مقالات دينية

الصمود في التوبة وعدم العودة إلى الخطيئة

الصمود في التوبة وعدم العودة إلى الخطيئة

بقلم / وردا إسحاق قلّو 

    الإنسان لم يخلق كاملاً لأن الكمال لله وحده ، ففي الإنسان ضعفات يستغلها المجرب للنيل منه في التجارب التي يعدها له ، فأقتراف الخطيئة بسبب الضعف ليس عيباً ، لكن العيب هو الأستمرار في السقوط وعدم التوبة وإصلاح النفس . والعودة إلى الصواب ليس صعباً إذا كان المؤمن قد دَرّب نفسه لليقضة والإستعداد للعودة إلى طريق التوبة والمصالحة . فد تكون تلك العودة لفترة زمنية قصيرة ثم يضعف ليقترف نفس الخطيئة . إذاً مطلوب من المؤمن أن يحتفظ بنقاوته وتوبته وطهارته ، لهذا عليه أن لا ينسى التوبة والندامة من أجل تطهير الذات .

   الإنسان الذي يعود من طريق الخطيئة نادماً ومعترفاً سيستحق تناول الأسرار المقدسة ، لكن عدو الخير لا يمل ، بل سيلاحقه فيراقب حركاته بدقة  فيتحفه بتجارب أخرى ليفقد طهارته  لكي لا يتخطى نحو طريق الكمال الروحي . ، فالإنسان يبدأ بالطهارة ، ثم يدخل في تجارب كثيرة ويسقط في الكثير منها ، فكل الهالكين بدأوا طريقهم بالنقاوة ثم سقطوا . الشيطان نفسه بدأ مع الله كملاك طاهر ومنير( كامل الجمال وملآن حكمة ) لكنه لم يكمل المشوار مع الله ، فكم بالحري الإنسان الذي عرف الخطيئة وعاشها لفترة ثم تاب ، فهل يستطيع الصمود في توبته ؟

   عندما نتطلع إلى قصص الكتاب المقدس فنجد الكثيرمنها تتحدث عن هذا الموضوع . ففي سفر القضاة كانت التوبة تستمر أحياناً عند شعب إس*رائي*ل عشرات السنين ، لكنهم كانوا يعودون إلى الخطيئة ويبتعدون من الخالق الذي كان يتدخل لكي يخلصهم بواسطة أحد القضاة الذي يختاره ليقيمه عليهم لكي ينصحهم لكي يتوبوا فكانوا يعملون بحسب أقواله . لكن عند موت ذلك القاضي سرعان ما كان الشعب يفسد أكثر من آبائه فيترك الله لكي يلجأ إلى عبادة آلهة أخرى ( إنظر إلى قض 19:2 ) . يقول الكتاب ( واستراحت الأرض أربعين سنة ، إلى أن مات عثنيئيل بن قناز ، فعاد بنو إس*رائي*ل يعملون الشر في عيني الرب …) ” قض 3: 11-12 ” . كذلك نقرأ ( واستراحت الأرض ثمانين سنة ، وعاد بنو إس*رائي*ل يعملون الشر في عيني الرب بعد موت إهود ) ” قض 3:3 و 1:4 ” وتستمر الحالة ، لهذا تقول آية أخرى ( واستراحت الأرض أربعين سنة … وعمل بنو اس*رائ*يل الشر في عيني الرب ) ” قض 31:5 و 1:6 ” وقصص تتكرر في حياة الشعب نفسه كشعب أو كفرد واحد . لأن قلوبهم لم تكن ثابتة مع الرب ، وتوبتهم لم تكن قلبية . أي أن الخطيئة لم تنتهي من فكرهم ، بل يستمرون باقترافها ، لهذا شَبّه الرسول بطرس العائد إلى الخطيئة بمثل قاسي ، قال ( الكلب عاد إلى قيئه ) ” 2 بط 22:2 ” .

