البطريرك طيمثاوس الأول .. شخصيته .. علمه.. أدارته ، وحواراته مع الخلفاء العباسيين

الكاتب: وردااسحاق
 
البطريرك طيمثاوس الأول .. شخصيته .. علمه.. أدارته ، وحواراته مع الخلفاء العباسيين

البطريرك طيمثاوس الأول ( ܛܝܡܬܐܘܣ ܩܕܡܝܐ ) من سنة ( 780 – 823 ) ولد في هيزا بحدياب ( أربيل )   
طيمثاوس هو أبرز شخصية في تاريخ كنيسة المشرق في العهد العباسي الأول . فهو الأداري المحنك  والعالم ، واللاهوتي ، والسياسي  ، ورجل المبادىء . كان موقفه يتسم بالمرونة والحكمة ، وكان متديناً أصيلاً ودبلوماسياً لبقاً ، ورجل عِلم ، وفي الوقت ذاته رئيساً للكنيسة ، ويعيش في صميم الواقع . كان عهده عهد يُمن وبركة للكنيسة التي أطلقت عليه لقب ( الكبير ) . كان عَلَماً ومن أشهر أعلام الكنيسة في زمانه وأستطاع أن يبلغ بكنيسته الى أوج مجدها وأزدهارها , وفي تلك الفترات الصعبة التي حاول البعض أن يثيروا عليها المحن والأضطهادات .
درس طيمثاوس في مدرسة باشوش الواقعة في المنطقة الجبلية بين نهري الخازر والزاب الكبير . كان مدير مدرسته أبراهيم بردشنداد والملقب بالأعرج ، والذي كان من مشاهير علماء عصره . تخرج طيمثاوس وأيشوع برنون الذي خلفه في البطريركية وتلقوا العلم من أستاذهم ومن معلمهم أبو نوح الأنباري الذي كان يُدرِس بالأضافة الى العلوم الدينية ، فلسفة أرسطو ، ويدرب تلاميذه على قراءة الآباء اليونان وترجمة كتاباتهم الى السريانية . كما تعلم طيمثاوس اللغات العربية واليونانية بالأضافة الى السريانية . بعد أن نال قسطاً وافراً من العلوم واللغات أقيم أسقفاً لبيث بغاش خلفاً لعمه كوركيس .لم تصلنا سوى 59 رسالة من رسائله العديدة .  أما عن قصة أنتخابة لكرسي البطريركية فطويلة فنقتصر بالقول أنه نجح في أستخدام حيلة بريئة للوصول الى سدة البطريركية فسُيّمَ في 7 أيار 780 بطريركاً في المدائن بوضع يد مطرافوليطي دمشق وحلوان وبيث كرماي .
  هبت عواصف المعارضة فثارت ضده حيث تزعم يوسف مطران مرو الحزب المناوىء وأنضم اليه عدد من الأساقفة وطال الخلاف نحو سنتين وعم الأستياء بين المؤمنين فلجأوا الى بعض الأشراف المنتقدين أمثال الطبيب المسيحي عيسى أبي قريش طبيب الخليفة المهدي ، وأبي نوح الأنباري فتدخلوا لحسم النزاع فتوصلوا الى تحقيق المصالحة فساد الفرح وأقيمت حفلة في دار الروم في بغداد فتلاشت المعارضة وحل السلام في الكنيسة .
