مقالات

أحمد القاطي من الشعر إلى القصة الدواعي والمآلات..

أليس حدثا نوعيا أن يصدر شاعر مجيد مجموعة قصصية؟ نتساءل رفقة رائد القصة القصيرة في المغرب ومهندسها الأستاذ د أحمد بوزفور. كان ذلك على هامش إصدار الشاعر المغربي أحمد القاطي “حكايات عجيبة” هي المجموعة القصصية الأولى للشاعر وتضم بين دفتيها تشتمل 11 حكاية من صنف عجائبي منثورة على 109 من الصفحات الأنيقة من الحجم المتوسط.
الإصدار المومأ إليه جاء بعد ثلاث مجموعات شعرية موسومة ب ” جنون الليالي الجريحة” 1995 .”سلسبيل” 1998 . ديوان الرمل 2000. 2007 متعدد لوجه واحد- لكن العام 2015 ستشكل منعطفا نوعيا في تجربته في الإبداع والأدب . سينعطف الشاعر قاصا مجيدا ،وينجز مجموعة قصصية موسومة ب” “تحولات ” لينزو الشاعر والأديب أحمد القاطي بعد ذلك بعيدا عن الأنظار ،بمنآى عن أوجاع النشر والتأليف لأسباب وحده من سيكشف عن تفاصيلها على صفحته الرسمية بمنصة الفايسبوك.
أحمد القاطي من مواليد 1957بمدينة تازة – المغرب – أستاذ للتعليم الإعدادي سابقا متقاعد حاليا ، منتسب إلى اتحاد كتاب المغرب . نشر عشرات الأعمال الأدبية والفكرية ، يجيد صياغة حدث مختزل ويصنع منه قصة “عجب” قصيرة بنفس الطريقة التي يجيد فيها إبداع قصيدة ، أو تقديم درس ناجح لتلامذته، قصص عجائبية متقنة ورشيقة وغنية ،تمتح من واقع مندهش، و بين الشخصيات الحقيقية أو الافتراضية “الجنية” يؤكد المبدع على تفاعل الزمان والمكان وتقاطعاتهما في بناء الذات في كل الأحداث تقريباً.
والقصص العجيبة في المجموعة هي: المسحوق الذهبي – الحمل العجيب – ضمير صالح- مجرى الماء – بكيطة – سيدي أحمد بن أحمد- الصداق – التابعة وحمار الليل -اللغز المحير- عام 1945 – في المستبطآت – شهادة. وعلى الرغم من مرارة الواقع،وتفاهة إسناداته ، وسخف المعتقد أحيانا ، ومن خيبات الحياة كما عاشها ،وانكساراتها المتلاحقة، فإن ثمة إضاءات تتوهج في أعماق الحزن والعتمة، ويصر القاطي على “إبلاغ الكاذب الى باب الدار ” كما يقول المثل. هذه رؤية (الأستاذ أحمد القاطي ) التي أراد أن يقدمها لنا عبر مجموعته القصصية (حكايات عجيبة ) وكأن العنوان يدل على هذه الرؤية فدلالة (العجب ) تؤكد على هذه الإضاءات، لذلك جاءت حصيلة تجربة الشاعر والإنسان أحمد القاطي في الشعر والحب والحياة والوطن.
حينما كتب رائد القصة الحديثة بالمغرب الأديب أحمد بوزفور عن التجربة ، قال دونما مواربة ” هو حدث يستحق الالتفات ، ويستحق التنويه والإعجاب لمجرد حدوثه ، بغض النظر عن كيفية الحدوث.وإذا كان الهدف من التقديم ” ليس التنويه والإعجاب فقط ،براي بوزفور، بل هو أيضا محاولة التعرف على طبيعة” القصصية ” في هذه المجموعة ، وكيفية اشتغالها وأثرها النوعي على المتلقي… فان العجيب في حكايات عجيبة كما يراها “و كما بدت له هو ” عالم الجن الذي يكون فضاءات اغلب القصص ، لكن هذا الجن ليس مخيفا الى حد تجميد الحكاية ولا خطيرا الى حد تفجيرها ، انه جن حكائي طريف ، ” يعجبن” حياة الإنسان، ويعطيها سرا، أي معنى خفيا كامنا وراء سطحها اليومي الرتيب”.

