مقالات دينية

اوراق الخريف (القسم الثالث)

اوراق الخريف (القسم الثالث)
الشماس ايشو توما

((اكنزوا لكم كنوزا في السماء ،حيث لا يفسدها السوس ولا السارق. متى 6; 19-21 ))

منذ بدء الخليقة الله عاقب الانسان بسبب معصيته في جنة عدن ،قال له ((ملعون الارض بسببك ،وبمشقة تأكل منها طول ايام حياتك ،ومن عرق جبينك تأكل خبزا .تكوين ٣: ١٧-١٩ ))
بسبب هذه العقوبة الالهية للانسان ما زال هذا الاخير يجهد ويتعب بمشقة كل يوم للحصول على لقمة العيش في هذه الحياة …لم تكن هينة هذه الامور في بداية الحياة بسبب عدم توفر وسائل التطور والتكنولوجيا الحديثة لتسهيل اقتناء مستلزمات الحياة من الغذاء والملبس ،لكن اليوم اختلفت الامور تماما العلم والتكنولوجيا فتح بابا جديدا امام الانسان لتوفير معظم مستلزمات الحياة ،فكثرت المواد الغذائية ،الصناعية ،الاقتصادية ،المالية والخ ….ظهرت الاف الشركات الكبيرة المختلفة تصنع وننتج وفرة كبيرة من المواد الاستهلاكية في كل انحاء العالم ورغم زيادة تعداد نفوس البشر على الارض لازالت تلبي هذه التكنولوجيا احتياجات الانسان لحد ايامنا هذه … مربط الفرس ليس وفرة او شحة المواد هي المشكلة فقط ولكن الامر يكمن في هذا الانسان ..كيف يتعلق بها ويتصرف او يتعامل معها …
معظم الناس اليوم ترغب ان تكون اغنياء لذا يجهدون ويشقون للحصول على المال الكثير فتحصل منافسة مع الاخرين وهذه غريزة في الطبيعة البشرية دون عيب آو خطأ لو عرف الانسان حسن التصرف او التعامل معها بشكل صحيح ،ولكن اذا اطلق لها العنان ولم يحسن التصرف توقع صاحبها في خطأً الشراهة والطمع والابتزاز والاستغلال والسيطرة والاحتكار …يقوده الى سوء التعامل مع قريبه الانسان يراه تابعا له باستغلاله في العمل مثلا ويدفع له فتاة مائدته وهو يحصل على الغلة كاملا …يزيد على غروره الكبرياء والتسلط والشهرة بين الناس فيزيد الطين بلة حتى يزعم نفسه سيد الكل والكل عليه ان يطيعه وينفذ اوامره …
نماذج كثيرة نراها اليوم في كل دول العالم ، كثرت وتضاعفت الشركات والكارتيلات الاقتصادية والمالية مثل البنوك ومجموعة الشركات الاقتصادية ،التجارية،الصناعية ،المالية المساهمة ،وبدأت تقطب وتجذب اليها كل اموال الناس وكأنها مركز جاذبية عالية لا يفلت منها قرش واحد …اما الناس او شعوب تلك الدول تتأرزح تحت نير الفقر تركض ليل نهار من البيت الى العمل ومن العمل الى البيت لكي تكسب يسيرا من المال لسد رمق جوع اطفالها ، بينما الاغنياء واصحاب المال يجولون ويمرحون في كل انحاء العالم بغنى مترف لا يأتي على بال احدهم كيف يعيش الفقير في فقر متقع..
منطقيا ليس هناك ما يمنع هذا الغنى اذا كان الانسان قريب من الله ،المعظلة هي هذا الانسان بسبب الطمع والجشع والاحتكار يريد ان ينفع نفسه فقط ولا ينفع الاخرين ،يفضل دائما خير نفسه دون خير الاخرين ويحسب خطآ ان هذا المال يجب ان يكون كله ملكا له وليس من يتجرأ ان ياخذه منه ،هذا المال اصبح سعادته الوحيدة فرحه الوحيد وغايته الاولى والاخيرة في هذه الحياة …

الغريب انسان اليوم يفكر كثيرا ويجهد دوما ليوفر لنفسه مالا كثيرا للمستقبل اي ما يسمى (التقاعد) ويودعه في البنوك ذي الفائدة الوافرة او اسهم الشركات الرأسمالية الرابحة كل هذا لكي لا يحتاج يوما عندما يوقع به سن الشيخوخة والياس وهذا لا بأس به ،ولكن هل هذا الانسان فكر يوما ان يوفر لنفسه رصيد جيد ودائم في الاخرة ؟لا اظن ذلك …بل يصب كل اهتمامه في التركيز على الحصول والتملك المال الكثير وتوفيره لهذه الحياة الزائلة فقط…يعمل كل يوم الف حساب كيف يكسب ،وكيف يوفر في البنوك ..وليس له دقيقة واحدة من التفكير كيف يكنز له كنزا دائم في السماء ….اليس هذا جهل ؟الا تعرف ايها الانسان انك تعيش في هذه الحياة لوقت محدود ؟وكل ما هو لك هو ليس لك ؟ألا تميز بين ما هو زائل وبين ما هو ابدي ؟ اذن كيف تضيع الفرصة الثمينة بين يديك او الخيار الوحيد الذي يقودك الى الحياة الابدية لكي توفرلنفسك رصيد تلك الحياة الابدية ؟سؤال ايهما افضل ايها الانسان ان تكون لك الحياة الابدية مع الخالق ام تعيش غنيا بعيدا عن الله في هذه الحياة الزائلة ؟الجواب واضح للعاقل والحكيم ….
تذكر انك تسقط غدا او بعد غد مثل اوراق الخريف ان لم تكنز لك كنزا سماويا الى اين المصير ؟فلا كثرة المال ينفع ولا الترف والبذخ والطمع في هذه الدنيا ينفع .،تذكر انك تذهب عريانا لا تحمل معك شيئا من المال والشهرة الزائلة لهذه الحياة ……
المسيح نفسه ضرب امثالا عديدة لمثل هؤلاء الاشخاص :-مثل الرجل الغني الذي كان يفكر ان يخزن له كل غلاته الكثيرة في مخازنه وقال: يا نفسي استريحي وكلي واشربي وتنعمي ،فقال الله له في هذه الليلة ستؤخذ منك نفسك ، فلمن يكون كل هذا …(لوقا ١٢؛١٣-٢١)
ايضا يقول المسيح :-((الحق ،الحق اقول لكم يعسر على الغني ان يدخل ملكوت السماوات واقول لكم اسهل ان يمر الجمل من ثقب الابرة من ان يدخل الغني ملكوت الله…(متى ١٩: ٢٣-٢٤)
وايضا مثل الغني ولعازر (لوقا ١٦: و ١٩-٣١)…..
العبرة من كل ذلك الانسان الحكيم هو من يكنز له كنزا في السماوات وليس على الارض لانها زائلة ،المال المستخدم للظلم ونسيان الله الخالق يًؤدي لصاحبه الى الهلاك …التعلق المطلق بالمال وجهل الخالق هو فقدان الحياة الابدية …الانسان لا يستطيع ان يخدم سيدين اما الله او المال (متى ٦: ٢٤)

حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك (متى ٦: ٢١) ….

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!