الحوار الهاديء

علي الوردي في ميزان/الانحراف الجنسيج7ح5

عبد الرضا حمد جاسم    

مقدمة: كتب الراحل الوردي في صفحة 326 من دراسة في طبيعة المجتمع العراقي التالي: [إن أكثر الأطفال لم يبلغوا الحلم، ولكنهم يمارسون اللواط بدافع الفخار. فالفاعل يفتخر بما فعل ويعتبره من قبيل الغلبة اما المفعول به فهو مغلوب ومستضعف لا يستطيع ان ينظر الى الناس بملء عينه وهم بذلك يصفونه بأن “عينه مكسورة” ان كسر العين في الازقة من أعظم مظاهر التغالب بين الأطفال] انتهى

تعليق: الحقيقة استغرب ليس من طرح الراحل الوردي هذا لأني كما تابعته وجدت من هذا القبيل الكثير حيث تَعَّوَدَ على ذلك وتَمَيَزَ به… لكن استغرب من الذي قرأ الوردي وسكت عن هذه ال “….”…اين وجد الوردي ذلك؟ أكثر أطفال العراق كلهم لائط ومليوط به من حتى قبل ان يبلغوا الحلم؟ انها مأساة المثقف العراقي وبالذات ذلك الذي قرأ للوردي وبالذات منهم من كتب بانبهار عن الوردي وما ترك…لم يترك الراحل الوردي صفة معيبة شائنة لم يلصقها بالشعب العراقي والفرد العراقي والمجتمع العراقي…رغم عدم تمكنه من تقديم أي دليل على تلك “المعيبات”

أتعرفون لماذا ذكر هذا المقطع وتوابعه؟ الجواب: سبب غريب ألا وهو أن الوردي يريد ان يقول ان صفة “التغالب” بدوية اكتسبها المجتمع العراقي من البداوة وهي جزء من صراع البداوة والحضارة…ليجد شيء يسند به هذه “الحكاية” فذهب الى أطفال العراق المساكين…أين وجد الوردي هذه الكثرة؟ في الكاظمية مثلاً وهو الذي عاش طفولته فيها؟ ام وجدها في زقاق مظلم من ازقة بغداد؟

في ص55 دراسة كتب الوردي: [إني اميل الان الى فرضية في هذا الصدد ولعلني سأغير رأيي فيها بعد الانتهاء من طبع هذا الكتاب ومهما يكن الحال فاني أرى بان محور الثقافة البدوية او طابعها العام يمكن اجماله بكلمة واحدة هي “التغالب”]

ثم يقول في نفس الصفحة: [وفي رايي ان مركبات الثقافة البدوية هي ثلاثة:1.العصبية.2.الغزو.3.المروءة و الملاحظ ان طابع “التغالب “موجود في جميع هذه المركبات الثلاثة] انتهى.

لاحظ عزيزي القارئ لطفاً كلمة او مفهوم “التغالب” المهم في مسيرة الراحل الوردي. كتب انه ربما سيغير رأيه!!!

الراحل الوردي بعد كل اصداراته “المهمة” ما بين 1951 الى تاريخ صدور هذا الكتاب 1965 يقول ربما سأغير…لم يُغَيْر شيء ولم يتغير في شيء إلا في شيء واحد سأشير اليه لاحقاً…أن هذه ال “ربما” تضع علامة استفهام كبيرة على كل ما كتبه الوردي قبل هذا الكتاب وهي اهم كتبه.

……………………………….

يتبع الجزء السباق لطفاً.

خامساً:

1.في ص 303 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي وتحت عنوان/ وضع المرأة في المدن كتب الوردي التالي: [يختلف وضع المرأة من مدينة الى أخرى حسب اختلاف ظروف المدينة ومبلغ سيطرة المد البدوي عليها. ففي المدن الصغيرة التي لها اتصال وثيق بالقبائل المجاورة نجد وضع المرأة يشبه وضع المرأة الريفية من وجوه كثيرة فهي تسفر عن وجهها وتشارك الرجال في بعض أعمالهم وتخالطهم وتتحدث إليهم كما تفعل المرأة الريفية والملاحظ في الوقت ذاته ان عادة غسل العار شائعة في هذه المدن كشيوعها في القبائل الريفية تقريباً] انتهى

أقول: لما كان وضع المرأة يختلف من منطقة الى أخرى كيف اذن حَكَمَ الوردي على كل المجتمع العراقي وأطلق ما أطلقه عليه؟