وتتخلل هذه القصص العجيبة قصص واقعية صارخة الحدة” ضمير صالح” “في المستبطآت” حتى لقد تتجاوز في واقعيتها الحد فتنقلب إلى الضد وتصبح هي بدورها قصصا عجيبة وأي عجب أعجب من أن يهمل المرضى في المستعجلات ،وأن يمارس “النقل” المعلمون المربون . وإذا فسد الملح كما يقول المسيح فبماذا نملح؟؟
وإذا اتسخ الصابون فبماذا نصبن؟؟؟ تلك كانت بعض الآثار التي خلفتها قراءة هذه المجموعة القصصية الجميلة في نفس قاص متميز .
والمتعة في مثل هذه الأبنية يقول احمد بوزفور”هي متعة الحكي لا متعة الشكل،ومتعة الكل لا متعة الجزء، ومتعة الاستقبال لا متعة البحث. وبذلك يصبح “المتلقي في هذه الأبنية ضيفا له فقط كما للضيف زبدة الشيء لا صنعته، والإقامة العابرة لا المكث او التردد او سبر الأغوار”.
على أن ما يستوقف كل قارئ في هذه المجموعة لغتها، إذ يتوقع للوهلة الأولى ” أن تكون لغة الشاعر لغة شاعرية، فإذا به يجدها لغة سرد شديدة السردية .وقد قدم القاص أحمد بوزفور لها قائلا” فهي لغة بسيطة متخففة من المجازات، قاصدة مستوية كالطريق ذات الاتجاه الواحد، لا يتعثر فيها السارد، ولا يتعرض فيها القارئ لأخطار سوء الفهم أو عسره أو قصوره..كان الشاعر استبعد عامدا لغته السامية وهو ينزل إلى حضيض السرد أو كأنها استراحة الشاعر أو كان الشعر انتقل هنا من الدال إلى المدلول ومن العبارة العجيبة إلى المحكي العجيب. وأيا كان الأمر، فإن هذه اللغة ببساطتها واستوائها تنسجم مع نوعية الحكاية العجيبة موضوعا وبناء وخصوصية متعة”. أحمد بوزفور.
تعرف الدكتور جمال بوطيب على نصوص المبدع احمد القاطي الشعرية في منتصف التسعينيات ، فوجدها كما هو . و جاء في شهادة أعدها بهذا الخصوص ” ووجدتها كما هي شاعر وقصيدة، “لا يشيان بغير ما فيهما. صفاء لغة ، واستقامة إيقاع ، وتأن في النشر، وحسن إصغاء إلى النصوص وكتابها ونقادها ، وصبر على إنتاجها، ومؤانسة ثابتها ومتغيرها، وبالصفاء نفسه والاستقامة عينها، وبالتأني ذاته ، والصبر هوهو، تلفي أحمد القاطي الإنسان المربي الشاعر”.هي لحظة ولادة قصصية حدث ، نفذت من السوق في طبعتها الأولى قياسيا ، وهي جديرة بأن نتمنى لها التألق الذي تستحق .
في مجموعته القصصية “متعدد لوجه واحد ” ،نقرأ في الإهداء” إلى الذي تمنى أن لا تكون مجموعتي القصصية الأولى –حكايات عجيبة- مقطوعة من شجرة الشعر ليس لها أخوات إلى العزيز أحمد بوزفور”. القصص السبعة أهداها الشاعر القاص إلى صديقه وصديقنا جميعا الشاعر والأديب الدكتور جمال بوطيب المشرف على دار مقاربات الرائدة في الصناعات الثقافة بالمغرب والوطن العربي .

