا يعني الرسول بالقداسة عمل المعجزات الخارقة ، بل العيش في حياة التوبة والنقاوة المسيحية . أما طريق بلوغ الكمال النسبي فخطوته الأولى تبدأ بالتحرر من سلطان الخطيئة بالجهاد الحسن المستمر ، وبالتوبة والإعتراف بالتواضع وبمخافة الله وبالصلاة والصوم والوداعة وممارسة الفضائل المعروفة .

   الرب يسوع دعانا في موعظته على الجبل لكي نبتعد من الخطيئة لنعيش في القداسة لنتقدم نحو الكمال ، لأنه يريدنا أن نكون كاملين كما هو والآب كاملين ، لهذا قال ( فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل ) ” مت 48:5 ” وطريق الكمال طويل يشمل العمر كله للعمل المتواصل في الجهاد المستمر ضد الخطيئة ، وهذا الطريق شائك ومزروع بتجارب كثيرة ومختلفة الأنواع ويحتاج إلى دعم نطلبه من الله كل يوم لكي يعطينا النعم والفضائل ، أي لا يجوز الإتكال على قدراتنا الذاتية مهما بلغنا في الحكمة والعلم والإيمان .

    أول من أسقطته الخطيئة هو الملاك ” لوسيفير ” الذي يسميه الكتاب بزهرة إبن الصبح و الذي كان قاهر الأمم ، وكان يمتلك قبل سقوطه أعظم أمتياز بين الملائكة ، كما كان ملآناً من الحكمة … وكامل الجمال . ”  طالع حز 28 : 11-15 ” كان السبب الأول الذي دفعه إلى التمرد وعمل الخطيئة والموت الأبدي هو كبريائه وحب الذات والسيطرة والعلو . فدخل في المرحلة الأولى من مراحل السقوط ، وهي عمل الخطيئة التي أسقطت كاروباً كبيراً من بين صفوف الملائكة القديسين . إذاً على المؤمن مهما بلغ من التقدم في الفضيلة والقداسة عليه أن يعمل وكأنه في بداية الطريق فليحترس من تجارب عدو الخير لكي لا يسقط في الخطيئة ، لأن الخطيئة إذا كملت تنتج موتاً ( يع 15:1 ) . فعلينا أن نعرف بأن الخطيئة بحد ذاتها هي موت أدبي وروحي . وهذا ما نجده في أنجيل لوقا ( لأن أبني هذا كان ميتاً فعاش  ، وكان ضالاً فوجد … ) ” لو 15: 24 ”  وذلك لأن الخاطىء وأن كان حياً في الجسد فهو مَيّت ، لهذا قصد الرب للذين يدفنون والد التلميذ الذي أراد أن يتبع المسيح  ( أتبعني .ودع الموتى يدفنون موتاهم ) ” مت 8: 21-22″ .

    عندما أخطأ ملاك كنيسة ساردس ، قال عنه الله على فم عبده يوحنا الرائي ( أنا عارف أعمالك إن لك إسماً إنك حي وأنت مَيّت ) ” رؤ 1:3 ” فالخطيئة هي الموت ، وكما يوضح لنا هذا الأمر مار بولس بقوله عن الخطاة ، قال ( كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا ) ” أف 1:2″ . وهكذا نصل إلى الفكرة فنعترف برأي الكتاب القائل : أن إجرة الخطيئة هي الموت ، وبالموت نفقد صورة الله فينا ، والذي خلقنا على صورته كمثاله . الإنسان الذي فقد تلك الصورة الإلهية ، كان قبل الخطيئة قدوساً لأنه خلق من نفخة قدسية خرجت من فم الله القدوس . أما بعد إرتكاب الخطيئة ، فقال الله للإنسان ( أنت تراب وإلى التراب تعود ) نزع منه مجد الآلوهية ففقد مجد البشرية الذي كان يمتلكها . نتأمل بالجلالة التي كان يمتلكها الملك البابلي نبوخذنصر ، لكن بسبب كبريائه نُزِعَ عنه جلاله لكي يصير كأحد الحيوانات ( دا 5: 20-21 ) . وشمشون الجبار فقد بصره ومركزه . والإبن الضال فقد كرامته بسبب الخطيئة وإبتعاده من دائرة بيت أبيه . ولهذا شعر بالخوف والقلق والضعف فتاب .

