مقالات

من سرق روايتي؛ عبدالغني سلامة

من سرق روايتي مجموعة قصصية لعبد الغني سلامة تقع على متن 222 صفحة من القطع المتوسط، وهي من اصدارات الاهلية للنشر والتوزيع عمان/الاردن بطبعتها الاولى سنة 2016.

المجموعة تتضمن ٣٦ قصة متنوعة يغلب عليها الطابع الوطني والاجتماعي، فامثال صاحبنا عبد الغني تجسيد حي لمقولة رائد علم الاجتماع ابن خلدون” الانسان ابن بيئته” وعبدالغني في هذه المجموعة لم يبتعد كثيرا عن بيئته؛ بل انه كم سبق واسلفنا تجسيد حي لتلك المقولة الاثيرة.

هذه المجموعة بقصصها ونصوصها ٣٦ كتبت بلغة سلسة وبسيطة وبعيدة عن التكلف؛ تقرأها كأنك تتجول في مدن البلاد وتحسن التقاط هموم ومشكلات العباد ، وتقرأها كأنك تطالع موقفا من الحياة والسياسة والمجتمع، والاهم الموقف من الحياة والموت[ كقصة حوار بين الحلم والشهادة ص١٨٥، والمرأة [كقصة نساء سجينات ص٥٩] ثم يأخذ القلم مداه ويستمد مداده من وجوه الناس وآمالهم وآلامهم واحلامهم ويخطها حرفا تلو حرف حتى ينسج منها تفاصيل الحكاية…

ليس هذا وحسب بل ان قصص/نصوص صاحبنا تحمل موقفا مبدئيا من قضايا التحرر والحرية والعدالة الاجتماعية والانسانية.

في هذه المجموعة غيض من فيض مما اختزنته ذاكرة صاحبنا من مواقف ومحطات عبر سيرة حياته المعيشية والدراسية والوظيفية والتنظيمية تم استعادتها لاحقا بعد انثيال ذاكرة صاحبنا، هذا الانثيال الذي جاء متقدا كأنه ابن الامس، وهذا منبعه ومرده ان صاحب هذه المجموعة صاحب موقف مبدأي تجاه المواقف الوطنية وصاحب قلب مرهف تجاه القضايا الانسانية والعاطفية ، وهذا ما يتضح جليا خاصة في قصة اين اختفى ابو العبد ص٣٩ والرئيس وانشتاين ص ٨٩، وقصة مجرد تشابه ص١٢٧ وقصة لاجيء سوري ص٥٧].

في هذه المجموعة غيض من الافكار الناقدة لكثير من سلوكيات وعادات المجتمع، هذه القصص تلتقطها عين راصدة مجبولة بحب البلاد وتفاصيل ابناءها كقصة حارس العمارة ص١٣ والتي تظهر عادة سلوكية مزمنة في المجتمع تتمثل بان كل سكان العمارة الميسورين يتبرعون لحارس العمارة بما يزيد عن حاجتهم الى تتطور شخصية الحارس ويصبح مقصدا لخدمة الناس وقضاء حوائجهم… والقصة لو فتحنا باب النقاش من حولها لحملناها كل مانريد من مقاربات ومفارقات…

هذه المجموعة مصابة [والمصاب هنا شيء جميل وايجابي] بمس من اسلوب الماغوط الذي جسده كثيرا في كتابه ساخون وطني، والمس الاخر الساخر والناقد نجده في مجموعة مقالات ونصوص وقصص كبيرنا الذي نحب عبدالفتاح القلقيلي، وهذا يظهر جليا في قصة يوم هندي في استوكهولم ص١٤٧، واخيار واشرار ٧٣، ونعم المربي٨٥، وبقالة تشرين ص٣٥، الغيمة التي امطرت اسمنتا ص٢١.

وفي هذه المجموعة يظهر كم طوع صاحبنا قلمه ليلائم سلوكه ومعتقداته، ففي هذه المجموعة كثيرا من البوح لتفاصيل من حياة وتجارب عبدالغني نفسه مثل قصة مذكرات رياضي ص١٠٧، نملتان ص١٣١.

