مقالات دينية

التجلي … تجليات الله وظهور مجده في العهدين

التجلي … تجليات الله وظهور مجده في العهدين

بقلم / وردا إسحاق قلّو

التجلي ... تجليات الله وظهور مجده في العهدين

التجلي هو الكشف عن الحقيقة ، فعندما نقول ( جلى النور الظلام ) يعني كشفه وأظهر ما في داخله . كذلك عندما تجلى يسوع على جبل التجلي أضاء وجهه كالشمس وتلألأت ثيابه كالنور . والنور كشف حقيقته وجمال وجهه الفائق الجمال فإلتمسوا التلاميذ بهاء آلوهيته وآمنوا بأنه الإله المتجسد . وظهور الغمام يرمز إلى حضور الله الذي أكد للتلاميذ الثلاثة بأن المتجلي أمامهم هو أبن الله الحبيب الممجد ، ومجد الله ظهر في العهد القديم لموسى وإيليا اللذان ظهرا مع يسوع على الجبل ، إنهما يمثلان عهد الناموس والأنبياء ، ومع المسيح إجتمعت كل العهود لتكتمل رسالة السماء في المسيح الموعود .

 تجلى الله في عليقة لموسى النبي ، ومن داخل العليقة المشتعلة تكلم الله مع موسى . وبعد خروج شعب الله المختار من مصر بيد قوية ، ترك موسى شعبه مع أخيه هارون ليصعد إلى الجبل ، وشيوخ الشعب جالسون على السفح ينتظرون برعدة عودة نبيهم . فعندما صار موسى  على الجبل ، فجأة غمرت الغمامة الجبل ، ومجد الرب إستقر عليه مدة ستة أيام ، وفي اليوم السابع نادى الرب موسى من وسط الغمام ، وكان منظر مجدهِ كنار آكلة ! لأن إلهنا نار آكلة ، فإقترب موسى ودخل في الغمام وظل فيها أربعين يوماً وأربعين ليلة ( خر 24: 12-18 ) . تجرأ موسى وطلب من الرب أن يظهر له مجده ، والله كشف له عن إسمه ، قال ( أنا هو الكائن … أنا هو ) لكن عن إكتشاف وجهه قال لموسى ( لا تستطيع أن ترى وجهي ، لأنه لا يراني إنسان ويعيش … وأما وجهي فلا يرى ) فإنحنى موسى وسجد أمام حضرته . كما كان الغمام يسير أمام موسى وشعبهِ في الصحراء ( خر 24: 15و9:33) .

  مرت قرون والشعب يذكر موسى الذي أنقذهم من عبودية مصر ، إلى أن برز نبي عظيم آخر في القرن التاسع ق.م في مملكة إس*رائي*ل الشمالية وهو إيليا الذي إنتفض غاضباً ومدافعاً عن إلههِ الحي فوبخ العظماء وملوك إس*رائي*ل بسبب عبادتهم للبعل ، وزواجهم من الفينيقيات ، وبعدها تحدى آلهتهم وق*ت*ل كهنتهم وهرب إلى الصحراء خوفاً من إنتقام الملكة إيزابيل التي أرادت ق*ت*لهِ . إضطجع من التعب تحت الشجرة ، وإذا بملاك الرب يتجلى أمامه وقدم له الخبز والماء وأمره بأن يتابع مسيرته ، فسار أربعين يوماً وأربعين ليلة حتى وصل إلى جبل حوريب ، وعلى هذا الجبل إلتقى موسى أيضاً الرب لأول مرة . أستدعى الرب إيليا ليريه مجده ، فدخل إيليا في مغارة وبات فيها … ثم أمره الرب قائلاً ( إخرج وقف على الجبل ، فهبت ريح عظيمة وشديدة تصدع الجبال وتحطم الصخور ، ولم يكن الرب في الريح ! وبعد الريح زلزال ولم يكن الرب فيه . وبعد الزلزال نار ولم يكن الرب في النار . وبعد النار صوت نسيم لطيف وكان الرب في النسيم ، فستر إيليا وجهه برداءهِ لأنه كان في حضرةِ الله ) .

ماذا يعني مجد الرب ؟

لملوك وعظماء الأرض مجدهم الزائل والذي يوحي إلى أهميتهم ووجوب إحترامهم من قبل الشعب ليعطى لهم قيمة تليق بمكانتهم . والإنسان خلقه الله ليتسلط على الكون ويملكه ، فكلله الله بالمجد والكرامةِ قبل السقوط .

