إذا كان الشعب القطري لا يحب الديمقراطية
إذا كان الشعب القطري لا يحب الديمقراطية
الشعب الذي ذهب مرتين إلى صناديق الاقتراع ليؤكد أنه يقف مع الديمقراطية ويقف ضدها لا يعرف ماذا يفعل أو لا تهمه الـ”نعم” التي يقولها ما يهمه أن يرضي أميره ويسعده.
مع الديمقراطية وضدها
عام 2021 توجه القطريون إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في مجلس الشورى. كانت تجربة ديمقراطية أولى من نوعها في تاريخ الإمارة البالغ عدد سكانها نحو 380 ألف نسمة.
لقد رغب الأمير الشاب يومها أن ينتقل بشعبه إلى فضاء، يمارس فيه واحدا من طقوس الديمقراطية على أرض الواقع. وبالرغم من قلة عدد السكان فإن تلك التجربة لم تمر بيسر. ذلك لأنها تركت أثرا سيئا لدى المحرومين من المواطنين القطريين المؤهلين للمشاركة فيها.
أن يكون مجلس الشورى الذي لا يتمتع في حقيقته بصلاحيات كبيرة، هيئة منتخبة فذلك يشكل خطوة إلى الأمام في تحديث الحياة الاجتماعية في الدولة الخليجية ودفع المجتمع في اتجاه فهم واستيعاب ثقافة العصر السياسية ومن ثم التعامل من خلالها مع المتغيرات.
◄ من بين 380 ألف شخص وهم مواطنو شبه الجزيرة القطرية قد لا يوجد شخص واحد يفكر بالديمقراطية كما فكر فيها الأمير
كانت تلك خطوة مفهومة. أما ما لا يمكن فهمه أن يستدعى الشعب القطري بعد ثلاث سنوات (بالضبط يوم الخامس من نوفمبر عام 2024) إلى الإدلاء بصوته من أجل إنهاء العمل بتلك التجربة الديمقراطية.
الغريب أن القطريين تحمسوا لإلغاء التجربة بالقوة نفسها التي تحمسوا من خلالها لتثبيتها باعتبارها جسرا إلى المستقبل.
مفارقة لا يُفهم منها سوى أن الشعب الذي ذهب مرتين إلى صناديق الاقتراع ليؤكد أنه يقف مع الديمقراطية ويقف ضدها لا يعرف ماذا يفعل أو لا تهمه الـ“نعم” التي يقولها. ما يهمه أن يرضي أميره ويسعده.
من جهته فإن الأمير المحظوظ بحب شعبه كان شجاعا بصراحته في المرتين. سعى في المرة الأولى إلى تحديث علاقة الشعب بالسلطة وبعد أن اكتشف أن الشعب ليست لديه رغبة في توسيع تلك التجربة قرر أن يرفع عن كاهل الشعب مسؤولية شيء لم يكن راغبا فيه.
ولكن “هل المجتمعات الصغيرة، غير المعقدة والمنسجمة في سياق صلحها الاجتماعي في حاجة إلى الديمقراطية؟” ذلك السؤال لا يتعلق بالمجتمع القطري وحده. من المؤكد أنه لا يحق لأحد أن يتحدث نيابة عن القطريين في وصف أحوالهم. ولكنني كما أظن (والظن لا يؤكد حقيقة) أن سكان شبه الجزيرة القطرية لا يرغبون في أن يدخلوا في متاهة قد تسبب لهم صداعا هم في غنى عنه. ما حاجتهم إذا إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب مَن يمثلهم في مجلس الشورى؟ ولكن قبل ذلك هل هم في حاجة إلى مجلس الشورى لكي يحتاجوا إلى مَن يمثلهم فيه؟
◄ القطريون تحمسوا لإلغاء التجربة بالقوة نفسها التي تحمسوا من خلالها لتثبيتها باعتبارها جسرا إلى المستقبل
يعرف الأمير الشاب شعبه جيدا. هو ابنه وابن وحفيد أميره. كان انتخاب 40 من الـ45 عضوا في مجلس النواب تجربة لتحديث صلة الشعب بالسلطة غير أن الأمير من موقعه اكتشف أن التجربة قد فشلت. أما لماذا وكيف فشلت؟ فذلك ما لم يقله صراحة. وكما اعتقد فإنه لا يرى أن الشعب في حاجة إلى التوضيح. لا أدري هل حثت الصحافة القطرية ووسائل الإعلام الأخرى القطريين على القبول بتناقض موقفهم بين سنتي 2021 و2024.
تحتل قطر المرتبة الأولى في العالم العربي في مجال الإعلام بكل أنواعه. المرئي والمكتوب والمسموع. بالنسبة إليّ فإن ذلك أمر مبهج. ذلك لأنه يهبنا عربا فرصة التعريف بنا عالميا. ولكن قطر عرفت بنا بطريقتها فإن ذلك لم يهبنا فرصة التعريف بأنفسنا بطريقة حقيقية. لقطر طريقتها الخاصة في التعريف بمَن تريد التعريف به.
الحفلة القطرية كانت مبهجة في الحالين. لقد قرأت تعليقات كثيرة من ناشطين قطريين كانوا قد فرحوا بالديمقراطية الوليدة ولكن حين وأدت الديمقراطية كتب الناشطون أنفسهم جملا عبروا من خلالها عن ارتياحهم. شعب مرتاح لما يحدث له. فعل تميم بن حمد ما كان شعبه يفكر فيه وأسعده. لذلك ليس من حقنا أن نعترض.
من بين 380 ألف شخص وهم مواطنو شبه الجزيرة القطرية قد لا يوجد شخص واحد يفكر بالديمقراطية كما فكر فيها الأمير. لم يكن المواطنون في حاجة إلى سبب تجريدي مضاف لإسعادهم. ليست الديمقراطية حاجة للقطريين في حياتهم اليومية. لقد لام الرجل نفسه. ما هذا العبء الثقيل الذي صار على القطريين أن يتحملوا أثقاله وهم في غنى عنه في حياتهم اليومية. فليس مجلس الشورى ما يمكن أن يرتقي بالحياة اليومية. مجلس الشورى في مكان والحياة المترفة في مكان آخر. كم كان قرار الأمير في التخلص من آثار الديمقراطية رائعا وجليلا. لا يحب الشعب الذهاب إلى صناديق الاقتراع بين حين وآخر.
فاروق يوسف
كاتب عراقي
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.