وطرح الراحل الوردي هذا يدفع لطرح الأسئلة التالية:

هل هناك مدينة صغيرة او كبيرة في كل العراق لم تكن ولاتزال محاطة بالقبائل المجاورة ولها اتصال وثيق بها بما فيها العاصمة بغداد؟

هل هناك مدينة عراقية صغيرة أو كبيرة في كل العراق بما فيها العاصمة بغداد لم تسفر فيها المرأة عن وجهها عدى الاحياء المغلقة من المدن الدينية؟

المدن الصغيرة تسيطر عليها علاقات اجتماعية تديرها ثقافة اجتماعية واحدة تقريبا تضع للمرأة منزلة خاصة تتدرج من الام ثم الأخت وبنت العم والخال والزوجة وبنت الجيران وبنت المحلة وبنت العشيرة وبنت المدينة ولهذه الثقافة تأثيرها الرادع للمرأة وللرجل الذي يحاول المساس بها او التعرض اليها…ولو ان هذا لا يعني خلوها من بعض الحالات وقد يحصل تجاوز هنا وهناك ضد بعض الوافدين/”الغرباء” الى تلك المدن ربما لعدم وجود سنداً لهم و بالذات وقت ضعف القانون /السلطة و لتجنب ذلك تحصل “الدخالة” …والراحل الوردي يؤيد قولي هذا في ص302 تحت عنوان فرعي/ التماسك العائلي! وكذلك في جزء مما كتب في ص 361 من الكتاب حيث كتب: [يجب ان نعترف على أي حال بأن المدن العراقية كانت غير خالية من بعض الخصال الحميدة كروح الجيرة والتضامن العائلي وقيم الشهامة والنجدة وما اشبه وهي خصال قد ورثها اهل المدن من البداوة وحاولوا المحافظة عليها بمقدار ما اتاحته لهم ظروفهم الحضرية كما أشرنا اليه في فصل سابق لكن السؤال الذي يرد هنا في هذا الصدد هو: هل كانت تلك الخصال كافية لموازنة التفسخ الخلقي الذي كان شائع بينهم؟] انتهى

و لبيان عَلامَ استند الوردي في طرحه في(1) أعلاه كتب في ص305 من نفس الكتاب :[في عام 1951 قدم لي احد الطلاب تقريرا عن مدينة هيت ذكر فيه ان الحجاب اخذ ينتشر في هذه المدينة منذ عهد ليس ببعيد فلقد كانت المرأة الهيتية في الماضي سافرة كغيرها من نساء الأرياف و المدن الصغيرة لكنها بدأت تميل نحو الحجاب من جراء احتكاكها بالنساء الحضريات اذ هي صارت تقلد هؤلاء النساء و كأنها اعتبرت الحجاب فيهن من مظاهر المنزلة العالية و النفوذ و السبب في ذلك ان الحجاب جاء الى هيت عن طريق نساء الموظفين فكانت المرأة الهيتية تنظر اليه كانه موضة ترفع من شأنها…الخ] انتهى

أقول: “ملاحظة: تطرقت لهذه العبارة/الحالة في السابقات…وللأهمية اعيدها فاعتذر”

استند الوردي على تقرير واحد لطالب واحد !!من حقي هنا ان أقول ان هذا الطرح غريب. والسؤال هنا ما هي صورة ذلك السفور؟ هل هو كشف الوجه فقط ام انها سافرة تختلط بالرجال وتوحدت قيمها مع قيم الرجل وتشابهت مع الرجل فيما تفهم وما تنشد من مُثل وأهداف كما يطرح الوردي؟

كما يبدو ان الراحل الوردي لا يعرف مدينة هيت…انها مدينة صغيرة تحيط بها وتحكمها وتتحكم بها القبائل مهما كان مستوى الوعي فيها الذي قد يدفع البعض الى الاعتراض على قولي هذا. ان طرح الوردي هذا غريب وينفي “خزين العقل الباطن” وينفي “الإطار الفكري وتأثيره”و”الثقافة الاجتماعية” ومفاتيحها وينفي الكثير من طروحات الوردي ويثير العجب.

