مقالات دينية

على الصليب التقى اللص كياسا مع المسيح

وردا اسحاق

وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

في العهد القديم والى يوم صلب المسيح كان يعتبر الصليب أداة لعنة يستخدم للأنتقام من المجرمين الخارجين عن القانون . لكن الرب يسوع حوله الى أداة خلاص ، الى مذبح جديد أختاره لكي يقدم ذاته فدية عن العالم أجمع . وعليه التقت السماء مع الأرض فحدثت المصالحة وأنتصر الحب الإلهي العجيب ليعطي الحياة لكل من يؤمن بالمصلوب وبعمل الصليب الكفاري المقدس . لقد فتح باب الرجاء وحتى للذين تملكهم اليأس وتسلط عليهم الأبليس وأغلق عليهم بالخداع والوهم والتضليل لكي يقطعوا كل الأمل فيسيروا في الظلمات . لكن عمل المسيح على الصليب فتح للجميع باب الرجاء والحياة الأبدية وباب النصرة والخلاص . فهل هناك حباً أعظم من هذا ؟ من أجل هذا الحب أُهين رب المجد وبصق عليه وتحمل كل العذابات كالجَلِد وأكليل الشوك ، وحمل الصليب في طريق الجلجلة الطويل ، سمر على خشبة الصليب ، أرادوا أن يسقوه خلاً ، وأخيراً فتح جنبه بالحربة لكي تخرج منه آخر قطرة دم فيطهر بها البشرية من الخطيئة .

صلب المسيح بين لصين لكي يحسب مع الأثمة ( مر 27:15 ) . تحت الصليب كان الحضور والمجتازون  يجذفون على المسيح المصلوب ومعهم كهنة اليهود قائلين ( يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك أن كنت أنت أبن الله فأنزل عن الصليب ) ” مت 39:27″ . لا يعلمون ماذا يقولون . لا يعلمون أنهم بصلبهم للمسيح نقضوا هيكل جسده . فهيكل سليمان كان رمزاً لهيكل جسد الرب ، فعلى الصليب هدموا ذلك الهيكل وأنه فعلاً سيقيمه بعد ثلاثة أيام وبعد قيامته سينتهي مفعول هيكل سليمان والرومان نقضوا ذلك الصرح العظيم بعد عدة سنوات وألى الأبد لكي يبني له المسيح صرحاً بديلاً وهي الكنيسة المقدسة جسد الرب الجديد في عهد جديد . رغم أقوالهم وتجديفهم على الرب تحت الصليب أستشفع لهم عند الآب قائلاً ( يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) ” لو 34: 23″ . وهذا هو الفرق بين الظلمة والنور ، بين الحقد والمحبة ، بين الخطيئة والبر .

   صراع عظيم حدث بين الصليبين المحيطة بيسوع . أتفق اللصان معاً برأيِ واحد في ساعتهم الأخيرة ، ساعة الظلام كما عبر عنها الرب في ( لو 53:22 ) فشتموا وسخروا وعيّروا المصلوب بينهم وكأنهم مع اليهود اللذين صلبوهم  ( مت 27: 42-44 ) . دفعهم المجرب في تلك الساعة لكي يهينوا هم أيضاً رب المجد ، لهذا كان اللصان يعَيران المسيح  . لكن صمت المسيح وتأثير أكليل الشوك على رأسه ضَغَطَ بشدة على ضمير وعقل وفكر وقلب أحد اللصين ، وهو المصلوب على يمينه فحدث تَغيير ، لا وبل تطهير في قلبه القاسي ، فوقع أنقلاب سريع في هذا المصلوب الذي كان يعيش في يأس عظيم فاقد الرجاء والذي كان بينه وبين الموت لحظات لكي تنقل روحه من على الصليب الى الموت الأبدي . كان الموت يتشبث جداً به ، بينما بصيص الرجاء كان يصارعه أيضاً في الداخل من أجل أنقاذه ، نور المسيح الذي بقربه بدأ يعطي له الرجاء فبدأت معركة في داخله بين الحياة والموت . كان الصراع في قمة الشراسة بضراوةِ بالغة لم يشهد التاريخ من قبل تحدياً سريعاً كهذا وأصراراً من أجل الأنتصار ومن أجل ق*ت*ل الموت الذي كان يتحدى تلك النفس . أستمد مصلوب اليمين قوته وقدرته وثقته من الدم البرىء المسفوك على صليب الوسط وكما أعترف ببراءة المسيح لصديقه ، وفجاة وبسرعة خاطفة ومذهلة !! وقبل أن ينال الموت منه حدث شىء جديد لم يخطر على بال أحد ، فإذا بلص اليمين ينقلب على لص اليسار ليحسم الصراع بينهما لصالح المصلوب في وسطهما ، فالتفت الى اللص الآخر وانتهره بشدة وبصوت مسموع لكل الحاضرين قائلاً ( أحتى أنت لا تخاف الله ، إذ أنت تحت الحكم بعينه ، أما نحن بعدل لأننا نلنا أستحقاق ما فعلنا ، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ) ” لو 40:23″ . لقد أعترف بأنهم مستحقين العذاب والموت ، أما المسيح فهو برىء لأنه لم يفعل ما يستحق الصلب . ولم يكتفي بتوجيه كلامه الى لص اليسار والذي عبر أولاً من خلال صليب الوسط لكي يسمع يسوع هذا الكلام بوضوح . بل أراد أن يقدم أعتذاره وتوبته وأيمانه للمصلوب الى يساره معبراً عن ندمه قائلاً :

( يا يسوع أذكرني عندما تجيء في ملكوتك ! ) ” لو 42:23 “

حدث تغيير في داخل لص اليمين فأنكسر قلبه القاسي فأستبدلت قسوته بالرقة ! وبغضه بالحب ! وحقده وكراهيته وشراستة بطلب التسامح والغفران !

