مقالات

استحداث بقرة تنتج الإنسولين البشري في حليبها

د. بهجت عباس
ربّما يبدو هذا العنوان غريباً للقارئ أو قد يكون لغزاً محيّراً، ولكنّه ليس كذلك، ما دامت الأبحاث قائمة ومستمرة وما دام العلماء والباحثون يستغلون الجينات في كلّ المجالات لإنتاج ما يفيد البشرية أو ما يضرّها حسب استغلال الجينات بأنواعها. هذه الجينات التي لولاها لما كانت الحياة. ولمّا كانت الأمراض، وبخاصة الجينية منها، هي الشغل الشاغل في الطب، فهناك التفنّن في معالجتها (جينيّاً) أيضاً. ومن هذه يأتي داء السكّر الذي يصيب ملايين البشر في العالم. ومن المعروف أن ليس كلّ حالة منه تعالج بالإنسولين الذي يعوزه، ولكن استعمال الإنسولين يكون لازماً في الحالات المستعصية منه، فكان ثمة أنواع متداولة كثيرة من الإنسولين مع أضرارها، وخصوصاً المصنّع منه. لذا دأب الباحثون لإنتاج إنسولين يماثل أو يقارب الأنسولين البشريّ، فوجدوا ضالّتهم أخيراً في بقرة برازيليّة سمراء! لذا تشكّل فريق من العلماء والباحثين في هذا المضمار برئاسة البروفيسور ويلـر، المتخصّص في العلوم الحيوانية في جامعة إلينويس الأميركية، ويتضمّن فريقه باحثين من جامعة ساو باولو (البرازيل) واصفاً كيف استحدث بقرة تنتج حليباً يحتوي على إنسولين بشريّ في تقرير نشره في Biotechnology Journal في 12 آذار (مارس) 2024. يقول البروفيسور ويـلـر ” كان هدفنا هو إنتاج إنسولين أوّلي Proinsulin لتنقيته إلى إنسولين ونذهب من هناك، ولكن البقرة ذاتها عالجته (الإنسولين الأولي) وحوّلته إلى إنسولين. الغدّة الضرعيّة شيء ساحر”
أمّا كيف تمّ ذلك؟ فهو باستحداث بقرة محوّرة جينيّاً Transgenic cow حيث قام الباحثون باستحداث هذه البقرة بإدخال قطعة من الدنا DNA البشرية إلى نواة خلية جنين بقر (استعملوا عشرة أجنّة) هذه القطعة تدوّن (تصنع) الإنسولين الأولي (proinsulin) الذي بواسطة الهندسة الجينية التي صمّمت لهذه الدنا البشريّة تنتج هذا البروتين (الإنسولين) في أنسجة الثدي (الضرع) فقط. وفي هذه العملية غُـرِز (زُرِع) هذا الجنين المتحور جينيّاً في رحم بقرة عادية في البرازيل فوِلدَت عِجْـلة محوّرة جينيّاً. وعندما كبرت هذه البقرة وبلغت سنّ النضوج أراد الباحثون أنْ يُخصبوها اصطناعياً لتحبل ففشلوا، لذا حقنوها بهورمونات ليجعلوها تدرّ الحليب للمرة الأولى، فأخدت تدرّ حليباً ولو بكمية أقلّ من الحبلى، فوجدوا ليس فقط كمية واضحة من الإنسولين الأولي proinsulin بل كان ثمّة إنسولين أيضاً وكانت نتيجة لم يتوقّعوها. وكان عليهم أن يستخرجوا هذا الإنسولين بنوعيه من الحليب ولم يعرفوا الكمية المفروض وجودها من الإنسولين في الحليب. ولكن البروفيسور ويلر حسبها بسرعة، ذلك أنّه إذا كان غرام واحد من الإنسولين في لتر واحد من الحليب، فثمة كمية هائلة منه في 40 أو 50 لتر من الحليب الذي تدرّه البقرة النموذجية في اليوم. وإذا علمنا أنّ وحدة الإنسولين تحتوي على 0.0347 ملغم، فهذا ” يعني أنّ الغرام الواحد يعادل 28,818 وحدة إنسولين” يقول ويلر “وهذا فقط من لتر واحد. ولكن البقرة العادية تنتج 50 لتراً يومياً. فعليك حساب ذلك.”
أمّا الخطوة التالية فهي إعادة استنساخ البقرة. ويأمل الباحثون نجاحاً في الحملّ والرضاع في الأجيال القادمة من الحيوان، حيث الهدف الآتي هو استحداث أو إنتاج عجول ذكور محوّرة جينيّاً إضافة إلى العجول الإناث (عِجلات) ليكون تزاوج وإنتاج أكثر وأسهل من الإنسولين في الحليب. ويستطرد البروفيسور ويلر “أستطيع أن أرى مستقبلاً حيث أن قطيعاً من 100 عجل ينتج من الإنسولين ما تحتاجه البلاد، وقطيعاً أكبر يغطّي ما يحتاجه العالم كلّه في سنة.”

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!