عندما نفكر/نحاول ان نحسب/نخمن/نتوقع عدد الموظفين الذي وصلوا مدينة هيت قبل عام 1951 وعدد نسائهم يكون العدد محدود بكل الاحوال وقد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة مثل المساح ومدير النفوس ومدير الناحية وطبيب المستوصف والمعلم. وربما منهم عُزاب كما كان الوردي عندما نُسب مُعَّلماً في قضاء الشطرة/الناصرية عام 1937…

السؤال هنا: هل زوجات هؤلاء والذي يقول الحال انهن ينعزلن عن نساء المدينة لأسباب عديدة، جعلن الحجاب ينتشر بين نساء مدينة هيت بهذا الشكل الذي نقله الطالب ليستند اليه/عليه الراحل الوردي؟

قد يتصور البعض من قراء الراحل الوردي من غير العراقيين ان هيت مدينة كبيرة في دوائرها “عدد هائل” من الموظفين!! وربما البعض قد يأخذه الخيال ليتصور ان عدد الموظفين الكبير ألغى الإطار الفكري للمجتمع وحطم القوقعة الفكرية له” وحطم التأثير الديني الذي استمر منذ حجاب العهد العباسي…وربما البعض قد يتخيل ان شوارع هيت تضج /تزدحم بموظفي مؤسسة الطاقة الذرية ومؤسسة الطيران والفضاء والجامعة وكلياتها وفرع اللجنة الأولمبية الدولية وفرع البنك الدولي وفرع صندوق النقد الدولي ومؤسسات السينما والمسرح والاتصالات العالمية وغيرها ومنها ربما فرع اليونسكو واليونيسيف وغيرها.

لا اعرف هل شك الوردي فيما وردَ في تقرير ذلك الطالب والشك من اجل التدقيق واجب وحق؟

هل وضع بينه وبين نفسه احتمال ولو بنسبة بسيطة من ان ذلك الطالب بالغ فيما وصف ونقل؟

أم ان الراحل الوردي أراد الاستناد على تلك الرسالة فصاغها بتلك الصياغة؟

والسؤال الذي يقفز هنا هو: في ضوء ما كتب الراحل الوردي …هل هذا الحجاب الشديد الذي انتشر في هيت دفع/أدى الى انتشار الانحراف الجنسي في مدينة هيت وقلل من عادة غسل العار؟

مع عظيم احترامي وتقديري لأهالي هيت الكرام ولي في/مع بعضهم رفقة وزمالة اعتز بها وأتشرف. لهم السلامة جميعاً.

هل هذا ينطبق مع قول الراحل الوردي: [في ص16 مهزلة العقل البشري حيث كتب: [… ووجدنا أصحاب الفكر القديم لا يميزون بين الممكن وغير الممكن من الأفكار همهم ان يدرسوا الفكرة دراسة منطقية مجردة فإذا وجدوها جميلة ذات محاسن آمنو بها واندفعوا في الدعوة اليها اندفاعاً اعمى؟] انتهى

سادساً:

1.في ص 303 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب التالي: [فإذا نمت المدينة واتسعت أسواقها وكثر تردد الغرباء عليها، أخذ الحجاب ينتشر بين نسائها تدريجياً فإذا صارت مركزاً تجارياً كبيراً كما هو الحال في بغداد والبصرة والموصل رأينا الحجاب يشتد فيها الى درجة مفرطة فهناك تقاس عفة المرأة بمقدار تشددها في التستر واعتكافها في البيت…الخ] انتهى

وهو القائل في ص304 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي التالي: [اما الان بعد ان اخذت معالم الحضارة تنتشر في المدن فقد ظهر فيها تيار جديد له أهمية اجتماعية بالغة. ففي المدن الكبيرة اخذت المرأة الحديثة تقفز قفزات سريعة من الحجاب الشديد الى التبرج المفضوح وقد حدث هذا خلال مدة قصيرة جدا ففي العقد الثالث من القرن الحالي كانت المرأة لا تخرج من بيتها الا بعبائتين حيث تضع إحداهما على كتفها والأخرى على راسها وهي لا تبصر طريقها الا من خلال ثقب صغير او من وراء غطاء يسمى “بوشية” بينما هي الان قد كشفت عن شعرها وبعض صدرها وساقيها وتزينت بأحدث ما جاءت به الحضارة الحديثة من افانين والاعيب] انتهى

أقول: الا يعني نمو المدن وتوسع أسواقها وتردد الغرباء عليها انها تسير في طور التحضر والمدنية فكيف يشتد فيها الحجاب الى درجة مفرطة؟ لاحظوا التناقض بين الاستعارتين/المقطعين أعلاه لطفاً.

