مقالات دينية

اهمية الرابطة الكلدانية

الكاتب: المطران حبيب النوفلي
 
 
اهمية الرابطة الكلدانية

المطران حبيب هرمز- البصرة
آب 2014

مقدمة
اكتب عن الرابطة الكلدانية التي اعلن عنها السينودس الكلداني الأخير المنعقد في عينكاوة وذلك لأهميتها القصوى لأبناء كنيستنا داخل وخارج العراق كعون مهم للذين في الخارج في اكثر من 62 دولة وكدعم لكنيستنا المتألمة في الشرق الأوسط. والبحث سيركز على موضوع الكنيسة الكلدانية وتحديات الثقافة العلمانية واهمية الرابطة. وسأركز على اتجاهات الاهتمام الأربعة لكل شخص (الرعوية والثقافية والروحية والمالية) ثم اقدم مقترحات بذلك.
 
الثالوث المتداخل (الإيمان والثقافة والدين)
الإيمان المسيحي هو استجابة الشخص لدعوة الله في ان يكون على صورته ومثاله. والدين هو ثقافة انسانية تسعى للتسامي والوصول الى ذلك الهدف المقدس والسامي حيث لا دين وايمان دون ثقافة. والإيمان يجب ان يعاش، والذي لا يعاش لا معنى له. وكي يعاش الإيمان فإنه يحتاج الى ادوات ثقافية مثل الأرض واللغة والتقليد Tradition   المستلم من آباء الكنيسة والتراث الفني والأدبي والفولكلوري (مثل الملابس والموسيقى والألحان والأزياء واشكال الطعام والأمثال وغيرها). هذه كلها رموز مهمة لترسيخ الإيمان في الحياة اليومية. كما ويحتاج الإيمان الى اداة ثقافية مهمة هي الآدابmorals  (خصوصا القانون الأخلاقي المزروع في ضمير الإنسان من قبل الله) والتي يتم التعبير عنه من خلال عادات ايجابية تحولت بمرور الزمن الى قوانين واعراف لخدمة الفرد والعائلة والمجتمع.
إن في عمق هوية الشخص تكمن الرغبة في معرفة الحقيقة. ومن هنا الكنيسة تؤكد على دور الرابطة حيث توجه المؤمن نحو العمل الصالح الجميل وان تهدف اعماله الى الرقي على كافة الأصعدة.
نحن لدينا ايمان وثقافة قومية متعددة الجذور وهذه تشكل هويتنا. ولكن ماذا بخصوص من هم في ارض الشتات حيث يواجهون الإلحاد النظري والعملي بسبب العلمنة Secularism والحياة الماديةMaterialism، انهم بحاجة الى الالتقاء ليتجذروا في ثقافتهم القومية والدينية والإيمانية. الرابطة مهمة كي تساعد اعضاءها ليكونوا مبدعين وخلاقين اينما هم. تماما كما ادخل اجدادنا القيم الإنجيلية في ثقافتهم ذات الأصول الوثنية وعمذوها لتصبح ثقافة مسيحية مشرقية واستثمروا ثمار الثقافة لتخدم رسالة المسيح.
الرابطة تؤكد على دور الثقافة في الحياة كي تتقوى هوية العضو وتساعده راعويا وماديا من خلال دعم الأعضاء. لقاءات الأعضاء سترقي بمستوى الفكر لدى ابناء الكنيسة وتفعله في الحياة اليومية. هنا للعقل والروحانيات اهمية حيث ترتقي بهما الروح لتتأمل في الحقيقة الإلهية السامية والتي هي هدف كنيستنا اينما كانت.
ومن ثمار هذه الرابطة رعاية العناصر الثقافية كالليتورجيا الكنسية مثلا والتي نحبها ونحتفل بها يومياً. هذه الليتورجيا حفضت رموزا ثقافية كثيرة متوارثة من حضارات وادي الرافدين ودخلت في الكتاب المقدس حيث لا مجال الآن للخوض بها. الرابطة ممكن ان تساعد لجان الكنيسة في تدريس لغتنا والتدريب على الحاننا. وقد واجه آباؤنا وأجدادنا تحديات كثيرة عبر التاريخ واضطهدوا مرات ومرات، ولكن عيش ايمانهم حسب ثقافتهم جعلهم اقوياء.
ان دور الثقافة في الحياة هو لغرض بناءها لا العكس كما يحصل في ثقافة الموت حيث في نشاطات الرابطة ممكن للعقل ان يلعب دورا في فحص وتمييز كل نشاط ثقافي ومدى حضور موضوع السعي نحو الحقيقة والجمال فيه. وهنا تكون الرابطة وسيلة مضافة لتقوية العائلة والمدرسة والبيئة كي يكونوا مساهمين في تحقيق الهدف.
ونحن في عالم يحارب الرموز بالرموز  Clashing Symbolsالرابطة ضرورية لتحصين ابناء الكنيسة ودعم المؤسسات المرتبطة بها مثل الكليات والمعاهد والأديرة من جهة وكي نحسن طريقة الحوار الثقافي مع الآخرين من جهة اخرى.
 
