مقالات دينية

الإصحاح السادس عشر للبشير متّى

الشماس د. كوركيس مردو

الشماس د.كوركيس مردو

 

 

الإصحاح السادس عشر للبشير متّى

ودَنا إليه الفِـريسِيون والصَّدُّوقُيُّون يُريدونَ أنْ يُحْرِجوه، فسأَلوه أَن يُرِيَهم آيـةً مِن السماء (متّى16: 1)

و متّى12: 38 مرقس8: 11 لوقا11: 16 1قورَنتوس1: 22.

آيـةٌ مِـن السماء

 

الفِـريسيون والصَّدُّوقيون هُما قِرْقَتان دينيَّتان مِن اليهود تختلفان عن بعضِهما في بِعضِ العقائد أبرزها عدم اعتراف الصَّدُّوقيين بِـقِـيامة الأموات، وتُلازِمُ الفِرْقَـتَيـن تُجاهَ بعضِهما الـبَغضاءُ والخُـصومةُ. يَغارُ الـفِـريسيون كثيراً على الشريعة والتـقلـيـد، بينما يَرفض الصَّدوقيون كُلَّ التقاليد وبعضاً مِن أسفار الوحي (متّى3: 7). وبالرغم مِن العِـداء الكـبير والمُزمِـن بين الفِـرقتين اتَّفـقَ أعضاؤهما على مُعاداةِ يسوع ومُقاومَتِه، فسأَلوه ما كان قد سأَله الكتبةُ والفِـريسيون قبلاً وبلا طائل (متّى12: 38) وكذلك وَرَدَ هذا السؤال لدى مرقس ولوقا وبولس كما مُبَـيَّن في الآيات المذكورة أعلاه.

قَصَدوا بسؤالهم أن يُجرِّبوه ولِـيَتَأكَّدوا مِن صِحَّةِ رِسالتِه لشَكِّهم فيها وإنكارهِم لها، فالسؤال كان مُبيَّـتاً خالياً مِن النية المُخلصة، بل اعـتَمدوا فـيه الخِـداعَ لَعلَّهم يصطادوه بمَكرهم ويُشكِّكوا الناس في مِصداقيتِه، فـتمثَّلوا بدور الشيطان مُجَرِّب يسوع والبشر. ما كانـوا بحاجةٍ الى آيَـةٍ مِـن السماء فـبالـتأكـيـد ما كانت لِـتكـونَ أسمى وأبْـلغَ وأوضَحَ مِـمّا قـام بِـه يسوع مِـن أعـمال خارقـة ومُعْجِـزاتٍ باهرة وتعاليمٍ مُذهِلة، ورغم ذلك وَجَّهوا السؤالَ مدفوعين مِن قلوبهم العامر فيها الفسادُ لا النقاء.

وَجَّهوا السؤال طالبينَ آيةً مِن السماء لأنَّ اتِّهامَهم له بأنَّ الآياتِ التي يَجتَرحُها هي أرضيةٌ بفِعْلِ سِحرٍ أو شَعْوذة، او هي بقوَّةِ بَعْل زبول سيد الشياطين (متّى12: 24) وهل يُمكِـن أن يكون الناسُ حاملـيـنَ فِكـرةً بأنَّ آياتٍ مِن السماء ستظهَـرْعِـند مجيءِ المَسِيّا المُنتظر؟ وبناءً الى هذه الفِكرة طلبوا آيَةً، والأمرُ هذا يَـدْخُل في باب الحدس والتخمين، ولكِـنَّ ما هو الأرجَـح والأكـيد خالوه طلباً تعجيزياً يُعطيهم ذريعةً بِعَدَم قَـناعَـتِهم بالآيات والأعاجيب التي صَنَعها.

فأَجابَهم: ” عند الغروب تقولون: صَحْوٌ، لأنَّ السماءَ حَمْراءُ كالنار “ وبِاُسلوبٍ توبيخيٍّ قال لهم: مِن مظاهِـر الجـوِّ الغامضة تستَـنـتِجـون ما سوفَ يَحـدُثُ مِن التغـييرات الجوية، وتَـتَـداولونَها في أحاديثِكم الإعـتيادية، فـمِن احمِرار السماء عند الغروب تعلمون بأنَّ الغَدَ سيكون صحواً. ولكِنَّهم عاجزونَ عَن الإقتناع بالعلامات والأدِلة التي صَنَعَها مِن أجل إثـباتِ حَقـيقة رسالـتِه.