وهكذا يأتيه الرد السريع من الفادي الذي أهانه هو وصديقه قائلاً :

( الحق الحق أقول لك : إنك اليوم تكون معي في الفردوس ! ) ” لو 43:23″

 يا للبهجة والفرح … والرجاء والأنتصار بسبب الحب الألهي العجيب ، وهكذا حصل فرح في السماء بتوبة خاطىء ومهما كانت خطاياه وجرائمه ، لا وبل كلمات المصلوب التائب أصبحت كصلاة ترددها الأجيال فتقول للرب ( أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك ) . وهذا اللص هو أول من دخل الفردوس قبل أن يصّعِد الرب النازل الى الهاوية آبائنا الأبرار الى الفردوس المعد لهم .

طوبى للص الذي نال الخلاص . يقال أن أسمه كان ( ديماس ) وفي كنيستنا الشرقية نسميه ( كياسا ) . تنظم كنيستنا في اليوم الثاني من عيد القيامة وأثناء القداس مسرحية كياسا تحمل في مضمونها خلاص لص اليمين ودخوله الى الفردوس كأول مؤمن بالمصلوب الألهي ، وأول من مات معه . أجل آمن ذلك اللص في لحظاته الأخيرة قبل أن ينال الموت الأبدي منه . قبل المسيح توبته وأيمانه فنفذ له طلبه بأن لا يذكره في ملكوته فقط بل سيكون معه في فردوس النعيم بعد لحظات . فعلى كل من فقد الرجاء في الخلاص أن يقرأ قصة هذا اللص ويتمسك بالرجاء ويؤمن برحمة الله الواسعة ومهما كانت حلكة الظلام التي تحيط به .

هناك من يخطىء يتفسير قصة خلاص ( كياسا ) بأنه خلص بدون نوال سر المعمودية ، لهذا يقللون من أهمية هذا السر متحججين بهذه القصة وبالآية التي تقول ( آمن فقط ) متناسين الآيات التي تدعوا الى المعمودية ( من آمن وتعمد خلص ) ( فأذهبوا إذن ، وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس ) . إذن لنسأل هذا السؤال ونقول ، هل أعتمد لص اليمين فنال الخلاص ؟ الجواب : نحن نعلم بأن في المسيحية سر العماد يناله المؤمن أما بمعمودية الماء والروح القدس ، أو بمعمودية الدم ، أو بمعمودية الأشتياق الى العماد . فأي نوع من المعمودية نال الطوباوي ديماس أو كياسا وهو على الصليب ومن عمده ؟

نقول أولاً حدث تغيير في قلب ديماس الخاطىء فغيّر موقفه الهجومي على المسيح لكي يهاجم صديقه ، لا وبل لكي يهاجم الشيطان وخططه وطرقه وكأنه فعلاً أمام الكاهن لينال العماد فيكفر بالشيطان وسبله لأنه عرف الحق والحق حرره . والحق هو المسيح المصلوب بجنبه ( أنا هو الطريق والحق والحياة ) فبدأ يرى بصيص النور في الأفق وهذا النور دفعه الى الأعتراف بالمسيح المصلوب ، فبدأ يهاجم الشر والشرير وكأنه يمارس فعلا طقس المعمودية بمهاجمة طرق الأبليس فيعلن أمام الناس وأمام المسيح جحده للشيطان كما يفعل كل من يريد أن ينال المعمودية كشرط أول لأكمال المرحلة الأولى من سر العماد . المرحلة الثانية أعترف بخطاياه لمصلوب اليسار بصوت مسموع للجميع ومنهم الرب يسوع حيث النداء الموجه من لص اليمين الى لص اليسار كان أولاً يمر من صليب الوسط فسمعه الرب ، بعد الأعتراف بخطاياه ، ترك مصلوب اليسار لكي يلجأ الى مصلوب الوسط ليقول له ( اذكرني في ملكوتك ) أنه أعتراف صريح بآلوهية المسيح ومملكته السماوية . هكذا أكتمل طقس المعمودية بعد أعترافه بالمسيح رباً وألهاً وملكاً بقوله ( ملكوتك ) وهذا ما قاله المسيح في نفس اليوم لبيلاطس ( مملكتي ليست من هذا العالم ) . كان كياسا يعني بكلامه للرب : نجني يا رب . وهكذا يأتي دور الكاهن في المعمودية لكي يكتمل هذا السر وينال العماد والخلاص . والكاهن الأعظم هو المسيح الرب على رتبة ملكيصادق الذي قال ( … اليوم ستكون معي في الفردوس ! ) ” لو 43:23″ وهكذا تحول اللص الى أبناً لله فأنكسرت شوكة الموت وحصل فرح في السماء .

وهكذا أحتوت أحداث ذلك اليوم العظيم قصة أخرى تحت الصليب والخاصة بخلاص قائد المئة الوثني الذي تأثر بتلك الوقائع المرئية والمسموعة فأعترف بالحقيقة بعد أن طعن جنب الرب بالحربة فخرج في الحال دم وماء ، والتي هي رمزاً للمعمودية والأفخارستيا فأعلن هو الآخر شهادته وأيمانه بقوله ( بالحقيقة كان هذا الأنسان باراً ) ” لو 47:23 ” ويذكر التاريخ بأنه آمن واستشهد حباً لمخلصه .

وهكذا سيقول يسوع لكل من تعلقت نفسه بالرجاء ويعلن أيمانه بالمصلوب الإلهي ومهما نال منه الفساد بسبب خطاياه الكثيرة ( الحق الحق أقول لك ، ستكون معي في الفردوس )

ليتبارك أسم الرب المصلوب

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!