مقالات دينية

مريم ام الكنيسة

الاب حنا قلو

ادخل قداسة البابا فرنسيس هذا العيد في التقويم العالمي للكنيسة في مرسوم 11 اذار لعام 2018، بمناسبة مرور 160 عام على ظهورات السيدة العذراء في مدينة لورد الفرنسية. اعطى قداسة البابا بولس السادس اسم “مريم ام الكنيسة” لمريم العذراء خلال المجلس الفاتيكاني الثاني بحسب الفصل السابع من الدستور العقائدي في الكنيسة “نور الأمم”. وقد أعلن مجمع العبادة الإلهية وانضباط الاسرار في روما عن يوم للاحتفال بعيد مريم ام الكنيسة يوم الاثنين بعد عيد العنصرة، اذ تم ادراجه في التقويم الروماني على ان يكون الاحتفال به كل عام ابتداءً من 2018.

مريم العذراء تلك الفتاة التي اختارها الرب لتكون اماً للمسيح، تلك الفتاة العفيفة الطاهرة والمطيعة، تلك التي قالت: ها انا ذا ام الرب ليكن لي كحسب قولك، بكل وداعة وطاعة، تلك التي قبلت على نفسها التضحية في سبيل قبول التجسد من خلالها كام للمسيح. بالرغم، كما نعرف في تلك الأيام، وبحسب شريعة موسى، عقاب الزانية كان الرجم حتى الموت.

نلاحظ من البداية قبول مريم لبشارة الملاك بكل شجاعة، وهذا كان مستحيلاً للتصديق عند العقل البشري، فكيف لفتاة ان تحمل وهي لا تعرف رجلاً! أطاعت مريم وقبلت بكل شجاعة، بالرغم ذلك كان ممكناً ليجعلها تخسر الكثير، حب يوسف لها وثقته بها، تعريض شرفها للخطر كونها توافق على شيء لا يمكن لاحد ان يستوعبه، هنا بدأت مسيرة مريم العذراء في حياة الكنيسة بقبولها تجسد المسيح من خلالها.

قبل ان يبدأ يسوع حياته العلنية، وبالتحديد في عرس قانا الجليل بعد ان لاحظت مريم العذراء نفاذ الخمر في العرس، مما قد يعرض صاحب العرس الى احراج كبير امام الحاضرين، تبادر وتطلب من ابنها بكل ثقة ان يقوم بمعجزة لتفادي هذا الموقف المحرج، فيجيب المخلص في البدء (ما لي ولك يا امرة؟ لم تحن ساعتي بعد)، لكن مريم بدون نقاش تطلب من الخدم ان يقوموا بعمل كل ما يأمرهم به يسوع، وكأنها تجبر ابنها ليعمل شيئاً من خلال طلبها هذا من الخدم. يسوع ينفذ طلب والدته، كونه يطيعها حبا بها واحتراما لأمومتها وحنوّ قلبها. هذا الموقف الجميل يعرض لنا قوة شفاعة مريم العذراء. ومرافقتها لكل محتاج، اذ ان ابنها لا يخيب لها طلباً.

سارت مريم العذراء مع المسيح بكل خطوة وآمنت وعملت بمشيئة الرب منذ البدء والى النهاية. يعتبر الكثير قول المسيح في انجيل متى الاصحاح (12:50) عندما تأتي العذراء مع اخوة المسيح، ينتظرونه ويطلبونه يجيب (من هي امي ومن هم اخوتي) ويشير الى التلاميذ ويقول: (هؤلاء امي واخوتي، لان من يعمل مشيئة ابي هو اخي واختي وامي)، يعتبر الكثير هذا الجواب استنقاصاً من يسوع للعذراء، لكن في الحقيقة، هذا أعظم جواب وأعظم مكان في الانجيل، يمدح فيه يسوع امه العذراء، لان الذي يعمل بمشيئة الاب هي مريم العذراء منذ اللحظة الأولى لبشارة الملاك لها.