خدم البطريرك تحت حكم خمسة خلفاء عباسيين متعاقبين وهم : أبو جعفر المنصور – المهدي – الهادي – هارون الرشيد – والأمين . وعرفت الكنيسة في عهده فترة هدوء وأزدهار وأمتداد نحو الخارج قلما عرفت لها مثيلاً ، وأقام البطريرك العظيم علاقات مع المسلمين ومع سائر الفئات المسيحية في عهد المنصور عندما كان أسقفاً لبيث بغاش . أما في عهد الهادي فلا نعلم مدى أحتكاكه بالخليفة نظراً لحكمه القصير . أما في عهد المهدي فكان بطريركاً وكان الخليفة يميل الى البحث عن العلم والشعر والفلسفة والموسيقى . وإذ كان طيمثاوس ضليعاً بعلم الفلك والفلسفة واللغات فقد أستدناه الخليفة وكلفه بترجمة ( طوبيقا ) أرسطو من السريانية الى العربية , ووضع الخليفة المسمى بأمير المؤمنين فيه ثقته كلها وكثيراً ما كان يدعوه الى البلاط للمناقشات العلمية وكذلك الدينية فكان يسود جو النقاش الأحترام وحرية أبداء الرأي بدون خوف وكان البطريرك يكل له كل الأحترام فكان يعبر عن لقائه معه قائلاً : إننا قد دخلنا قبل هذه الأيام الى حضرة ملكنا المظفر . وفي نهاية مقابلته المنشورة في كتاب ( البطريرك طيمثاوس الأول – الكنيسة والأسلام في العصر العباسي – دراسة تاريخية وتحقيق لنص المحاورة بين البطريرك والخليفة المهدي ) قال البطريرك : فملكنا قال لي مبتسماً ، نترك الآن المحاورة ، ونتكلم عن هذه الأمور في وقت آخر حينما يصير لنا فرصة لنعكف عليها . وأضاف البطريرك قائلاً : نحن مجدنا الله ، الذي هو ملك الملوك ورب الأرباب  ، وهو يعطي الحكمة والفهم للملوك ، لكي يدبروا ممالكهم بالعدالة والرحمة …. وهكذا خرجنا من عنده . لكننا الآن نسأل ونقول وهل كرر الخليفة المقابلة أم أقتنع بالردود الحكيمة للبطريرك ؟ ندعوا الأخوة القراء قراءة تلك المناظرة التاريخية  والتي تحتوي الكثير من الأسئلة الفقهية واللاهوتية المهمة كانت تلك المحاورة المهمة تحتوي الى عدة مواضيع منها ( الثالوث – المسيح – الأعاجيب – النبؤات التي رافقت وهيأت التجسد – سلطة محمد والقرآن – ج#ريم*ة اليهود – البحث عن الحقيقة – وهل هناك نبوءة في الكتاب المقدس عن نجىء محمد ؟ …الخ ) ترجمت المحاورة الى العربية ونشرت وأسم الكتاب موجود في نهاية المقال في ( المصادر ) . تظهر حرية كبيرة في تبادل الأفكار والطاقات الفكرية والسياسية الكبيرة والردود الشافية والسريعة للبطريرك وأحترامه لمقام الخليفة . وكذلك موقف الخليفة المتسامح والمنفتح . قال طيمثاوس في أحدى رسائله أن هذا الأمر أي المواجهات مع الخليفة كان يجري دوماً . كان الخليفة يبحث عن العلم والحكمة .
