مقالات دينية

تنظيم كنيسة المشرق

الكاتب: samdesho
 
تنظيم كنيسة المشرق 
أحوال كنيسة المشرق في القرون المسيحية الاولى
بعد ان زرع رسل المشرق مارتوما ، مار أدي ومار ماري بذرة المسيحية في الشرق، بدأت هذه البذرة الصالحة بالنمو رويدا رويدا في أغلب أرجاء المملكة الفارسية الارشاقية، وخصوصا في مناطق بيث زبداي (جزيرة ابن عمر، تركيا) وحدياب (أربيل) وبيث ﮔرماي (كركوك) وبيث رادان (بين كركوك وبغداد) ثم في بيث لافاط وعيلام (الاحواز، أيران) أضافة الى عاصمة المملكة ساليق- قطيسفون (المدائن). وأخذت هذه الجماعات المسيحية تزداد بشكل عجيب، خاصة وأن نار الأضطهاد لم يكن قد شن على المسيحية بعد.
وفي نهاية القرن الثالث ومطلع القرن الرابع،  نجد أساقفة في كل من أربيل، كرخ سلوخ، بيث زبداي، شهرقرد، حرباث غلال، لاشوم، كشكر، ميشان، فرات ميشان، الشوش، شوشتر إضافة الى العاصمة المدائن. لكن أنتخاب الآساقفة لم يكن محدداً بنظام مقرر ولم تكن حدود الأبرشيات قد توضحّتْ بعد.
في هذه الفترة, كان لأبناء كنيسة المشرق روابط وعلاقات مع بعضهم البعض على صعيد المحبة المسيحية ووحدة العقيدة, وليس على صعيد الرئاسة الكنسية لآن هذه الجماعات المسيحية في الأبرشيات كانت تتمتّع بأستقلال يكاد يكون كاملاً حتى بالنسبة الى كرسي العاصمة المدائن نفسه.
 
. نفوذ كرسي – فافا الجاثليق
 
لكن سرعان ما أخذ نفوذ أسقف المدائن في الأزدياد, وخاصة وأن باقي الأساقفة كانوا يحتاجون اليه في امورهم المالية والأدارية كونه في عاصمة المملكة. فسعى فافا الذي جلس على كرسيي المدائن في النصف الثاني من القرن الثالث الى توحيد الجماعات المسيحية في حدود البلاد الفارسية تحت رئاسته.
وأكتسب تأثيراً على الآساقفة الأخرين بسبب الخدمات التي كان يؤديها عوضهم في العاصمة, فبدأ يخطط لوضع تنظيم لكنيسة المشرق, ووجدَ دعماً من الآباء الغربيين ومن بينهم “سعدا” أسقف الرها, فوعدوا أن يساعدوه لدى مللك الملوك قسطنطين وكتبوا له كتاباً بهذا المعنى. حينذاك أعتبر فافا نفسه المسؤول الأول والأعلى لأخوته أساقفة المشرق, وتبنى لقب الجاثليق ويعني العام أو الشامل.
 
. موقف الأساقفة المعارض
 
لكن هذا الأمر لم يتكلّل بالنجاح دون أن تعترضه‘ المصاعب الجمّة, ولقي معارضته عنيفة من الأساقفة وكان يتزعّمهم ميلس أسقف شوش, وأنضّم الى المعارضة مار شمعون برصباعي نفسه الذي كان أركذياقوناً لفافا, والظاهر ان مناوأتهم هذه لم تكن احتجاجاً على زعامة كرسي المدائن فقط, لكن بسبب تصرفات فافا الشخصية وأساليبه التعسفية ومعاملته الرديئة لأخوانه أساقفة المشرق, وأخذ المعارضون يطعنون في سيرة فافا وكبريائه, ورسامته أسقفين لكرسي واحد, فعقدوا مجمعاً سنة 314م أو 317م قرروا فيه أدانة فافا واعفاءه من منصبه.
 
