مقالات دينية

يونان النبي وصوم الباعوثة

يونان النبي وصوم الباعوثة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

يونان النبي وصوم الباعوثة

 قال للفريسيون والصَّدوقيون  «جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ» (مت 16: 4).

      يونان هو أحد الأنبياء الصغار الأثني عشر وهم : ( عاموس ، عوبديا ، يونان ، ميخا ، ناحوم ، حبقوق ، هوشع ، يوئيل ، صفنيا ، حجي ، زكريا، ملاخي ) . ذكر اسمهُ في سفر الملوك الثاني قبل سفره . قيل أن يربعام الثاني بن يؤاش ملك إس*رائي*ل الذي رد تخم إس*رائي*ل من مداخل حماة شمالاً  إلى بحر العربة وخليج العقبة جنوباً ، حسب كلام الرب إله إس*رائي*ل الذي تكلم به عن يد عبده يونان بن أمتاي النبي الذي من جت حافر ، والذي أرسله الله إلى الملك الشرير يربعام الثاني وذلك لأن الرب رأى ضيق إس*رائي*ل مراً جداً … وليس معين لإس*رائي*ل ( طالع 2 مل 14: 25-26 ) وجت حافر التي كانت من نصيب سبط زبولون ذكرت في ( يش 13: 19 ) .   فكما أرسل الله يونان إلى يربعام أرسله أيضاً إلى نينوى العظيمة لينقل إليهم رسالة الله بسبب شرهم الذي وصل إلى محضر الله . لم يشأ يونان تنفيذ أمر الرب لأن أهل نينوى شعب معادٍ لبني إس*رائي*ل فأراد لهم الهلاك بسبب هذا التعصب لكي ينتقم مما فعلوا ملوكها بشعبه من تعدٍ لهذا إختار الطريق المدبر لنينوى فأستقل السفينة التي تتجه إلى ترشيش ( إسبانيا ) . فبسبب هذا التمرد قرر الله أن يلقنه درساً مهماً لكنه لم يرفضه ولم يشأ بإختيار مرسل آخر غيره . في عرض البحر أمر الله بنوء جوي عظيم فإشتدت الرياح بسبب عاصفة كادت تغرق السفينة بمن فيها ومحاولات البحارة باتت بالفشل فلم يبقى لديهم إلا التفكير بمن هو السبب في حلول تلك الفاجعة التي ألمت بهم ، فألقوا القرعة فيما بين الحضور ، والله تدخل لكي يضعها على المسبب الحقيقي وهو يونان الذي إعترف لهم بأنه فعلاً هو السبب ، وطلب منهم بأن يلقوه في البحر لكي تهدأ العاصفة ، فطرحوه في البحر . والله كان قد أعد له حوتاً عظيماً ليحفظه في جوفه ثلاثة أيام ، وبقاء يونان ثلاثة أيام في بطن الحوت هو رمز لبقاء الرب في جوف الأرض ثلاثة أيام ، وكما تنبأ الرب يسوع قائلاً : (  لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ، هكذا يكون إبن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال ) “ مت 40:12 ” . في جوف الحوت أعلن يونان توبته فصلى إلى الله فقبل الله صلاته فأمر الحوت بقذفه إلى الساحل . ومن ثم صار ليونان قول الرب الجديد ( قم إذهب إلى نينوى ، المدينة العظيمة ، وناد لها بالمنادات التي أنا مكلمك بها ) فنهض يونان وإنطلق صوب نينوى ، وعندما وصلها بدأ ينادي قائلاً ، أن الرب مزمع في أربعين يوماً ليخرب المدينة لكثرة شرورها وخطاياها . آمن الشعب برسالته فإتفقوا بنفس واحدة فقرروا الصوم ، ولبسوا المسح من صغيرهم إلى ملكهم ، وحتى البهائم شاركت الإنسان في الصوم . طلب أهل نينوى المغفرة والرحمة من لدن الله . إذاً أهل نينوى الوثنية كانوا يعرفون الله الخالق الذي صرخوا إليه بصوت واحد سائلينه الرحمة والمغفرة . فلما رأى الرب توبتهم عدل عما قرر أن يصنعه بهم ، لكن قراره لم يرق بيونان الذي لم يكن يتوقع من أهل نينوى التوبة والخلاص . فبدل من أن يفرح يونان لأنه نجح في مهمته ، بدأ يعاتب الله الذي حَمَّلهُ مشقات السفر وأنه يعلم بأن الله رؤوف ورحيم وبطىء الغضب . كما أراد أن يلقن يونان درساً آخر عندما صنع له مظلة على تلة مشرفة على نينوى وكأنه في مرصد يراقب الأحداث ، فأنبت له الله يقطينة وسرعان ما تسلقت وظللت يونان الذي فرح بها فرحاً عظيماً . لكن عندما أرسل الله دودة لتنخر اليقطينة منذ الفجر ، جفت عندما ضربتها الشمس ، فإغتاظ يونان جداً وإختار الموت لنفسه ، فلامه الله قائلاً ( أتظن نفسك على حق … ؟ أشفقت على اليقطينة ولم تتعب فيها ولا ربيتها وكانت بنت يومها ، أتريدني ألا أشفق على أهل نينوى وقد تابوا إليّ ! ؟ ) .

لماذا نصوم الباعوثة؟ 

     ( باعوثة ) كلمة سريانية تعني ( طِلبة ) والطلبة يحصل عليها بالصلاة والصوم والتذرع من أجل إلتماس الطلب من السماء . تستمر الباعوثة ثلاثة أيام تعيشها الكنيسة في ليتورجيا طقسية خاصة بهذه الأيام تعلن فيها التوبة والندم عن الخطايا وكما فعلوا أهل نينوى في زمانهم ، فتمتلآ الكنائس بالمصلين الصائمين حتى الظهر وتنقطع كل العوائل عن الزفرين أثناء الصوم , وهذا الصوم يبدا كل عام من يوم الأثنين الثالث السابق للصوم الكبير . أي قبله بثلاث أسابيع .

كل الكنائس العراقية بمختلف طوائفها الكلدانية والسريانية الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية ، وكنيسة المشرق القديمة ملتزمين بهذا الصوم وبنفس الطقوس الكنسية . فلماذا الصوم لمدة ثلاثة أيام؟ هل لأنهم يقتدون بصوم أجدادهم في نينوى ، أم بسبب بقاء يونان ثلاثة أيام في جوف الحوت الذي يرمز إلى بقاء الرب يسوع في بطن الأرض لنفس المدة ، ولماذا نلتزم نحن أبناء الرافدين في هذا الصوم أكثر من غيرنا . 

هناك آراء كثيرة تعبر عن سبب وجود هذا الصوم ، فالكنيسة الكلدانية تجد علاقة لهذا الصوم بصوم نينوى ، وكذلك بصوم لنفس المدة قرره البطريرك مع أساقفته في زمن الطاعون الذي أنتشر في مناطق عدة من البلاد وذلك في القرن السابع ، وقتذاك صام الجميع وصلوا لأجل رفع ذالك الوباء الذي حل بالشعب المؤمن ، فإستجاب الله وأنتهى شبح الموت فإتفق الرؤساء الروحيين منذ تلك الفترة أن يستمروا بإحياء هذا الصوم كل عام وفي الوقت ذاته إلى يومنا هذا .

نسأل الله ليقبل صومنا وصلاتنا وطلباتنا .

توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 ” 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!