الكنيسة في المهجر
كي نكون موضوعيين اكثر فإن نسبة كبيرة من جماعاتنا تعاني من آثار سلبية للهجرة بسبب ظروفهم المختلفة، ونحن في الداخل نعاني من مضايقات لا تنتهي. هذه تجعل من الاهتمام بالرابطة مسألة مصيرية كما اشرت اعلاه. وكي اسلط الضوء على اسباب ذلك اذكر النقاط ادناه:

بعض المهاجرين يعانون من ازدواجية الطاعة لشروط الحياة العلمانية خارج البيت من جهة والحياة المسيحية في العائلة من جهة اخرى.
ضعف عام في المرافقة الشخصية  Encountering مع الجيل الجديد كي يتجاوز محنة العيش بين ثقافة جيل شرقي واخر غربي، وشعور العديد من الآباء والأمهات بعجزهم عن القيام بدور تواصلي مع الجيل الجديد بعد الهجرة لضعف الجانب الثقافي والروحي لذلك يلجئون الى التدخل في شؤونهم ويؤدي ذلك الى تباعد افكار الجيلين.
عدم وجود شبكة معلوماتية قومية تغطي كل كنائسنا وجمعياتنا او مؤسساتنا.
استسلام البعض لدعاية وسائل الإعلام المادية وتشجيع الحياة الفردية Individualism لا الجماعية بحيث كل عضو في العائلة يستقل برأيه بحجة حرية الرأي مما يؤثر سلبا على تماسك العائلة والإنفصال الزوجي ويولد جو من الكآبة الشخصية Depression ويزيد حالات الإنتحارSuicide.
بكاء العديد على الأطلال من خلال العيش في الماضي وصعوبة قبول الواقع الجديد.
انقسام الجماعة حسب المدينة والقرية مما يؤدي الى خلق جيل منقسم ضعيف. وهذا يؤثر سلبا على الزواج مثلا حيث يزداد عدد الشبان العزاب والشابات العوانس نتيجة لذلك. وكما نعلم لا يوجد مجتمع دون عائلة.
وقوع  العديد من ابناء الكنيسة فريسة لمنظمات مشبوهة تحت اسم كنيسة مجهولة غير رسولية ومنحرفة لها ايديولوجيات خاصة وذلك لضعف المستوى الفكري والثقافي لديهم وعدم قدرة الكنيسة في الوصول اليهم ورعايتهم. الكنيسة مسؤولة عن الرعاية ولكنها بحدود حسب الإمكانيات. فمثلا اذا كانت خورنة تضم 3000  وحتى 1000عائلة يستحيل تحقيق ذلك. كذلك نشير شحة المكرسين والمكرسات كالراهبات وضعف سخاء العلمانيين بسبب الحياة الصعبة وغيرها من الأمور. لذلك الرابطة ستلعب دورا مؤثرا.

 
اذا من الممكن للرابطة ان تساعد الكنيسة ثقافيا لمعالجة ما يلي:

شرح المفهوم المسيحي والمشرقي لكلمات يتغنى بها الغرب مثل الحرية والحب حيث البعض يفهمها كانفلات وإشباع شهوات وليس كحرية ناضجة في الإبداع والعمل لرفع قيمة الحياة.
شرح تحديات العلمنة والوصول الى سبل صحيحة لمواجهتها بطريقة ايجابية.
مساعدة من مضى عليه سنوات في مدينة غربية ويشكو من قلة المعرفة فيرغب في التواصل مع الكنيسة الأم. مثلا عندما يسأله الأجنبي عن حياة قديسيه في العراق والذي يحتفل بذكراه في مدن الغرب لا يعرف الجواب.
العديد من العائلات المهاجرة تحث اولادها على التحدث بلغة البلد الأجنبية في البيت كي تتعلم من الطفل هذه اللغة ولا تتعب نفسها في دراسة اللغة مما يؤدي الى فقدان الطفل لغة الأم.
 الأمية في قراءة وكتابة اللغة الآرامية حيث كثيرا ما تم اتهام المهاجرين من قبل المسؤولين الأجانب بعدم قول الحقيقة (اي يدعون انهم كلدان ولا يثبتون القول بالدليل) لأنهم لا يعرفون كتابة حرف واحد والبعض يفشل في التعبير عن ثقافته.
ضعف المقدرة لدى البعض في الاستفادة من كنوزنا المشرقية الروحية وبدلا من ذلك يرتمون في احضان اي جمعية غربية دون التعمق في هويتها وتكون حجة للانفصال عن الكنيسة الأم، او يلجئون الى الطب المجاني او تناول ح*بو-ب ضد الكآبة لتجاوز حسرات ترك الوطن.