وفي هذه المجموعة وعلى اختلاف مواضيع قصصها ال ٣٦ نجد مكمن الجمال القابع في قلب صاحبنا؛ نجد الجمال هنا يتربع بتودد وألفة، يأتلفان ولا يختلفان، فثمة تناسق وتطابق بين الشخص الكاتب والنص المكتوب حد التماهي؛ فعبد الغني هنا يكتب كما يتحدث، بدون تنميق او تزويق او ادعاء، وهذا ما يجعل المجموعة [بقصصها ونصوصها وقضاياها التي تتضمنها] اقرب الى قلوب الناس واحساسهم… وربما يكون لخلفية عبد الغني التنظيمية والفكرية دخل بهذا الموضوع؛ لكن مما لا شك فيه ان عمله كصحفي وكاتب عمود يومي قد القى بظلاله كثيرا على فحوى ومضمون هذه المجموعة…

في هذه المجموعة قصة ونصا يأسران بما لهما من دلالات فارقة في القضية ا*لفلس*طينية والتبعات التي ترتبت على احداثهما فيما بعد؛ الاولى جاءت تحت اسم اين اختفى ابو العبد؟ ص٣٩ ، والثانية جاءت تحت عنوان فانتازيا افغانية ص١٧١.. الاولى يتحدث فيها الفدائي الاصيل المجهول الذي نحب ونعشق ولاجله ولاجل سيرته تبعته جحافل من الثوار بالانضمام لصفوف الثورة وحمل اسمه تيمنا بسيرة حافلة وعطرة بوصلتها كانت دوما وابدا فلسطين. والنص الثاني والذي جاء تحت عنوان فانتازيا افغانية ص ١٧١ يصلح لان يكون الضد من القصة الاولى اين ذهب ابو العبد. لماذا ، ببساطة لان الثانية تتحدث عن التيه الاخواني هناك والذي احدثه رواد الحركة الاسلامية ومن امثالهم عبدالله عزام والذي رمز له الكاتب باسم ضيف الله، وتمثل هذا التيه بتوجيه الشباب العربي والمسلم نحو الجهاد في افغانستان بدعوى محاربة الالحاد والسوفييت وهم في الحقيقة وكلاء للسي اي ايه وكل المواخير العربية والغربية التي تستهدف حرف البوصلة عن فلسطين وافراغ همة شباب الامة من نبضها الوطني الطبيعي تجاه قضيته الاولى فلسطين… فظهرت الهرطقات والكرامات وتمكنت الخرافات والانحرافات من سوق كثير من شباب العرب والمسلمين نحو الجهاد في افغانستان طمعا في الحور العين والخلاص ورغبة في رؤية “ايات الرحمن في جهاد الافغان”.

كثير من قصص هذه المجموعة كانت ذات دلالة ورمزية عالية لا سيما القصة الاولى الواردة على ظهر ص ٩ والتي جائت تحت عنوان “من سرق روايتي”، وكذلك الامر لعديد القصص التي احتملت همزات عبدالغني ولمزاته، وعلى الرغم من ذلك بقيت كثير من الدلالات والرموز كامنة وقابعة “لابدة” في بطن الكاتب، وهذا الامر سمح لعبد الغني واسلوبه في الكتابة النقدية مقبولا ومحببا في غالب الاحيان، علاوة على كون الاسلوب والافكار ملدى صاحبنا محملة بكثير من الحرص والحب على البلاد والعباد.

عبدالغني في هذه المجموعة يكتب ليعيش الوطن وتحيا الفكرة، ونحن نقرا لنعيش معه كل تلك التفاصيل؛ ولكن جميعنا يجب ان نلتقي في تلك الحدود البالغة [٢٧ الف كيلو متر مربع] والتي صنع مجدها ابو العبد وامثاله ص ٣٩.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!