   المجد يرمز إلى الطهارة والنقاوة ، فمجد الله عند موسى كان ناراً متميزة عن الغمام التي كانت تصطحبه وتحيط بهِ وتشير إلى حضرةِ الله . وعند إيليا كان كنسيم عليل يشير إلى الصداقةِ الودودة بين الله ومحبيه . فنور الله يشرق على وجوه من يقابلهم ، كما حصل لموسى ، فكان يغطي وجهه لكي يستطيع الشعب أن ينظرو من وجهه بعد مقابلته لله . وهكذا نطالع في أسفار العهد القديم عن مجد الله الذي نزل وإستقر في هيكل سليمان عند إفتتاحهِ . كما تراءى مجد الله لحزقيال النبي ، منطلقاً من الهيكل على أجنحة الشاروبيم ، على أن يعود في هيكل جديد ( طالع حز 43 ) . أجل لقد رأى حزقيال مجد الرب عائداً إلى شعبه بعد السبي بصورة إبن البشر . وإبن البشر هو المسيح الذي أظهر مجده على جبل الشيخ الذي يقال بأنه جبل طابور . فعلى الجبل ظهر ثالوث الله ، كما ظهر ثالوث أنبياء العهد القديم وخاتم كل النبوءات ، الرب يسوع ومع وجود ثالوث الرسل المختارين . أراد بطرس أن يصنع ثلاث مظال ، والرقم (3) يرمز إلى الكمال . وبينما كان يسوع يصلي تجلى أمام الرسل ، فتغير منظر وجهه وأخذ يبرق كالشمس وصار لباسه أبيض لامعاً كالثلج . وتراءى لهم موسى وإيليا في مجد ، وكانا يتكلمان مع يسوع في موضوع آلامهِ وموتهِ . النوم أخذ التلاميذ في رقادٍ ، وبسبب قوة وفاعلية المنظر السماوي الذي وعدهم الرب به قبل ثمانية أيام ليروه قبل مماتهم ( طالع مر 9:1 ) .

 ألقى التلاميذ بأنفسهم على الأرض لأنهم لم يحتملوا مشاهدة صورة المسيح الإلهية التي لا يطاق النظر إليها . كذلك أرعبهم صوت الآب الصادر من الغمام يأمرهم بقوله ( له إسمعوا ) .

كان منظراً سماوياً مرعباً لأهل الأرض . على ذلك الجبل العالي إلتقت السماء مع الأرض في منظر رهيب أستبد الخوف في قلوب التلاميذ وهم مرتمون على وجوههم . البياض الناصع الذي كان يحيط بالمسيح كان يوحي بنار الله الأزلية لفرط بهائه ، أبهر عيونهم لأن ثلاثة شعاعات إنطلقت من ثياب المسيح وكل منها إنصب بقوة في أحد التلاميذ ، وهذا ثالوث آخر في مشروع الله وخطتهِ على جبل التجلي . شاهدوا موسى رمز الفصح والعبور . وإيليا رمز الإنبعاث الذي أختطف وسط زوبعةٍ في مركبةٍ نارية تاركاً روحه وردائهِ لتلميذه إيليشع ، وكان يرمز إلى المسيح الذي صعد إلى السماء وأخذته الغمام على مرأى تلاميذه . تاركاً لهم روحه القدوس الذي ارسله لهم في يوم العنصرة . ومجد يسوع لم يكتمل في يوم التجلي ، بل إكتمل على الصليب ، وفي يوم قيامته . كما تجلى لرسله بعد القيامة لمدة اربعون يوماً .

   في الختام نقول : أن المسيح في تجليه على الجبل أظهر لاهوتهِ ، وأثبت لنا جوهرهِ الحقيقي ، وإختار طوعاً أن يتخلى من مجدهِ الأزلي ليتجسد ويتخذ صورة عبد ، وفي التجلي نعلم بأن جوهر الله لا يدنى منه ، الله نور ، كما يقول عنه سمعان اللاهوتي ( من يؤهلهم الله ليروه يتأملونه كنور ) ولكن هذا النور الأزلي لا يستطيع أحد أن يدنو منه مطلقاً ، وأما تجلياته ومظاهره في العالم فيستطيع المرء أن يراها ويتحد بها بواسطة الأسرار . فالله يخرج إلى الإنسان بواسطة طاقاته ، وهو فيها بالكليّة . هي ليست قسماً منه ، إنما هي الله في إعلاناته وإنكشافاته . الله يفوق تصوراتنا الذهنية فالله الآب هو أب المجد ( أف 17:1 ) والإبن هو ضياء مجدهِ وصورة جوهره ( عب 3:1 ) والروح القدس هو كرامة الله ومجده وقوته ( 1 بط 14:4 ) .

ليخرق نور تجلي الرب قلوبنا وعقولنا ليفتح بصيرتنا وأذهاننا لنصغي دائماً إلى صوته ونعمل بوصاياه . ليتمجد أسمه القدوس .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!