لم نقرأ شيئاً عن آدم قبل السقوط بأنه كان يهاب الله ، بل كان صديقاً له . أما بعد إقتراف الخطيئة إعترف بخوفه من الله ، فقال له ( سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فأختبأت ) ” تك 17:3 ” وبهذا نتذكر الآية ( مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي ) ” عب 31:10 ” . كل هذا يظهر للإنسان الخاطىء فيعرف عقوبة الله العادل فيفقد السلام والإستقرار ليعيش في عذاب الضمير والخزي والهوان . أجل ، يجب أن تكون للخطيئة عقاب لأن الله عادل ، وكذلك هو رحيم وشفوق وطويل الأناة ، ويغفر للتائب خطيئته ولم يذكرها رغم كونه يكره عمل الخطيئة لكونه قدوس ومحب ، لهذا يدعو الخطاة إلى التوبة والقداسة والكمال .

علينا أن لا نعتمد فقط على رحمة الله وننسى عدله ، بل أن نفهم ونعترف بأن الله عادل في رحمته ، وهذا الفهم يقودنا إلى التوبة والإعتراف لأن الله الرحيم هو صارم في عدله ، فهوذا لطف الله . أما صرامته فعلى الذين سقطوا ، وأما اللطف فهو لمن يثبت في اللطف وإلا فأنه أيضاً سيسقط ( رؤ 22:11 ) إذاً الله عادل في رحمته ، ورحيم في عدله ، فلا يمكن أن تنفصل رحمته عن عدله . وقد تتجلى الرحمة والعدل في وقت واحد كما في قصة الطو*فا*ن الذي حفظ نوحاً . وحرق سدوم وعمورة وأنقذ لوط البار .

  هكذا أنقذت رحمة الله الأتقياء وبالعدل عاقب الأثمة وحفظهم إلى يوم الدين .    

    عقوبة الله ليست للخطاةِ فحسب ، بل حتى للكاملين لأنهم لم يحتفظوا بكمالهم كما ينبغي . لهذا يقول الكتاب ( لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكةٍ قد أخطأوا ، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم ) ” 2بط 4:2″ وفي سفر حزقيال يّوَضِح كمالهم ، فيقول ( أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال . أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم ) ” 28: 11-15 ” والسبب لأنه إختار الخطيئة فأنزلته إلى أعماق الهاوية  ( لكنك إنحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب ) ” أش 14: 12-15 ” . الله لا يرحم العصاة على وصاياه . واللعنة دخلت إلى العالم بسبب الخطيئة ، فعندما أخطأ آدم ، قال الرب ( ملعونة الأرض بسببك ) ” تك 17:3″ .

   للخطيئة عقوبتان : أرضية وأبدية . الأرضية ، أما أن تكون ضربة من الله ، كما ضرب حيحزي  تلميذ إليشع النبي بالبرصِ عقاباً لخطيئته نتيجة حبه للمال . وكذلك فعل الله مع مريم أخت موسى . والضربات العشرة على مصر بسبب قساوة قلب فرعون . ووباء على بني إس*رائي*ل بسبب خطيئة داود فمات منهم سبعون ألف رجل في يوم واحد ( 2 صم 15:24 ) .

   أما العقوبة الأبدية فللإنسان الفرصة أن يتجنب منها بالتوبة . فالمرأة الزانية التي ضبطت في ذات الفعل ، فهي التي تابت فبللت قدمي الرب بدموعها ومسحتها بشعر رأسها ، فغفر المسيح لها العقوبة الأبدية .

   الله يعاقب حتى الكاملين إن أخطأوا لأن عدله يجب أن يحكم على الجميع مهما كانت منزلتهم . فداود النبي والملك الذي وصفه الله بقوله ( وجدت داود بن يس رجلاً حسب قلبي ) لكن رغم ذلك غاقبه بسبب خطيئته .

   حقاً مخيفةُ ومرعبة عقوبات الله العادلة . فكمال الله لا يتساهل مع الخطيئة ، بل يجازي كل واحد حسب أعماله مهما كان مركزه الأجتماعي والروحي عند الله . ويمكننا ان نفهم الدرس ونسير في طريق القداسة فنتوب عن الخطيئة ونقاومها بالنعمة التي نمتلكها فنسمو نحو القداسة والكمال فيكون لنا الخلاص .

التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!