كذلك في انجيل لوقا الاصحاح ( 11: 27-28) عندما ترفع المرأة صوتها وتقول: (طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين ارضعاك)، فيجيب المسيح، بل (طوبى للذين يسمعون كلام الرب ويحفظونه)، هنا ايضاً يعتبر البعض ان جواب المسيح كان قاسياً تجاه امه، الا اننا لو تمعنا النظر جيداً في كلام المسيح، فانه يدل على مدى رضاه عن امه التي اطاعت وحفظت كلام الرب في داخلها، والكثير من الآيات توضح ان العذراء مريم كانت تحفظ كل شيء في قلبها، فاذاً المسيح هنا يقدم اجمل مدح للعذراء مريم امه، فهي التي اطاعت، وهي التي حفظت، وهي مثال لكل مؤمن يجب ان يقتدي بها في طاعتها.

رافقت العذراء ابنها حتى الموت، وبقيت تحت الصليب واقفة بدون ان تنطق بكلمة، تنتظر ابنها يموت موت المجرمين، ولم يفعل شراً. إذا فكرنا جيداً، كم مرة ماتت العذراء، وكم حربة طُعنت في قلبها وهي ترى كل هذا الظلم تجاه ابنها الوحيد؟ في الحقيقة، لا وصف لشدة الحزن الذي حزنته العذراء وهي تشاهد كل هذا وبقت مُصرة على المتابعة والسير معه للنهاية حتى انزاله من الصليب ووضعه في حضنها تماما كما كانت البداية عندما ولد المسيح وهو في حضنها، فهي حملته في حضنها في مولده وفي موته.

بعد صعود المسيح الى السماء وبانتظار الفاراقليط الروح القدس، داومت ايضا العذراء بصلاتها مع الرسل حاضرة في كل وقت معهم في الصلاة، وعند حلول الروح القدس كانت حاضرة معهم مريم، أم يسوع، التلميذة الأولى، كانت بينهم كأمّ الكنيسة الناشئة. كانت بسلامها وابتسامتها وبأمومتها ترافق فرح العروسة الشابة كنيسة يسوع، تابعت مريم مسيرة ابنها خلال حياته العامة وصولاً إلى أقدام الصليب، وها هي الآن ترافق مصلية بصمت مسيرة الكنيسة.
في البدء في الناصرة وكما كتبتُ في بداية المقال نرى العذراء تقبل كلمة الله والمشروع الالهي بانفتاح كامل على عمل الله وفي زيارتها لاليصابات تتفجر من قلب مريم صلاة التسبيح والفرح. في هذه الصلاة المعروفة باسم (نشيد التعظيم) لا تكتفي مريم بالنظر الى ما فعله الرب لها، بل تذكر كل ما فعله للشعب بأسره. هذا ويدعو القديس أمبروسيوس في تعليقه على إنجيل لوقا كل نفس بأن تتحلى بخصال مريم فيقول: “فلتكن نفس مريم في كل نفس حتى تعظم الرب، فليكن روح مريم في كل إنسان حتى يبتهج بالله”.
مريم هي بالفعل أم الكنيسة وهي خادمة الرب وهي أم الله وهي ترافق الكنيسة في مسيرتها مصلية من اجلها، لذا فالكنيسة بحاجة الى شفاعة هذه الأم الحنونة التي طُعن قلبها ملايين المرات سواء بموت ابنها على الصليب أو بفعل خطايانا التي تجعل قلبها يتمزق، لنعطي يدنا بيد العذراء لتقودنا ونكون على مثالها ونقتدي بها فهي التي اطاعت وهي التي حفظت وهي التي أكملت المسيرة بالتمام والكمال، هي حوّاء الجديدة التي لم قدر الشيطان أن يوقعها كما فعل في حوّاء الاولى.

عيد سعيد على الجميع ولتكن شفاعة العذراء معكم جميعا.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!