اسأل الراحل الوردي هل زرت الموصل والبصرة؟ الجواب…يبدو لي … كلا… مدينة البصرة ثغر العراق على الخليج مدينة التقاء الحضارات الفارسية والهندية/الاسيوية والاوربية وغيرها مدينة الجاحظ واخوان الصفا وثورة الزنج والمعتزلة وابو نؤاس… مدينة موقعة الجمل… مدينة الدولة الزبيرية …حاضرة العرب اللغوية…مدينة الحسن البصري

المدينة التي كتب عنها الوردي في ص167 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي تحت العنوان الفرعي/البصرة …التالي: [مما يلفت النظر ان سكان هذه المنطقة هم أضعف من غيرهم من سكان العراق في نزعتهم القبيلة وفي تمسكهم بالقيم البدوية والتي أطلق الباحث الانثربولوجي المعروف “هنري فيلد” على هذه المنطقة اسم “البقعة غير القبلية”] انتهى

اما الموصل مدينة التنوع الديني والقومي، مدينة نينوس مدينة سنحاريب…مدينة الرخام وطوب البناء…مدينة الكنيسة السريانية.مدينة الاديرة والأنبياء والحدباء والربيعين اعتقد ان لا شيء في كل ما كتبه الوردي ينطبق عليها اويقترب منها.

هنا فقط اسأل الراحل الوردي له الذكر الطيب: هل انخفض “منسوب” الانحراف الجنسي بتأثير هذا التيار وحتى بين من تَبَّرَجْنَ وتَزَّيَينَ وتبرجوا وتزينوا؟ ام اختفى او قل فيهن ازدواج الشخصية.

عجيب ومُحير ما كتبه الراحل الوردي عن الحجاب: إذا تواجد موظفين في مدينة زاد وتشدد الحجاب فيها،وإذا نمت وتوسعت أسواقها تَشَّدَدَ الحجاب فيها بدرجة مفرطة وإذا كانت مدينة غير قبلية تَشَّدد الحجاب فيها؟ وإذا كانت مدينة متنوعة دينياً وقومياً زاد فيها الحجاب وتشدد بشكل مفرط ايضاً.

الراحل الوردي بعد “قد انذهلتُ حين رأيت” و”اعتراني من الدهشة” كتب في وعاظ السلاطين في ص8 التالي: [وإني لأعترف بما اعتراني من دهشة أثناء تجوالي في بلاد الغرب المختلفة على ما رأيت هنالك من عناية بأمر الطبيعة البشرية ومن مُدارات لها. فهم يمنحون الإنسان حرية كافية يفصح فيها عن نفسه فلا يتشددون في وعظه ولا يمنعونه من اشباع شهوته أو أنانيته ضمن حدود معترف بها] انتهى.

أي بعد عودته من الغرب وتحت تأثير ذلك الذهول وتلك الدهشة وذلك التحول واندفاعه في والواجب الذي اعْتَقَدَ انه مبعوث له/به ليخلص المجتمع العراقي من تأثير التفكير الوعظي كتب في ص74 من كراسة شخصية الفرد العراقي/بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث/1951 أي بعد عام واحد من عودته من الولايات المتحدة الامريكية وهو نفس العام الذي حصل فيه على تقرير الطالب عن مدينة هيت و ربما تحت تأثير ذلك التقرير كتب التالي: انقل لكم ما كتبه في هذه الصفحة من الكتاب/الطبعة الثانية 2001 /منشورات دار ليلى/لندن: [الخلاصة ان الفرد العراقي مبتلِ بداء دفين هو داء الشخصية المزدوجة. وقد يسأل سائل: ما هو العلاج الذي ترتأيه لهذا الداء؟: اننا ما دمنا قد عرفنا الأسباب التي تؤدي اليه فقد اتضح إذن وصف العلاج. لعلي لا أخطأ إذا حصرت العلاج بأنواع ثلاثة: [أولاً: إزالة الحجاب عن المرأة ورفع مستواها وإدخالها في عالم الرجل كي تتوحد القيم ويتشابه الرجل والمرأة فيما يفهمان وما ينشدان من مُثل وأهداف] انتهى.

………….

سأناقش هذا الاقتراح/الحل في الجزء التالي

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!