في مجموعته – متعدد لوجه واحد- يمتح الكاتب من فضاء عجائبي بامتياز، وبذلك أخلص القاطي الوفاء بعهده في تحقيق أدب ينماز بالدهشة ويحقق متعة ملفوفة باستراحة المعنى العميق الدال في بساطته. لذلك ، يجد القارئ الأسماء والأشخاص الشخوص والأشياء ، الأحداث والأعمار والأسوار والأماكن والانفعالات الفضاءات كلها متجاورة ، متساكنة منسجمة وهي ترسم للنفس دهشتها الأولى ، لغة ونسقا أسلوبا وحياة، وتخطط للذات ارتباكها الذي يليق بالمعنى ومبناه الغريب العجيب .لا تمتلك كقارئ – متعدد لوجه واحد- وأنت تستعرض دفء القصص السبعة : الرهان والوتد القاتل- ببغاء الفضاء- تحولات- مأساة إسماعيل- الضفدع والقلادة- طلاق بدون طعم- كلمة السر- فاطنة والرقاء –غرابة-
إلا أن تستكين لدهشتك الروعى ، وتقتطف من رحيق ارتباكك نسغ الوجود والمعنى العابر في استقراره ، والثابت في تحولاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية . أليس الارتباك سيد المعنى، وصانع القرارات ، ومهندس الانفعال الذي يقود عالمنا –العربي- حتما إلى الاحتماء من رعب السلطة وأجلافها سرا إلى نور العجب والتمائم والرقيات وعوالم مسكونة بالرعب الذي ما بعده نور. عندما تقرأ” الرهان والوتد القاتل” تتلمس العفوية المدروسة ، كما لو إن خاتمة الحكاية انبثقت للتو ، من غير أن يتحكم مبدعها في حبكتها . والحقيقة إن القاص القاطي خطط بناء غرائبيا محكما ، بعد أن امتلك مفاتيح زمن ومكان الدهشة ورتب تكتيكا جيدا في شد أنفاس قرائه المفترضين عن سابق إصرار وترصد.” ما رآه المهدي بأم عينيه كان كافيا تحت وطأة الخوف لدفعه إلى العدول عن إتمام العملية التي أتى من أجلها، حيث ولى هاربا بأقصى سرعة، ودون إبطاء. لكنه أثناء هربه زلت قدمه فسقط على الوتد- الذي كان يحمله في يده – السقطة التي لن يقف بعدها أبدا. ص13

أحمد القاطي من مواليد 1957بمدينة تازة المغربية . وهو أستاذ للتعليم الإعدادي متقاعد حاليا عضو اتحاد كتاب المغرب . نشر عشرات الأعمال الأدبية والفكرية ، يجيد صياغة حدث مختزل ويصنع منه قصة “عجب” قصيرة بنفس الطريقة التي يجيد فيها إبداع قصيدة ، أو تقديم درس ناجح لتلامذته، قصص عجائبية متقنة ورشيقة وغنية ،تمتح من واقع مندهش، و بين الشخصيات الحقيقية أو الافتراضية “الجنية” يؤكد المبدع على تفاعل الزمان والمكان في كل الأحداث تقريباً. في قصته المدهشة –فاطنة والرقاء- نقرأ: قضى التازي مع أمه الليلة، وسمع من إخوته أشياء عجيبة. لقد قالوا له: بأنهم كثيرا ما كانوا يسمعون هدهدا، ويرون أشخاصا غرباء عن الدار لهم قوائم البقر. وأنهم كانوا يعيشون معهم في الدار ويأكلون مما يأكلون. بل في بعض الأحيان كانوا يقترضون منهم الحليب وأشياء أخر، وهذا كان لا يحدث سوى مع أمه. أمام الذي سمع ووقع لامه ، حملها التازي في يوم الغد ، وقصد بها مدينة تازة لتدبر أمرها وعدم تركها تحتضر بالتدريج..في تازة بعد حديثه مع العارفين والمجربين ، تم نصحه بالذهاب عند رقاء في تازة العليا للاستعانة به قصد تخليصها ممن ” سكنوها”.

من مجموعة القصصية ” تحولات ” نقتبس ” بعد صمت خيم على المكان، والمعطي لا يدري أهو في حلم أم يقظة، تابعت السيدة كلامها ولكن هذه المرة بنبرة حادة، وصرامة جادة. – والآن أريدك أن تصغي إلي جيدا، وأتمنى أن تكون قد وعيت المقصود من كلامي السابق، وعرفت من أكون، لتترك عنك نزقك غير المقبول، وتجنب نفسك دواهي…
وخرج المعطي من منزله غير ملتفت إلى الوراء، ودون أن يتركها تتم کلامها استعاد وهو في طريقه إلى سيارته شريط كل الأحداث منذ أول لقاء، ففكر في هجر بيته وعدم العودة إليه لكنه عدل عن فكرته لعدم جدواها لما وصل إلى سيارته أراد أن يتأكد بنفسه مما قالته له حول أبواب السيارة المفتوحة فتح الباب الأمامية فانفتحت ألقى نظرة على ما بداخلها فوقع بصره على حبل ملقى فوق المقعد الأمامي. ظل ينظر إليه طويلا وهو لا يدري ما يفعل وأخيرًا اتخذ القرار، ونفذه في الحال غير بعيد عن الدار.”

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!