 أما في عهد هارون الرشيد الذي كان يصدر أوامر بهدم الكنائس في البصرة وفي مناطق البيزنطة لكن في بعض الأحيان كان هناك  تدخل ثلة من المسيحيين الموظفين في البلاط كانوا ينتقدون الموقف في بعض الأحيان فيعاد بناء بعضها ، وكانوا هؤلاء المتنفذون يتصرفون بتأثير البطريرك المدافع الكبير عن المسيحيين ، وهذا ما نستكشفه من الرسالة التي وجهها الى أفرام مطران جنديسابور ( أذا سمح الله القدير بأعادة بناء الكنائس ، وإذا رضي الملك بذلك ، فأن الأمر قد أضطرني الى المثول أمامه ست مرات لهذا الشأن ) وكانت زبيدة زوجة الخليفة تساعد طيمثاوس في مساعيه لدى الخليفة وتساعد الكنائس . كان طيمثاوس من بين الذين يطيب لهارون الرشيد التحدث اليهم ومحاورتهم . وقد نُقل لنا ما جرى في أحد لقاءات البطريرك بهارون ( من جملة ما جرى له معه ذات يوم عند أنقضاء المجلس سأله سؤالاً محرجاً لكي ينال منه ، فقال له ( يا أبا النصارى ، أجبني عما أسألك بأختصار : أي الأديان عند الله حق ؟ فقال له مسرعاً : الذي شرائعه ووصاياه تشاكل أفعال الله في خلقه ) فأمسك عنه . فلما أنفصل عن المجلس ، قال الرشيد : ( لله درّه ! لو قال النصرانية ، لأسأت اليه ، ولو قال الأسلام ، لطالبته في الأنتقال اليه ، ولكنه أجاب جواباً كلياً لا دفع فيه ) . أجل كانت العلاقات متواترة بينهما والرشيد كان من أقسى الخلفاء العباسيين على المسيحية  فكانت العلاقات متواترة بينه وبين البطريرك . قال طيمثاوس في أحدى رسائله الى سركيس : ( في نهاية تشرين الأول ، دخلت ثلاثة أيام متتالية عند ملكنا المظفر وتلقاني بالفرح والبهجة وأعطاني 84000 درهم كانت تعود الى دير مار فثيون ) نسأل ونقول لماذا كانت مع الخليفة أموال الدير ؟
كان يرافق الخليفة في بعض سفراته في بعض المناطق . وكان يجمع العلماء حوله ويبحث عن المخطوطات في مختلف المناطق ، ولما أحتل عمورية وأنقرة ، أنتدب علماء ومترجمين من بغداد أختيار الكتب النفيسة من مكتباتهما فيما يخص الطب والفلسفة والفلك . وولي الرشيد تعريب هذه الكتب الى المسيحيين منهم جبريل بن بختيشوع والى يوحنا بن ماسويه ، وعين لهما كتاباً بين أيديهما ويساعدونهما في عملهما .
في الختام نقول أستمر البطريرك طيمثاوس في خدمة الكنيسة الى آخر أيامه حيث بلغ 95 سنة فدنت ساعة رحيله من هذا العالم فأوصى أن يقام أيشوع برنون خلفاً له .
توفي في 9 كانون الثاني من عام 823 ودفن دير كليليشوع في بغداد ، وكان قد جدد هذا الدير وأتخذه مقراً لأقامته . لذا فقد دعي بدير الجاثليق . ودع كنيسته المنظمة من الداخل التي كانت تنعم بأدارة أقليروس حاصل على ثقافة جيدة . وتحظى من الخارج بأحترام العالم الأسلامي بالنظر الى علمائها وأطبائها والى مساهمة بنيها في مختلف الأصعدة من الحياة الأجتماعية في الدولة العباسية .
بعد رحيل البطريرك شرع نفوذ الأطباء والعلماء يتضائل بتضاؤل الأهتمام بالعلوم ، فالمسيحيين لم يبرزوا بشىء في عهد المعتصم ، ومن جهة أخرى ، لم يقم الجثالقة بدور بارز ، فأن كلا منهم قضى فترة وجيزة في الرئاسة ولم يكن لهم شخصيات قوية بالنظر الى كبر سنهم كخليفة طيمثاوس أو الى ضحالة ثقافتهم وعلمهم . لهذا دخلت الكنيسة في مطب صعب من حياتها بعد المجد والعظمة اللذين عرفتهما في ايام طيمثاوس الكبير .
 ليرحمه الرب بعظيم رحمته ويرافق كنيسته المقدسة في كل العصور .
بقلم
وردا أسحاق عيسى
ونزرد – كندا
المصادر
1-   تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية من مجىء الأسلام حتى نهاية العصر العباسي / الأب البير أبونا
2-   الكنيسة والأسلام في العصر العباسي ( دراسة تاريخية وتحقيق لنص المحاورة بين البطريرك والخليفة المهدي) / بقلم الأب . بوتمان اليسوعي..