وعـند الفَـجْر: اليوم مَطرٌ، لأنَّ السماءَ حَمْراءُ مُغبَرَّة. فمَنظرُ السماءِ تُحْسِنونَ تفسيرَه، وأما آيات الأوقات فلا تستطيعون لها تفسيراً: فلأنَّ السماءَ حَمراءُ مُغْبَرَّة، أي مُلـبَّدة بالغيوم تتعرَّضُ لها أشِعَّةُ الفجر، فـيستَدِّلون مِن ذلك بقُـربِ هُـطول المطر. أيها المُخادعون! تَـدَّعَون المَعرفةَ على الإعلام عن المطرِ والصَّحْوِ مِن مُراقـبَـتِكم لِمظاهر الجَّوِّ الغامضة، وأهْـمَلـتُم قراءَة الأزمِنة الواردة على لسان الأنبياء والتي تُنبيءُ بمجيء المَسِيّا < لا يزولُ صَولجانُ المُلكِ مِن يَهـوذا ولا مُشْتَـرَعٌ مِن صُلـبِه حتى يأتيَ شيلُـوَه “ذو الأمر” فتُطيعُه الشُّعوب > (تكوين49: 10: 25) وما عدا ما نادى به الأنـبـياء، لم يسمعـوا لصوت يوحنا المعْـمذان الذي سَبَـق المسيح مُرسَلاً أمامَه (متّى3: 7- 8) ولا قَـبلوا بتعاليم يسوع  ولا أقَرُّوا بالآيات والمعجزات التي صنعها للمرضى والمُحتاجين، .

 قال لهم يسوع: جيلٌ فاسِدٌ فاسِقٌ يُطالبُ بآيةٍ ولَـن يُعطى سِوى آية يونان ” ما أغلظ قلوبَ بعض البشر ومِنهم الفِـريسيون والصَّدوقيون ومَن هُم على مثالهم، فيغدون بعيدين عن الخضوع لله، فقد سَمِعوا وشاهدوا أعمال يسوع التي كانت تشهَدُ ليس لقدرة الله فحَسْب، بل لِـنِعْـمتِه وجـودَتِه ايضاً. كُلُّ هذا والآيات التي أجراها يسوع لم تَكْـفِـهِم فطلـبوا أن يُـرِيَهم آيةً من السماء. أَوَلَم يَكُن يسوعُ ذاتُه آيةً عُظمى بكُلِّ ما تعنيه الكلمة؟ تُرى، ما نوع الآية التي كانوا يتوقَّـعونَها مِـنه؟ هل أرادوا أن يُغيِّـرَ لهم ثابتاً مِن ثوابت الكَوْن لتكون علامة غَـريبة؟ هَل فَكّـَروا بإنـزال مَـنٍّ من السماء؟ والأرجح أنَّ هـذا الشيءَ الماديَّ هو ما جال في فِـكرهم، لأنَّ شيـوخَ بني اس*رائ*يل كانوا يُردِّدون بأنَّه متى ما يأتي المَسِيّا سيَجلبُ لنا المَنَّ من السماء ألم يعمل هذا موسى؟ (يوحنا6: 30- 31). لقد رأى يسوع أنَّ طَلَبَ هؤلاء لم يَكُن طبيعِياً، فقد أُعْطِيَت لهم آياتٌ كثيرة بدل آية واحدة وقد شاهدوها، فـلماذا هذا الطلب؟ فـلن يُعطى إلاَّ آيـةُ يونان فهي تُـشيرُ الى الأيام الثلاثة ما بين صَلبِه وقِـيامتِه، وتُـشير أيضاً الى توبة أهـل نينوى، لَعَـلَّهم سٍيَتأثَّروا بأهل نينوى فـيجـنحوا الى التوبة على مِثالهم. يسوع ما كان لِيَمتَنِعَ عَن اجتراح آيةٍ، ولِكنْ لِمَن؟ الآية يجترُحُها لِـمَنْ تَـفْعَل مِنه مؤمِناً،. أما هؤلاء فهُم قُساة القُـلوب وقد عَـقدوا العَزْمَ مُسبقاً على عَدَم الإيمان، فعَلِمَ يسوع بمَكرِهم وخُبثِهم فتركهم ومضى.

آيَـةُ يونان النبي يُشيرُ بها يسوع الى قِـيامة الأموات التي هي أعْـجَـبُ العَـجائب، وبخاصةٍ الى مَـوتِه وقِـيامَـتِه سِرَّي الخلاص العظيمَين. ولكنَّ الأمة اليهـودية المُتمَرِّدة وغَـير المؤمنة، رفضت مسيحها الحقـيقي، وبهذا الرَّفض صارت أواخـرُها أشرَّ مِن أوائلها. وأعْطَت الفُرصة لِلأُمم لِيأخذوا دَورَها < فـقال له: إنْ لم يستَـمِعـوا الى موسى والأنبياء، لا يَقـتـنِعوا ولو قامَ واحِدٌ من الأموات > (لوقا16: 31). وهـو ما حدث، ألم يَـقُم واحـدٌ مِن الأموات وهوالمسيحُ يسوع، فما كان رَدُّ رؤساء الـيهود أنفسِهم < فاجـتمعَ عُـظماءُ الكهنة والشيـوخ، وبعدما تَـشاوروا أعْـطوا الجُّـنودَ مالاً كثيراً، وقالوا لهم: قـولوا إنَّ تلامـيـذَه جاؤوا ليلاً فسرقـوه ونحن نائمون. وإذا بلغ الخبرُ الى الحاكم، أرْضيناه ودفعـنا الأذى عنكم > (متى28: 12- 14). فهل هناك أعظمُ مِن هذا الإجرام، ومَنْ يستطيع على ارتكابه غيرُ عبيد الخطيئة والعنيدين والحسودين وعَبدة المال وخوفِهم على ضياعِه، هؤلاء كأنوا مُقاومي يسوع.

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!