. ماذا جرى من الأحداث
 
هناك وثيقتان مختلفتان ترويان هذه الأحداث, جاءت أحداهما في كتاب المجامع الشرقية “شابو, باريس 1902” وفيه يمتدح مجمع داديشوع المنعقد سنة 424 م, فافا الجاثليق وينحي بالائمة على معارضيه, منكراً عليهم حق أدانة جاثليق, لآن أدانته تعود الى المسيح الذي أختاره. أما الوثيقة الآخرى, فقد وردت في اعمال ميلس, ويوجزها المطران أدّي شير في كتاب شهداء المشرق ويقول: ثم نزل ميلس الى المدائن وكانت أحوال النصارى فيها مبلبلة جداً بسبب الجاثليق فافا بن عجّي سلف القديس مارشمعون برصباعي وذلك لكبريائه وتطاوله على كهنته وشمامسته‘ وكان ذلك سنة 314م. ولما عاين مار ميلس ماكان عليه فافا من التكبّر ﺇنتصبَ في الوسط قائلاً: مالي أراك تتجّرأ على أخواتك وتحتقرهم كمن لا اله له, أنسيت قول ربنا: أنما الأكبر بينكم ليكن خادما لكم؟ فغضب فافا وقال: أأنت يا جاهل تعلمّني فريضتي؟ فأضطربَ مارميلس وأخرج حالاً الانجيل من مزوده ووضعه‘ أمام فافا وقال: أن كنت غير راضٍ ان تتعّلم مني, لأني أنسان,  فدونك أنجيل ربنا فمنه تعّلم. فتجرّأ فافا ورفع يده بغضب وضرب الأنجيل قائلاً: تكلّم يا انجيل تكلّم… وللحال نزل من السماء شئ نضير برق فضربه على شقّهِ فيبسه, وبقي فافا على تلك الحالة المّرة أثنتي عشرة سنة حتى وفاته.
لقد أسفر هذا المجمع عن اعفاء فافا من منصبه ورسامة مارشمعون برصباعي جاثليقاً على المدائن, وينقل لنا أبن العبري في تاريخه الكنسي, أن فافا لم يعفَ من منصبه, لآن الآباء لم يروا في نوبة الشلل الذي ﺇنتابه قصاصاً الهياً, بل نتيجة لسورة غضب أثّرتْ في أعصابه, مهما يكن من أمر, فأن فافا لم يرضخ لهذه الآجراءات التي ﺇتخذها الآباء الشرقيون , بل رفع شكواه الى  الآباء الغربيين الذين أثبتوا حق كرسي المدائن في الرئاسة  وأضافوا اليه بياناً يعلنون أن فافا لا يمكن ﺇدانته من قبل أساقفته ولا من قبل الغرب, لآن ﺇدانته تعود فقط الى المسيح الذي أختاره, وهذا ما يردّده‘ أيصاً مجمع داديشوع المنعقد سنة 424 م.
 
. تثبيت ألرئاسة لكرسي المدائن
 
أن الأزمة التي هزّت الكنيسة الشرقية في مطلع القرن الرابع أسفرتْ عن تثبيت الرئاسة لكرسي المدائن ومن ارتباط أقوى بينه وبين سائر الكراسي, وعن وعي أعمق للمسؤولية القيادية التي عُهدت الى هذا الكرسي الذي أخذ شيئاً فشيئاً بزمام السلطة واحتلّ المقام الأول في البلاد الفارسية, وجاء مجمع مارأسحق المنعقد سنة 410 م والذي حضره قرابة  40   أسقفاً والمجامع اللاحقة لتؤكد هذه الرئاسة.
أن بعض الأساقفة في مقاطعة فارس- وبصورة مؤقتة- حافظوا غلى موقفهم المتحرر تجاه سلطة المدائن, ولكن جاثليق المدائن ومنذ مجمع مارأسحق ﺇحتفظ بحق تعيين لهم بعد موتهم, لآخضاع تلك الكراسي تحت سلطة الجاثليق.
وهكذا أصبحت المدائن عاصمة الفرثيين, ومن ثمّ عاصمة الفرس الارشاقيين والساسانيين, العاصمة المسيحية للشرق ورائدة الفكر المسيحي ليس فيما بين النهرين فحسب, بل في الجهات الأخرى أيضاً التي وصل اليها نور الانجيل بفضل مبشري كنيسة المشرق.
 
 
                                       سامي خنجرو                                                                                   سدني-استراليا             ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!