مقالات دينية

نصارى العراق وعمق جذورهم التاريخية ? 8

الكاتب: وردااسحاق
 
   نصارى العراق وعمق جذورهم التاريخية – 8    
 بقلم د. رضا العطار
  اعياد رأس السنة الميلادية
 كانت الأعياد في الامبراطوية العباسية تختلف باختلاف مكونات كل شعب و مذهب و طائفة ، فلكل منها طريقتها وتوقيتها، وفي كثير من الاحيان كان المسلمون والمسيحيون يشارك بعضهم بعضا في احياء تلك المناسبات نظرا لتقاربهم في البيئة و السكن والمعيشة.
كانت اعياد العرب المسلمين كالمعتاد تشمل عيد الفطر وعيد الاضحى المبارك. كانوا يستهلون صباحه الاول بصلاة العيد ثم يتبادلون التهاني والزيارات العائلية او يلتقون في الساحات العامة يمرحون . أو يخرجون الى احضان الطبيعة لشم النسيم،
ولسان حالهم يقول:
            الورد يضحك والاوتار تصطخب*****والناي يندب اشجانا وينتحب
          والراح تعرض في نور الربيع كما*****تجلى العروس عليها الدر والذهب
ومنهم من يتهادى على صفحة مياه دجلة في زوارق جميلة يضجون بالغناء مغتبطين ومنهم من يختلي بين الخمائل تحت ظلال الاشجار يرتشف الصهباء على طريقته الخاصة. وفي هذا السياق يقول البحتري:
          اشرب على زهر الرياض يشوبه **** زهر الخدود وزهرة الصهباء
             من قدح ينسي الهموم ويبعث **** الشوق الذي قد ضل في الاحشاء
 اما اعياد النصارى فكانت كثيرة ، أهمها عيد الميلاد وعيد الفصح وعيد دير اشموني وعيد الشعانين وكان الاخير عيدا قديما يخص اشجار الزيتون فالعامة من النصارى كانوا يجمّلون رؤوسهم بأكاليل الورد وفي ايدهم الخوص والزيتون، كما كانوا يحيطون مجالسهم بباقات الزهور والرياحين والنيران وضوء الشموع . وكان اكثر مناطق العراق احتفالية هي الدير الاعلى في الموصل ودير سمالو في الشرق من بغداد. وكان العراقيون من عشاق الطرب يسافرون اليها اما عن طريق الدواب او في سفن شراعية تجري في دجلة. متنافسين فيما يظهرونه هناك من فن في الرقص والغناء.  وكان المحتفلون يتبارون في زيهم وزينتهم . ويتباهون بما يعدون لقصفهم وكانوا يضربون في شط القرية وديرها وحاناتها واكنافها الخيم والفساطيط وتعزف عليهم القيان وهم يحتسون خمور الدير:
                  دير تدور به الاقداح مترعة    من كف ساق فاتن الطرف وسنان
                     والعود يتبعه ناي يوافقه      والشدو يحكمه غصن من البان
 هكذا استحالت الاديرة الى دور احتفالية بهذه المناسبة  .  وكانت هذه الدور متناثرة في ضواحي بغداد وسامراء وغيرهما من مدن العراق . ولسان حال ابو نؤاس يقول :
                    انا والله مشتاق           الى الحيرة والخمر
                   واصوات النواقيس        و الاوتار بالفجر
                   ومشتاق الى الحانات      يوم الذبح والنحر
                   اما والله لو تسمع          ما قلت من الشعر
                   لأنست من افلاحي           يقينا آخر العمر
  وكانت حانة المطيرة في منتزه سامراء محببة لزوارها ولسان حالهم يقول:
                يا ليالي بالمطيرة والكرخ           ودير السوسي بالله عودي
               كنت عندي انموذجات من الجنة              لكنها بغير خلود
 
على هذا النحو كانت الثقافة الفنية لدى الشباب المسلم والمسيحي تتمازج احيانا حتى تجد السهل الفسيح الى دغدغة المشاعر الدينية مثلما جاء في هذه القصيدة التالية:
                 قل للمليحة في الخمار الاسود             ماذا فعلت براهب متعبد
               قد كان شمّر للصلاة ازاره              حتى وقفت له بباب المسجد
               والخمر شاغله اذا ما عوقرت    يا ابن الزبير عن الجود والسؤدد
              ما يثبت الاخوان حلية وجهه           مما يغيب فلا يرى في مشهد
              هذا وليس من الخُمار بعرف      وجه الطريق الى مصلى المسجد
 الى الحلقة التالية
 
                    ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!