    أجل الكثيرون ساروا مع الرب مرحلة طويلة ، لكنهم لم يستطيعوا الصمود ، فهؤلاء لا ينطبق عليهم قول القديس بولس ( أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد ) ” غل 3:3 ” . ومن الأمثلة الواضحة عن هؤلاء ، شاول الملك الذي اختاره الله من بين الشعب ومسحه صموئيل النبي ملكاً ، وحل عليه روح الرب ، وأعطاه الرب قلباً آخر فتنبأ حتى تعجب البعض ، ومع هذا عاد فأخطأ ، وكثرت أخطائه وأستمر عليها إلى أن رفضه الرب .

   في العهد الجديد نقرأ عن التلميذ ( ديماس ) الذي كان أحد مساعدي الرسول بولس في الخدمة والكرازة . أي كان أحد أعمدة الكنيسة المشهورين . قال عنه بولس ، إنه أحد العاملين البارزين معه مثل ( مرقس وأرسترخس وديماس ولوقا ) ” غل 24 ” ونهايته وصفها بولس قائلاً : ( قد تركني إذ أحب العالم الحاضر ) ” 2 تي 11:4 ” . عاد إلى العالم ، ومحبة العالم هي عداوة لله ، فعلينا نحن أن نحترس من هذا العالم ومقتنياته  لأنه يسرق محبتنا للخالق . كل الهراطقة لم تبدأ حياتهم وتاريخهم كهراطقة أعداء للإيمان ، كالراهب أوطيخا الذي كان أفضل رهبان القسطنطينية ، ورئيس رهبنة ، لكنه فشل في أكمال مسيرته الطاهرة . كذلك آريوس كان كاهناً ، ومن أفضل وأقوى كهنة الأسكندرية . كذلك أوريجانوس كان أعظم عالم في عصره ، كان زاهداً ومدافِعاً عن الإيمان ، لكن أخيراً سقط لكي تنطبق عليه العبارة الأليمة ( أيها البرج العالي كيف سقطت ؟ ) وهكذا يسقط الإنسان في لحظة طرفة عين ليهلك إلى الأبد كزوجة لوط الخارجة من أتون سدوم وكانت يدها في يد الملاك ولم تحترق مع المدينة وأهلها ، بل كان يقودها ملاك الرب مع عائلتها بسلام ، لكنها حنت إلى أهلها ، أي إلى الخطيئة فنظرت إلى الوراء فهلكت في الحال ، وهكذا ينطبق عليها قول الرب يسوع ( من وضع يده على المحراث ونظر إلى الخلف لا يدخل إلى ملكوت الله ) .

    التوبة والعودة من الخطيئة لا تعطي الإنسان العصمة النهائية ، فليس هناك أحد بلا خطيئة سوى الله وحده ” مت 17: 19 ” فعلى الإنسان أن يجاهد من أجل البقاء على خط الصلاح من أجل الخلاص كما قال الرسول ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ” في 12:2 ” فليس المهم إننا أبتدأنا ، بل الأهم هو أن نكمل المسير في الطريق القويم حتى ساعة إنتهاء أيام غربتنا على هذه الأرض .

       أخيراً ، علينا أن لا نعود إلى الوراء لأن طريق الخلاص طويل وشاق مملوء بأشواك التجارب فيجب مقاومتها ، كما علينا أن نفرز المطلوب منا والأهم في حياتنا الزمنية ونحن نسير ونتقدم في خطوات مدروسة كل يوم نحو الأبدية ، وإن سقطنا فعلينا بالنهوض بسرعة لكي ننمو ونتقدم ، والنمو يقينا من الضعف والسقوط ، فكل كائن ينمو وإن توقف عن النمو توقفت الحياة عنده فيبدأ بالذبول ثم الموت . الروح الموجود في المؤمن هو روح ألهي حي قابل للنمو إذ وجد وسائل وعوامل للنمو التي هي النعمة التي يتغذى منها ويشبع ويتزايد حتى يصل الكمال ، أي إلى قياس قامة المسيح الكامل ، ننمو في كل شىء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح ( أف 4: 13-15 ) .

   الإنسان الجاد في روحانياته يحترم مبادئه ويعمل لخدمتها فيتميز بالثبات ، لا يتزعزع لأن له قلب قوي لا يضعف أمام التجارب ، بل يقاومها بإيمان جاد ، والجدية تمنحه حرارة روحية تدفعه كل حين إلى قدام لأنه يجاهد من أجل النقاوة والكمال ، ومن أجل الخلاص .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!