وممكن للرابطة مساعدة الكنيسة المهجرة روحيا. عندما ينال المهاجر معونات من جهات خارج الكنيسة يضطر ادبيا الى مجاراة تلك الجهة وترك كنيسته الأم فمثلا يشترط بعض الكهنة الأجانب حضور العائلة للقداس اللاتيني كشرط لتقديم الخدمات لهم. او يستحي بعض المهاجرين من ادارات الكنائس الغربية او الإنجيلية الغنية لأنها قدمت لهم العون خلال السنوات ألأولى من الهجرة. هنا من الممكن للرابطة ان تعتني بهم وتعين ادارة الكنيسة في ذلك.
وتستطيع الرابطة ان تهتم بالأمور المالية لدعم لمحتاجين من ابناء الكنيسة خصوصا في فترة الأزمات. في الغرب يواجه البعض خطر العبودية عندما يحصلون كل شيء مادي وفق قروض بأرباح تسدد للشركات الرأسمالية بحيث يقضي عمره في تسديد الديون وهو خائف من عدم التسديد، فتترك الزوجة البيت لتعمل ايضا فلا يلتقي افراد العائلة الا نادرا وتبرد العلاقات خصوصا عندما يتم الإتفاق مع مربية اجنبية لتربي الأولاد. في الشرق بلداتنا وقرانا فقيرة تتمنى من المتمكنين مساعدتهم. فالرابطة مهمة لمساعدة ابناء الكنيسة داخل الوطن الأم من خلال المساهمة في تنميتهم ثقافيا واقتصاديا.
 
باب للرجاء
كي لا نكون متشائمين، هناك جزء مهم من عائلاتنا ستهتم بموضوع الرابطة لأنها لا زالت امينة لإيمانها وثقافتها وتتمنى انشاءها. إنها تجاهد كي تكسب لقمة الخبز بعرق الجبين وتجتهد في اجل اعلاء شأن كنيستنا اينما كانوا وفتح قنوات الحوار مع الثقافات المعاصرة، والإستفادة من ايجابيات العلمنة. فالبعض يعمل فوق طاقته ليرسل مبالغ للمحتاجين في العراق والتظاهر دعما للكنيسة الآم والآخر يتدرب كي يخدم في الكنيسة ويتعلم لغتنا القومية، والآخر لا زال وفيا لعهد الزواج رغم اغراءات الحياة المادية وثقافة الموت، كما ان هناك من لازال يتقدم في حياته الروحية. وهناك ايضا العديد من مسئولي الكنائس الغربية والبلديات الغربية ومؤسساتهم الثقافية ساعدوا ويساعدوا كنيستنا كي يجدوا لها محلا تحتفل به وتقدم المساعدة المادية والمعنوية.

علينا اولا الاعتراف بضعفنا عندما نعمل كأفراد منعزلين وان نقبل العمل الجماعي. إن التمتع بالتواضع وروح الخدمة بمحبة ورفض التعصب لهي اول شرط لنجاح العمل.
رفض التبعية لأحد وبدلا من ذلك فحض الضمير حول كم نحن اوفياء للرب في الكتاب المقدس ولكنيستنا التي رعت شعبها لألفي سنة.
انشاء فرع للرابطة في كل ابرشية او خورنة ليس لها ابرشية. والفرع سيهتم بكل برعاية وتنمية ادواتنا الثقافية: اللغة، التقليد المبني على قيمنا المسيحية، الألحان الشرقية، الفن باشكاله (الملابس والطعام والموسيقى …)، العادات الجميلة ، الإحتفالات باعياد قديسينا والبارزين من شعبنا، الوعي بتاريخنا وادابنا كما قال احد الفلاسفة ان من لا يعرف تاريخه يبقى طفلا. انها تساعد في بناء الذات ثقافيا وان نصنع تاريخنا بروح ايجابية.
الإيمان بالتعددية الثقافية بشرط الأولوية لثقافتنا. فيمكن ان ننشيء قنوات حوار ادبية ودينية وأخلاقية وفنية ولغوية مع الآخرين.
انشاء صندوق دعم الجاليات في الغرب والتي ليس لها مقر ثابت (مثل كنيسة او مركز ثقافي) ويتم تمويله من البطريركية والأبرشيات الغنية والأفراد المتمكنين. إن استقلال كل كنيسة عن الأخرى يعني العقم المستقبلي للكنيسة الأم فنحن لسنا جزر متباعدة بل جسد مقدس. إن إنعاش الثقافة في بلاد المهجر يحتاج الى رغبة وارادة ومال، وثقافة الموت اليوم تستثمر اموالا طائلة لإطفاء جذوة الإيمان. فالغيرة على بيت الرب يفترض ان تدفعنا للوحدة والعمل.
اما في الشرق فيفترض ان يكون لدينا بنك كلداني مثلا يطور منطقتنا اقتصاديا.

شكرا للقارئ واعتذر عن الهفوات في البحث.
 
 
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!