آراء متنوعة

إدارة الغضب

إدارة الغضب

علاء الخطيب

حينما تركن للعقل لا يعني ذلك أبدا أنك جبان أو متلدد، بل قمة الشجاعة أن تضع الأمور في نصابها وأنت منفعل. فمن الحكمة إدارة الغضب.
بين التهور والغضب خيط رفيع
التحكم بالأفعال وردودها في موقف الغضب فضيلة نفسية لا يقدر عليها إلا الحكماء، وهذا ما يسمى في علم النفس الاكلينيكي “إدارة الغضب”، فالانفعالات النفسية هي أفعال غير محسوبة.

وفي ساعات الغضب تظهر القدرة على استيعاب الموقف من عدمه، فما يصدر من قول أو فعل غير محسوب قد يؤدي إلى كوارث كبيرة، بالخصوص حينما تكون في موقع القيادة أو المسؤولية.

وربما تبدأ المأساة بكلمة وتنتهي بجائحة أو بتهديد ثم حرب، وكم من بلد دمر جراء كلمة غضب أو تلويح بسلاح.

لذلك لم يكن السلاح يومًا ما حلاً للنزاعات، فالجميع خاسر في معركة تفقد مبرراتها المنطقية؛ فقبل أن تضع يدك على الزناد تذكر أنكما كنتما في مترس واحد وهو الإنسانية.

والحوار يمكن أن يسع الجميع، لكن التشدد لا يحتمل إلا طرفا واحدا. فمن السهل أن تطلق الرصاصة الأولى باتجاه من تختاره أنت، ولكن من الصعب أن تتحكم ببقية الرصاص واتجاهاته.

إن الغضب مهلكة العقلاء في ساعة شيطانية، فليس من الشجاعة أن تتباهى بالقوة، فالشجاع منْ يملك نفسه عند غضبه، وليس من الجرأة أن تطلق التهديدات.

الحكمة تقول: “أقوى الناس من قوي على غضبه بحلمه”، فالحكمة ضالة المؤمن كما يقال.

وكل ما يصنعه الإنسان لتحسين جودة الحياة يأتي في ساعات السكينة والاسترخاء، وكل ما يدمر صفو الحياة هو صنيعة الغضب.

الغضب العنيف هو استجابة فطرية للّامعقول؛ فهو يلهم المشاعر والسلوكيات العدوانية في الكثير من الأحيان، مّا يتيح لنا القتال والحرب وإظهار مشاعر الكراهية.

وعلينا الاعتراف بأن الغضب ليس شعورًا سلبيًا تمامًا، وجزء منه مناسب وضروري للردع والتوازن. لكن لا يجب بطبيعة الحال أن يخرجنا إلى مساحات اللاعودة في الحوار ومد الجسور. ففي كل المواقف هناك محددات وآليات لإدارة الغضب.

وحينما يقال إن “ذنب العالِم كالعالم”، يعني الزعيم والمسؤول والقيادي يجب ألا يجرهم غضبهم إلى التهور. فبين التهور والغضب خيط رفيع ويصعب التمييز بينهما في ساعة الهيجان والانفعال.

الغضب ربما يكون مبرراً في حدوده الطبيعية، أما التهور فهو الخروج عن الحالة الطبيعية والانسياق وراء المشاعر العاطفية.

صحيح أن جزءا من الغضب هو عاطفي ، إلا أن التحكم في الرد وفنونه هو من ينقل الغاضب من خانة العقل الفوضوي إلى العقل المنظم، الذي يتجنب عواقب الأمور.

وحينما تركن للعقل لا يعني ذلك أبدا أنك جبان أو متلدد، بل قمة الشجاعة أن تضع الأمور في نصابها وأنت منفعل. فمن الحكمة إدارة الغضب.

“وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ”، القرآن الكريم.

علاء الخطيب
رئيس تحرير صحيفة المستقبل – لندن

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!